دمشق – «القدس العربي»: أعلنت «قوات سوريا الديموقراطية»، أمس الخميس، عن إفساح المجال أمام السوريين المقيمين من عائلات عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» في مخيم الهول شرقي الحسكة بـ«العودة الطوعية إلى مناطق سكناهم الأصلية»، في خطوة اعتبرها خبراء ومحللون خلال تصريحات لـ «القدس العربي» بأنها تهديد مباشر للأمن القومي السوري.
يجري ذلك بينما التقى رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أمس الخميس، مع وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني، وسط أجواء «ودية»، حيث بحث الجانبان آخر مستجدات الأوضاع في سوريا، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، وحماية السلم والاستقرار في سوريا وذلك على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي.
وقالت «قسد» في بيان رسمي أنها فتحت المجال أمام العودة الطوعية لقاطني المخيمات في شمال شرق سوريا، من «المواطنين السوريين المقيمين في مخيم الهول إلى مناطق سكناهم» كما دعت «المنظمات الدولية المعنية بالشؤون الإنسانية إلى تقديم العون والمساعدة للمواطنين السوريين الذين نزحوا إلى مناطق شمال شرق سوريا بسبب الحرب في البلاد، ويقيمون حاليا في مخيمات العريشة، المحمودلي، طويحينية، وأبو خشب».
وشددت على ضرورة أن «تتخذ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي موقفا حازما تجاه قضية المهجرين من عفرين، تل أبيض، وسريه كانيه/رأس العين، لتمكينهم من العودة الآمنة إلى مناطقهم، مع ضمانات أممية تحميهم وتؤمن عودتهم» لافتا إلى أن سوريا «دخلت مرحلة جديدة، وباتت بعض الملفات الإنسانية تفرض نفسها، ومن بين الملفات التي كانت تشكل عبئا ثقيلا على كاهل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هو ملف النازحين واللاجئين».
وحسب مصادر أمنية لـ «القدس العربي» فإن قوات سوريا الديموقراطية «قسد» تستعد لإخلاء القطاع الشرقي من نهر الفرات في محافظة دير الزور، والذي يبدأ من حدود الحسكة مع منطقة «الصُور»، حتى الباغوز على الحدود العراقية، لافتا إلى أن الكثير من العوائل السورية المحتجزة في مخيم الهول هي من أهالي هذه المنطقة».
تهديد الأمن القومي
وأضافت: في حال «نقلت هذه العوائل من مخيم الهول إلى القطاع الفراتي الشرقي، حيث مساكنهم الأصلية دون تنسيق مسبق مع إدارة العمليات ووزارة الداخلية في الحكومة السورية هذا قد يؤدي إلى خلق نزاع عشائري، وتعزيز النشاط المتطرف في المنطقة، حيث تشير التقديرات إلى وجود قرابة 13 ألف شخص سيشملهم هذا الإجراء، بمعدل 4500 عائلة، وهو ما يعدد تهديد الأمن القومي السوري في حوض الفرات».
وقال: في حال توصل الطرفان لاتفاق فيجب أن تلفت الحكومة السورية إلى خطورة هذه المنطقة، وتشكيل قوة خاصة لإدارة الموقف الأمني والعسكري فيها.
وتشكل مناطق إدارة «قسد» حسب تقارير ودراسات «نحو نصف طول الحدود مع تركيا والعراق، إذ يمتد الشريط الحدودي مع العراق من بلدة عين ديوار شمال محافظة الحسكة وحتى الباغوز بالقرب من البوكمال بريف دير الزور الشرقي، وبمسافة تصل إلى أكثر من 460 كيلومترا».
خبراء لـ «القدس العربي»: تصدير أزمة وتهديد مباشر للأمن القومي السوري في حوض الفرات
وتمتد المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة «قسد» وتركيا من عين ديوار على مثلث الحدود السورية مع العراق وتركيا، وصولا إلى أطراف منبج بريف حلب، وبمسافة تزيد على 420 كيلومترا، باستثناء نحو 130 كيلومترا سيطرت عليها فصائل «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا في المنطقة الممتدة من مدينة رأس العين، وحتى الريف الغربي لمدينة تل أبيض شمال الرقة، وذلك بعد العملية التي أطلقت عليها تركيا «نبع السلام» في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
تخفيف أعباء
خبير أمني، فضل حجب هويته، اعتبر في حديث مع «القدس العربي» أن فتح العودة الطوعية أمام سكان مخيم الهول يأتي ضمن سياسة تخفيف الأعباء، حيث يعني ذلك أن «قسد تعمل على تحفيف الأعباء عن نفسها ونقل هذه الأعباء تجاه الإدارة السورية الجديدة».
وقال «هناك في مخيم الهول آلاف المحتجزين من جنسيات أجنبية إلى جانب الآلاف من جنسيات سورية وعراقية، وخطوة إفراغ مخيم الهول كانت مطروحة منذ زمن لدى قيادات قسد، إلا أن العراق لم يستجب وحكومة المخلوع بشار الأسد لم تستجب للدعوة، بينما كان الناس يتخوفون من ردات فعل انتقامية في حال عودتهم إلى مناطقهم. أما الآن بعد سقوط بشار الأسد، صار من الممكن تفريغ هذا الجزء الذي يشكل عبئا على قسد، وليس ورقة قوة كما يرى البعض».
أوراق قوة
أمام ورقة القوة من وجهة نظر المصدر «فهي وجود بعض العوائل لبعض الجنسيات الأجنبية وليس كلها، فهناك أجانب من داغستان وروسيا ومنطقة القوقاز والبلقان، هؤلاء لا يشكلون أي ورقة مهمة بالنسبة لقسد، لكن الجنسيات الغربية الأمريكية والبريطانية هؤلاء هم من يقلق الغرب وتحاول قسد اللعب بورقتهم».
وتكتسب المنطقة التي تفرض «قوات سوريا الديموقراطية» سيطرتها عليها أهمية سياسية وجغرافية، لكونها مرتبطة بملفات حساسة مع دول جوار سوريا، سواء ملاحقة خلايا «الدولة» بالنسبة للعراق، أو ما تعتبره تركيا خطرا يتمثل في وجود «قسد» على حدودها الجنوبية.
تصدير أزمة
الخبير في شؤون الجماعات الجهادية الباحث الأردني حسن أبو هنية، عبر عن اعتقاده لـ «القدس العربي» أن «قسد تريد تخفيف أعباء هذا الملف من جهة، وتصدير أزمة للحكومة السورية الجديدة وتركيا»، لافتا إلى أن «خطورة ملف معتقلي تنظيم الدولة عددهم حوالي 10 آلاف وهناك في مخيم الهول حوالي 45 ألف، معظمهم من السوريين والعراقيين و80 في المئة منهم من الأطفال، وفي ظل عدم وضوح السياسية الأمريكية في عهد ترامب حيال التعامل مع قوات سوريا الديموقراطية، فإن قسد ستعمل على خلق هذه الأزمة التي تشكل لتركيا إحدى المشاكل».
وكان مخيم الهول يضم أكثر من 90 ألف من سوريين وعراقيين، لكن بعضهم ذهب منذ 2019 منذ السيطرة على آخر جيب لتنظيم الدولة في الباغوز، حيث نشأت هذه المخيمات في الهول وغيرها.
وبرأي أبو هنية، فإن «قسد كانت تستثمر في هذا الملف أحيانا، للحصول على الدعم سواء كان العسكري أو السياسي أو المالي»، معبرا عن اعتقاده بأن قسد تحاول أن لا يكون هذا الملف وحده سبب دعم قوات سوريا الديموقراطية، فهو «مجرد ورقة بيد قسد خاصة ان مخيم الهول يضم أطفال ونساء، وكان يجب يخرج هؤلاء منذ زمن من هذا المخيم الكارثي والذي يشهد أوضاع سيئة».
ضغوط على «قسد»
وتعاني «قوات سوريا الديمقراطية»، حسب المتحدث، من جملة من الضغوطات، هي: عدم وجود يقين أو تصور حول موقف الجانب الأمريكي بعد وصول ترامب الذي يريد أن يخفف من مسؤولياته في المنطقة، وتأكيد الجانب التركي تولي ملف تنظيم «الدولة» لأجل التخلص منه عبر «عملية فجر الحرية» التي يقودها الجيش الوطني، كل ذلك إلى جانب الضغوط التي تمارسها الإدارة الجديدة، من جانب آخر».
ويشكل ملف تنظيم «الدولة» أحد الملفات الإشكالية التي لم تحل على مدى سنوات دوليا، ويحمل جملة من المخاطر تحدث عنها الباحث السياسي فراس علاوي، الذي تحدث عن محاولة» قسد» كسب حاضنة اجتماعية عن طريق إطلاق سراح المعتقلين في مخيم الهول، وأغلبهم من المحتجزين بصورة غير قانونية، ولم يتم التحقيق معهم.
رسالة إلى الحليف الدولي
وحسب ما قال لـ «القدس العربي» هي محاولة تخفيف التكلفة البشرية والمادية للمخيم، على قسد، والأهم رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بأنه في حال التخلي عن قسد فإنها لن تستطيع إدارة جميع ملفات المخيم.
اتفاق مع الإدارة الجديدة
وعلى خلاف ما سبق، رأى مدير شبكة أخبار «الشرق نيوز» بدر مصطفى أن الإفراج عن عائلات تنظيم «الدولة»، يمكن أن يكون بموجب اتفاق مع الإدارة الجديدة في دمشق، حيث قال لـ «القدس العربي» إن الإدارة الذاتية يمكن أن تكون قد توصلت إلى اتفاق وصيغة تفاهم مع دمشق والولايات المتحدة الأمريكية، بتسهيل عودة المدنيين والنازحين لتخفيف الأعداد المتواجدة في مخيم الهول، وبالتالي إنهاء حالة الكثافة المرتفعة لهذه المخيمات وسكانها، والتركيز لاحقا على كيفية التفاهم حول السجون الخاصة بالمقاتلين بما يؤدي إلى تسهيل الوصول إلى تفاهم نهائي سواء أمنيا أو عسكريا في المنطقة.
واعتبر أن، تخفيف «الكثافة السكانية في المخيمات، سيسمح للأطراف السورية الانتقال إلى مرحلة مناقشة المخيمات والسجون الأمنية، وسيساهم في موضوع تخفيض التوتر بين هؤلاء الساكنين في المخيم من المدنيين أو حتى بين أهاليهم في المناطق الأصلية».
لقاء في دافوس
التقى رئيس حكومة إقليم كردستان العراقي مسرور بارزاني، أمس الخميس، مع وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني، وذلك ضمن سلسلة لقاءاته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، حيث قال «موقع حكومة إقليم كردستان» إن اجتماع بارزاني بالشيباني سادته أجواءٌ ودية، حيث بحث الجانبان آخر مستجدات الأوضاع في سوريا، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى التطورات الراهنة في المنطقة.
وأضاف المصدر، أن وزير الخارجية السوري قدم إيجازا حول الوضع الجديد في سوريا والجهود التي تبذلها الإدارة الجديدة لإحلال الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات العامة للمواطنين، مؤكدا أن «الأكراد هم أخواتنا وإخوتنا وهم مكون محوري وأصيل في سوريا، ونؤكد أن حقوقهم ستكون مصانة ومحمية».
ووجه دعوة إلى رئيس حكومة إقليم كردستان لزيارة دمشق، مُعربا عن أمله بأن يراه في سوريا في المستقبل القريب.
فيما أكد رئيس الحكومة في كردستان أن «حماية السلم والاستقرار في سوريا يمثل أولوية قصوى بالنسبة لنا، مُبديا استعداد الإقليم لتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة اللازمة لإخواننا وأخواتنا في سوريا.
- القدس العربي