“القدس العربي”: أكد برنارد دوهايم، مقرر الأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، أن العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن تقترن بإصلاحات دستورية تضمن حقوق الضحايا والجُناة، وتمنع الإفلات من العقاب وتكرار الانتهاكات التي ارتكبها نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “أولا وقبل كل شيء، يجب التأكيد أن محاسبة المتورطين في الانتهاكات هي التزام قانوني للدول، كما أن الحفاظ على أدلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان شرط أساسي لضمان الحقيقة والمساءلة”.
وأضاف: “بصفتي المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والتعويض وضمانات عدم التكرار، فإن دوري هو دعم هذه العملية من خلال تقديم المشورة للسلطات المؤقتة، والاجتماع مع المنظمات التي تُعنى بالضحايا السوريين وأفراد أسرهم، والانخراط مع المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، وكذلك جميع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة العاملة في سوريا”.
وفيما يتعلق باحتمال زيارته لسوريا، قال دوهايم: “زياراتي الميدانية إلى الدول تقتصر على زيارتين فقط في السنة، وتركز على تقييم التدابير التي اتخذتها السلطات لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، من خلال تدابير البحث عن الحقيقة والمساءلة الجنائية والتعويض وضمانات عدم التكرار”.
وأضاف: “فيما يتعلق بسوريا، في هذه المرحلة المبكرة من الانتقال، سوف تركز أولويتي على رصد التقدم المحرز في تصميم وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية التي تتوافق مع المعايير الدولية. وتحتاج سوريا إلى اتخاذ تدابير ملموسة لإنشاء آليات يتم فيها التركيز على الضحايا، وتوثيق الأدلة والحفاظ عليها، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. وهذا نداء كانت ولايتي تطالب به منذ عدة سنوات، وكان آخرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد وقت قصير من سقوط نظام الأسد”.
وفيما يتعلق بامتناع موسكو عن تسليم الأسد رغم صدور عدة مذكرات اعتقال بحقه، قال دوهايم: “بموجب القانون الدولي، تلتزم الدول بضمان مقاضاة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ومحاكمتهم ومعاقبتهم بشكل مناسب”.
على الدول ضمان تحقيق العدالة من خلال الامتناع عن تبني عقبات قانونية أو قضائية تحول دون المساءلة واللجوء إلى الإعفاءات التي تحمي الجناة
وأضاف: “الواقع أن المحكمة الجنائية الدولية لديها تفويض بمقاضاة أولئك الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن أفظع الجرائم، لكنها ليست السلطة الوحيدة التي تتمتع بهذه السلطة، فقد تم دمج مبدأ الولاية القضائية العالمية في العديد من الأطر المعيارية الوطنية ويسمح للدول بمقاضاة المجرمين الموجودين على أراضيها، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم”.
وتابع: “على المستوى الوطني، ستحتاج سوريا أيضاً إلى تنفيذ الإصلاحات القانونية اللازمة لبناء قضاء قوي وعادل ونزيه ومستقل قادر على محاكمة الجناة بما يتماشى مع متطلبات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة ضمانات المحاكمة العادلة”.
ويرى بعض المراقبين أن محاسبة المتورطين في الجرائم هي جزء من إعادة بناء سوريا، لكنه يحذرون -في المقابل- من تحول العدالة الانتقالية إلى “عدالة انتقامية” يمكن أن تقود البلاد إلى الفوضى.
تحتاج سوريا إلى إصلاحات قانونية لبناء قضاء قوي وعادل ونزيه ومستقل قادر على محاكمة الجناة بما يتماشى مع القانون الدولي
وعلق دوهايم على ذلك بقوله: “المساءلة شرط أساسي للتعافي من الفظائع الماضية. وهي تستلزم فرض عقوبة معينة بموجب حكم نهائي صادر بموجب القانون الجنائي من قبل محكمة مستقلة؛ ويجب أن تكون هذه العقوبة متناسبة مع طبيعة الجريمة المعنية ويجب تنفيذها وتقديمها. ومع ذلك، فإن الملاحقات الجنائية وحدها لا تكفي لتحقيق العدالة، ولن يتم النظر إليها على أنها عادلة، إذا لم يتم تطبيق معايير الإجراءات القانونية الواجبة بشكل كافٍ ومتساوٍ”.
وأضاف: “الواقع أن الملاحقات الجنائية تحتاج إلى أن تكون مصحوبة بإصلاحات دستورية وقانونية وسياسية واسعة النطاق، حيث يتم احترام الحق في المحاكمة العادلة، وضمان كفاءة القضاء ونزاهته واستقلاله، واحترام حقوق الضحايا بشكل كامل. ويتضمن هذا الأخير التعويض الكامل، بما في ذلك، في ضوء الظروف الخاصة للقضية، التدابير المناسبة للتعويض وإعادة التأهيل والتعويض والرضا”.
وتابع دوهايم: “علاوة على ذلك، يتعين على الدول أن تضمن تحقيق العدالة من خلال الامتناع عن تبني أي عقبات قانونية أو قضائية أو فعلية تحول دون المساءلة (مثل العفو أو التقادم القانوني) والامتناع عن اللجوء إلى الإعفاءات التي تحمي الجناة من العدالة”.
بعد عقود من الحكم القمعي، أصبحت لسوريا فرصة ذهبية لإعادة بناء بلد قائم على سيادة القانون ويضمن الحقوق للجميع دون تمييز
واعتبر دوهايم أن سوريا “بعد عقود من الحكم القمعي، أصبحت لديها فرصة ذهبية لإعادة بناء بلد قائم على سيادة القانون، حيث يمكن ضمان حقوق الإنسان للجميع، على قدم المساواة في الكرامة ودون تمييز. وسيكون من دور المجتمع الدولي، بما في ذلك آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، دعم هذه الجهود وضمان عدم تكرار جرائم الماضي الفظيعة.
وأضاف: “البحث عن الحقيقة، وآليات المساءلة الفعالة، وتعويض الضحايا، وتخليد ذكرى الانتهاكات الماضية، كلها عوامل توفر ضمانة سليمة لعدم تكرار هذه الانتهاكات”.
- القدس العربي