تطوُّرٌ قَلَب الطاولة على كلّ ما حدث، ويحدث، في سورية، وحقّق اختراقاً مفاجئاً تمثّل باتفاق رئيس
الجمهورية وقيادة قسد على خطوط عامة تحفظ حقوق الكرد ومشاركتهم، وتجرّد الأطراف الخارجية من ورقة مشاركة المكونات السورية في صياغة مستقبل سورية السياسي والاقتصادي والدستوري والأمني، وهو مالم يكن ليحصل لولا توافقات إقليمية ودولية عديدة. فالمتغيرات في السياسة الداخلية التركية ” بعد دعوة أوجلان إلقاء سلاح حزب العمال ” دفعت قسد لمتابعة التفاوض مع الرئيس الشرع، والسياسة الأميركية ” بعد استلام ترامب رئاسة أميركا ” والتوافق التركي الأميركي على حلّ مشكلة قسد، وبذلك يشكّل الاتفاق فتحاً في آفاق القضية الكردية التركية، ويصوّب التوجّه الأميركي “والغربي عموماً” نحو القضية السورية من جديد، ويخفّف الضغط على سورية الجديدة سياسياً واقتصادياً، ويبقيها تحت المجهر. ويمكن عدّه رسالة لكافة المتداخلين في الشأن السوري، ” وخاصة بعد أحداث الساحل “، أن التخادم بين ثلاث الجبهات، الساحل والجنوب والشرق والشمال الشرقي، انتهى إلى غير رجعة، ونُزع فتيل تفجير سورية المرسوم بتوافق ضمني إسرائيلي إيراني.
ولن يستمرّ مشروع تقسيم سورية؛ ففلول النظام وحزب الله في الساحل تبعثرت حشودهم، واستُعيدت الدولة- وهو ما لعب دوراً واضحاً في توقيت إشهار الاتفاق بين الشرع وعبدي- وقسد قبلت الاندماج بالدولة، ويسير وضع الجنوب وفق تباشير عدّة تقول بترجيح الاتفاق مع مشروع الدولة الجديدة واستقرارها، لغلبة النفَس الوطني الديمقراطي، على الرغم من كل ما تفعله إسرائيل من ترغيب وترهيب.
إن مشروع تفكيك سورية وتقسيمها، لن يكون متداولاً على المدى المنظور؛ بعدما أنجزت الإدارة الجديدة أغلب، بل أصعب الخطوات باتجاه المشاركة والاندماج بين السوريين، وترميم الهوية الوطنية بلا إقصاء، بانتظار الحكومة الانتقالية التي تمثّل مكوّنات سورية عبر كفاءتها لا انتمائها الإثني أو الديني أو الطائفي.
وأمام كل هذه العراقيل، لا بدّ أن يكون الخطاب الوطني وسيلة للمحافظة على وحدة سورية، فما تحقّق بهذه الانعطافة سيؤلّب المتربّصين الإقليميين، ولكنه يؤسّس لتوافق وطني، ويساعد على رفع العقوبات الجائرة المفروضة، ويمهّد لحلّ مشكلات عديدة، ويكون عتبة لنبذ خطاب الكراهية وشجاعة التنازلات المتبادلة تحت عنوان المحافظة على الثوابت الوطنية.
لا يمكن أن نغفل، أن التوافق الداخلي يستجلب التوافق الإقليمي والدولي للتعامل مع الوضع السوري، ولا بدّ أن يتوازيا، فكلاهما يتكاملان، أحدهما يقوى ويقوّي الآخر. ولهذا يجب العمل على المحافظة على السلم الأهلي، ونبذ كل عبث في أساسياته، وتفعيل اللجان القانونية والحقوقية والدستورية لمحاسبة ومتابعة كل من سوّلت له نفسه إيذاء مدني بريء، أو التسبّب بمعاناة مسالمين بسبب دينهم أو طائفتهم أو قوميتهم.
الاتفاق بين الدولة و” قسد “، وإن كانت بضغوط وتنازلات، تدشين لمرحلة جديدة، يفرح بها السوريون موحّدين أحراراً.. ويبتهجون لسقوط فلول الأسدية مرة أخيرة.. وإلى الأبد.
- رئيس التحرير