بشار الحاج علي
في العاشر من آذار 2025، شهدت الساحة السورية تطورًا بالغ الأهمية تمثل في الاتفاق الذي جرى بين السيد الرئيس أحمد الشرع والسيد مظلوم عبدي، وهو اتفاق يعيد صياغة المشهد السياسي السوري على أسس وطنية جامعة، ويبعث برسائل إقليمية ودولية تتجاوز حدود سوريا الجغرافية. فهذا الاتفاق، الذي يعزز وحدة البلاد، ويضمن الحقوق السياسية والاجتماعية لكل السوريين، ويؤسس إلى مرحلة جديدة من الاستقرار، يحمل أبعاداً استراتيجية تتعلق بأمن الإقليم ككل، وبتوازنات القوى الدولية في واحدة من أكثر المناطق حساسية وتأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.
انعكاسات الاتفاق على دول الإقليم: بين الفرص والتحديات
لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق بمعزل عن القضية الكردية في دول الجوار، حيث يشكل الأكراد جزءًا أساسيًا من النسيج السكاني في العراق، وإيران، وتركيا، وتواجه هذه الدول تحديات مماثلة تتعلق بإدارة التنوع القومي.
⁃ العراق، الذي يتمتع فيه إقليم كردستان بوضع خاص، لطالما شهد توترات بين بغداد وأربيل، سواء فيما يتعلق بالموازنة، وتقاسم الموارد، أو النفوذ السياسي. ويأتي الاتفاق السوري ليؤكد إمكانية دمج الأكراد ضمن الدولة الوطنية دون الحاجة إلى مشاريع انفصالية، وهو نموذج قد يشجع بغداد على تبني سياسات أكثر استيعابًا للمكون الكردي ضمن إطار الدولة العراقية.
⁃ إيران، التي تواجه تحديات مشابهة في مناطقها الغربية، تدرك أن هذا الاتفاق قد يكون إشارة إلى إمكانية معالجة المسألة الكردية بأسلوب سياسي متوازن. فرغم الحذر الذي قد تبديه طهران تجاه أي تحولات في شمال شرقي سوريا، إلا أن نجاح هذا النموذج السوري قد يدفعها إلى التفكير في حلول وطنية بديلة عن المقاربات الأمنية التقليدية.
– تركيا، التي لطالما رأت في القضية الكردية ملفًا أمنيًا، قد تجد في هذا الاتفاق فرصة لمراجعة سياساتها، لا سيما بعد خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في شباط الماضي، والذي دعا إلى حل سياسي شامل للقضية الكردية داخل تركيا ومع تحول المزاج السياسي التركي نحو نهج أقل تصعيدًا، فإن نجاح هذا الاتفاق السوري قد يشكل نقطة انطلاق لمقاربات أكثر براغماتية في الداخل التركي.
إن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.
الترحيب العربي: دعم لوحدة سوريا وحماية الأمن القومي
يشكل هذا الاتفاق خطوة أساسية في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها، وهو ما يلقى ترحيبًا عربيًا نظرًا لما تمثله سوريا من ركيزة أساسية في الأمن القومي العربي فمنذ اندلاع الثورة السورية، كانت هناك مخاوف عربية من تفتيت البلاد، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وجيوسياسية خطيرة. ومن هنا، فإن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.
إسرائيل واستغلال المظلومية الكردية
لطالما سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال القضية الكردية كأداة لخلق بؤر توتر داخل الدول الإقليمية، وذلك في إطار استراتيجيتها القائمة على تفتيت المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومتخاصمة. فمنذ دعمها لانفصال كردستان العراق عام 2017، مرورًا بمحاولاتها بناء علاقات مع بعض الفصائل الكردية في سوريا، وصولًا إلى تقديم نفسها كـ”مدافع” عن حقوق الأكراد، كانت إسرائيل تسعى لتوظيف المظلومية الكردية لخدمة مشروعها التوسعي.
لكن هذا الاتفاق يضع حدًا لهذه المحاولات، حيث يؤكد على دمج الأكراد في الدولة السورية، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومكوناتها على أسس المواطنة المتساوية وبهذا تسقط ورقة طالما حاولت إسرائيل استغلالها، ويعاد ترسيخ مفهوم الحلول الوطنية كبديل عن التدخلات الخارجية المشبوهة.
إن نجاح هذا الاتفاق لا يعني فقط انتصارًا لسوريا في مواجهة التحديات الداخلية، بل قد يشكل نقطة تحول في المشهد الإقليمي.
الترحيب الدولي: استقرار سوريا في منطقة مفصلية للأمن العالمي
لا شك أن هذا الاتفاق سيحظى بترحيب دولي واسع، نظرًا للأهمية الجيوسياسية لسوريا في منطقة تعد إحدى أكثر المناطق تأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.
فمنذ اندلاع الأزمة السورية، كان المجتمع الدولي يدرك أن استقرار سوريا هو عامل حاسم في ضبط توازنات الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بالحد من التهديدات الإرهابية، أو احتواء التدخلات الخارجية، أو ضمان تدفق الطاقة والتجارة العالمية.
إن تعزيز وحدة سوريا وإعادة دمج كل مكوناتها في إطار وطني جامع يوفر نموذجًا يمكن الاستفادة منه في حل النزاعات القائمة على الهويات الفرعية، ويمنح الدول الكبرى فرصة لدعم استقرار المنطقة دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية أو سياسية مكلفة ،وبذلك يصبح هذا الاتفاق ليس مجرد خطوة داخلية، بل تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة التأثيرات الإقليمية والدولية.
إن نجاح هذا الاتفاق لا يعني فقط انتصارًا لسوريا في مواجهة التحديات الداخلية، بل قد يشكل نقطة تحول في المشهد الإقليمي، حيث يمكن أن يكون نموذجًا لحلول وطنية تقوم على وحدة الدولة، واحتواء التنوع، ورفض التدخلات الخارجية.
فالمرحلة المقبلة تتطلب الالتفاف حول هذا المسار، ودعمه كخيار استراتيجي لاستعادة الاستقرار الوطني والإقليمي، بعيدًا عن المشاريع التي لا تخدم سوى مصالح القوى الخارجية، وإن مصير المنطقة لا تحدده العواصم الأجنبية، بل تصنعه إرادة شعوبها حين تضع مصلحة أوطانها فوق أي اعتبارات أخرى.
بهذا الاتفاق، تثبت سوريا مجددًا أن الحل يبدأ وينتهي وطنيًا، وأن وحدة البلاد هي الأساس في بناء مستقبل مستقر وآمن، ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة والعالم بأسره.
- تلفزيون سوريا