كتبت الشاعرة السورية رشا عمران مقالةً في العربي الجديد/ ضفة ثالثة، يوم 30 سبتمبر 2021 بعنوان “عن الشعبوية الكيدية وافتراضاتها الثقافية البائسة”، تدافع فيه عن الشاعر السوري أدونيس من خلال الكلام على مقطع شعري ركيك مزيف، يعلن فيه كاتبه نهاية الأمويين. بالطبع معروف إلى ماذا تحيل مفردة أمويين في ظل الانقسام السوري. انتشر المقطع، واعتبرَ جزءٌ من جمهور الفيسبوك الفوضوي أدونيس شبيحاً، وكال له الشتائم.
تتّهم رشا مثقفين سوريين بأنهم كانوا من ضمن أولاء. تقول رشا “… بل ساهم (أيضاً) في هذا التناقل مثقفون سوريون وكتاب…). والحال أنني لم أقرأ أن مثقفاً سورياً معتبراً، تحدث بأن النص المزيف لأدونيس. أمّا ما يتعلق بالانتقاد المرّ لمواقف أدونيس الممالئة لنظام بشار الأسد، فكان كثيراً فعلاً من قبل مثقفين وازنين، لا يمكن أن يتهموا بالطائفة كما تلمح رشا. ولنذكِّرْ هنا برسالة أدونيس لبشار الأسد ومخاطبته بالرئيس المنتخب! هذا الوصف لرئيس وارث وقاتل غير لائق بمثقف ولا بشاعر مهم، وهو أمر أثار حفيظة مثقفين، فانتقدوه.
لأدونيس أفكار تستجلب النقد السلبي، فكتابه الثابت والمتحول يمكن تلخيصه بأن الثابت المتحجّر السلبي في التاريخ الإسلامي هم السنيّون، والمتحول الإيجابي الذي ينحو للتغيير والتطور هو كتلة المذاهب الشيعية. لا يحتاج المرء في هذا أن يكون كارهاً لأدونيس كما أشارت رشا، أو يكون طائفياً في الطرف المقابل، كي يرى خطل فكرٍ مبنيٍّ على هذه الفكرة الأساسية في جل ما يكتبه أدونيس.
ترى رشا أن كارهي أدونيس ينطلقون من موقف جوهري في دواخلهم، وهي ترى أن (الهوى يحكم). هذه الجملة تحتوي على اتهام شنيع لمثقفين سوريين وتنزيه أشنع لأدونيس. وتلتمس رشا العذر لأدونيس في موقفه المضاد للثورة السورية بقولها (من يعرف جيل أدونيس الثقافي في سورية جيدًا، سوف يدرك أن لا أحد من هذا الجيل، كان يمكن أن يكون له موقف حاسم من الثورة أو ضدها، حتى الراحلين منهم قبل الثورة…) وطبعاً من هذا الجيل والد الشاعرة الشاعر محمد عمران. والحقيقة ما كان لمن تقصدهم رشا إلا أن يكونوا ضد الثورة السورية، وليس أبداً عجزهم المحتمل عن تأسيس موقف حاسم من الثورة، معها أو ضدها. إنهم ضدها حتى الموتى منهم. تاريخ سورية يشهد، وهزيمة ال67 تشهد، والثمانينيات تشهد، والقمع المتواصل يشهد، إذْ كان “جيل أدونيس” جزءاً من منظومة السلطة. كانوا يمسكون بصحفها(كل الصحف للسلطة) وأنشطتها الفنية والثقافية، وكانوا ساعداً قوياً للعسكر عبر حزب البعث، والقومي، والشيوعي البكداشي. كانوا في مؤسسات السلطة يمارسون الهيمنة الثقافية بقوة السلطة وبالقوة العائلية والطائفية تحت مسمى التقدمية.
كتب أدونيس في صحيفة تشرين نصاً عاراً في أواخر الثمانينيات عن حيين في جبلة (بلدته التي ولد فيها) حيٌّ علوي نابض بالحياة والنساء الجميلات والعرق والبهجة، وحيٌّ سنّي نساؤه محجبات والحياة فيه مكفهرة وبلا بهجة.
تحتمي رشا تعضيداً لتبريراتها بحضور نزار قباني ومحمود درويش وجابر عصفور لمهرجان المربد، لتنطلق إلى معلقة شتم للمثقف السوري، فتجترح بحقّه تسمية “الشعبوية الكيدية”، وتقول دون تبصّر إن ” كثراً من مثقفي سورية تبنّوا هذه الشعبوية الكيدية…”، وبالمناسبة محمود درويش حضر المربد لمرة واحد، لا كما تقول رشا بأنه كان ضيفاً دائماً وصورة صدام خلفه. وتتهم دون أصل للاتهام ” كان المطلوب أن يكون الجميع جذرياً في دعم الثورة منذ البداية، ومن لم يكن جذرياً، أو كان خائفاً، أو مشككاً أو لديه أسئلة، فهو موضوع في القائمة السوداء للثورة تخيلوا أن محاكمات كهذه بدأت منذ الأشهر الأولى للثورة”. بالله هذا الكلام غير صحيح، ويمكن العودة إلى شعارات الثورة في تلك المرحلة وكتابات وتصريحات النشطاء، وكذلك أرشيف لجان التنسيق المحلية.
وللدفاع أيضاً تستجلب رشا الضجة التي حدثت في وسائل الاتصال الاجتماعي حول فيروز ” الحالة الأغرب هو الموقف من فيروز، ففيروز التي تقترب من التسعين، والمبتعدة عن الإعلام منذ الأزل، يشتمها (ثوار) سورية دون تردد”. أرادت رشا استغلال شهرة فيروز ومكانتها كقرينة مسكتة. والحقيقة أن ابن فيروز زياد، هو من قال في مقابلة على ال: ل.ب.سي إن أمه وعلي دوبا رئيس المخابرات السورية وآخرون من أزلام سورية، كانوا في ليالي قصف تل الزعتر، في كل ليلة؛ يجلسون للعشاء على شرفة بيت فيروز، ويتفرجون شامتين بفلسطينيي تل الزعتر، وعبر زياد أن الشرفة كانت مثل غرفة عمليات.
تمعن رشا، بحسن نيّة، لإكمال سلسلة التبرير لأدونيس “وجيل أدونيس” بالقول: “كيف يمكن أن نستمتع بفن خوان ميرو الإسباني الذي أيّد فرانكو حتى النهاية، أو بأدب الكاتب النرويجي كنوت همسون المنبهر والعاشق لهتلر، وكيف نستمتع بشعر بابلو نيرودا وهو المتّهم بالاغتصاب والمتخلي عن طفلته المريضة…”. كل أولاء انتُقدوا. ويا “ستْ” رشا لو أن وسائل الاتصال كانت موجودة، لرأيتِ الآلاف من النقدات الجارحة. وباعتبارك أوردت اسم كنوت هامسون الروائي الكبير المحب لهتلر، عليّ أن أعلمك أن المحكمة النرويجية العليا حكمت عليه بالإعدام، وليس مجرد انتقادات. لم ينفّذ الحكم لكبره، عند التسعين سنة وقتها، ولكنه أودع في دار عجزة إلى أن عفّن وانفلتت مصراته ومات، وبقي الحكم بالإعدام.
تجري رشا مقارنة بين مثقفين مكّرسين ومرشحين لنوبل كأدونيس، وبين سياسيين سوريين؛ وهي مقارنة ليست من حقل الثقافة، وإنما هي من حقل النكاية السياسية “أليس من الغريب أن بعض السوريين يشتمون أدونيس وفيروز وزياد ليلًا نهارًا(!) ويطلقون عليهم لقب (شبيحة) ولم يدخل أحدهم سورية منذ أكثر من عشر سنوات، بينما نجد هذا البعض من السوريين يتسابق لإعلان الولاء لعائلات القتلة من ضباط وسياسيين سوريين كانوا من الأذرع الأولى الداعمة لنظام الأسد”
خلاصة الأمر، ابتليت سورية بهيمنة عسكرية طائفية منذ 1963، أنتجت ثقافتها الخاصة التي هيمنت فعلاً على الثقافة السورية، وأدونيس واحد منهم. إن أي متتبع لجزء من الانتاج الثقافي لمن سمّتهم رشا “جيل أدونيس”، سيرى أن المعنى المحتفى به من هؤلاء، هو شتم المدينة الحضرية، إلى درجة أن بعضهم وصف المدينة بالعاهرة التي تفتح ساقيها للريح وللعابرين، وتمجيد الريف واعتباره منبع الفروسية والرجولة والاغتصاب النبيل. المعنى واضح بالطبع. “جيل أدونيس” اغتصبوا السلطة واغتصبوا الثقافة.
ولنتذكرْ علاوة على ذلك أن أدونيس كان قد كتب قصيدة في منتهى الركاكة يمدح فيها قم والخميني، ويهدد الغرب! ولعلّ رشا اطّلعت عليها.
شخصياً لم أكتب يوماً عن أدونيس، إلا وقلت عنه إنه شاعر كبير “ولكن!”. هذه الـ “لكن” جزء ضئيل مما حصل للروائي النرويجي كنوت هامسون. هذه الـ “لكن” ليست حكماً بالإعدام يا رشا. ولكنها “لكن” كبيرة.
كتب واحد من جيل أدونيس أن “حلب لا تسوى شيئاً ولا يمكن أن تُحبّ. أخرجوا فقط عمر أبو ريشة منها، فما الذي يتبقى. وأن حلب وطرابلس لبنان وحماة مدن عقيمة لا تنجب ولا تُحبّ”. ويكمل “لا أتصوّر أن بطلاً من إحدى رواياتي سيكون من مدينة (ح)/ (حماة) لا تسألوني لماذا”.
لماذا يا واحداً من جيل أدونيس؟
- كاتب سوري
- أوسلو 1/10/2021
نص مفحم و موثق .
ليس منهم ،حتى من كنا نقسم برؤوسهم ،لنظافتهم وحسن سلوكهم ،إلا وكان مستفيداً من السلطة الطائفية التي انتجها تنظيم البعث .
فقد كانوا بأعيننا ثواراً ….ومعارضين ….وناقدين للممارسات السلطوية البعثية ،وأحياناً يخرج بعضهم عن المألوف ، ويسميها سلطة طائفية ،فيتطهر بهذا التوصيف كل من هب ودب ،ممن لم يتبوؤوا مناصبباً بسبب معارضتهم ، رغم انتمائهم للطائفة الثورية !!
ولكنهم …وجميعاً ، لم يشعروا بمرارة السوريين عندما يقلد ابن الرقة .. والحسكة ….ودمشق ،اللهجة العلوية ليحظى بحسن المعاملة وتسليك أموره – حتى المشروعة – في كل النوافذ السلطوية بمافيها كوات بيع الخبز او التسجيل في مؤسسة تعليمية … إلخ .
زياد رحباني ….قال :
لوكنت محل بشار لفعلت مثله .
إنه زمن تحالف الأقليات يا أبا جاسم ،الذي أسسه حافظ ،وأقنع به الخميني ،وينفذه بشار والخامنئي بقيادة صهيونية وشراكة إيرانية روسية ورعاية من الأمهات الثلاث الحنونات .