لندن – “القدس العربي”:
قالت مجلة “إيكونوميست” إن استمرار رفض إسرائيل مقاومة الضغوط لتحمل مسؤولية توفير المساعدات الإنسانية لسكان غزة لا يحللها من المسؤولية فهي الآن تسيطر على القطاع بشكل كامل بما فيه محور فيلادلفيا ومعبر رفح إضافة لتحكمها بالجو والبحر وتفرض الحصار الكامل على غزة. وإن أي جدل حول من يتحمل مسؤولية الإغاثة لأكثر من مليوني نسمة يتجاوز واجب إسرائيل بتوفير المساعدات. وقالت المجلة إن حوالي مليون نسمة فروا من رفح مع بداية الهجوم الإسرائيلي في 6 أيار/مايو، وبالنسبة للذين قرروا البقاء فإن القتال ترك عواقبه الوخيمة عليهم.
وقتل على الأقل 45 شخصا بمن فيهم عدد من الأطفال في 26 أيار/مايو بعد غارة إسرائيلية على معسكر للخيام. وكان على الناجين سحب الجثث المتفحمة من تحت الأنقاض. وحتى من تم إجلاؤهم ليسوا آمنين، فبعد أيام قتل العشرات في المواصي أو ما يطلق عليه “المحور الإنساني” بعد غارة جوية ضد النازحين إليه.
والأمر الأقل فظاعة ولكنه أكثر أهمية، هو ما فعله الهجوم بتدفق المساعدات الإنسانية التي أبقت 2.2 مليون نسمة على قيد الحياة خلال العملية العسكرية المستمرة منذ 8 أشهر. وقالت المجلة إن ما عليك هو النظر في إحصائيات يوم واحد. قال الجيش الإسرائيلي إن 370 شاحنة مساعدات دخلت غزة في 27 أيار/مايو من معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة، إلا أن الأمم المتحدة قالت إن عدد الشاحنات التي دخلت هو صفر. وتقول المجلة إن أيا من الطرفين لا يكذب ولا يقولان الحقيقة، إلا أن التشوش يكشف عن الكيفية التي عقدت فيها العملية في رفح جهود الإغاثة.
وحتى بداية الحرب، كانت المساعدات تصل إلى غزة عبر الشاحنات في الجنوب حيث تلقتها الأمم المتحدة. ومن بين 27,608 شاحنة دخلت ما بين بداية الحرب وحتى 6 أيار/مايو، دخل منها 25,000 شاحنة من معبري رفح وكرم أبو سالم. وحملت الشاحنات نسبة 90% من المساعدات إلى الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية الأخرى، ونسبة قليلة جدا ذهبت إلى شركات تعهدات خاصة. ووصل دخول المساعدات ذروته في نيسان/أبريل عندما دخلت 5,671 شاحنة إلى غزة عبر المعبرين في الجنوب. وفتحت معابر أخرى للنقل في أجزاء أخرى من القطاع. ففي أيار/مايو فتحت إسرائيل معبرا جديدا أطلقت عليه غرب اريتز للتعامل مع المساعدات التي تصل من الرصيف الأمريكي العائم.
وبعد أشهر من نقص المساعدات، كانت منظمات الإغاثة تأمل أن الوضع في تحسن. ثم بدأ الجيش الإسرائيلي بالتوغل في رفح، حيث أدى لخلق مشكلتين، الأولى، توقفت مصر عن إرسال الشاحنات إلى معبر رفح بعد سيطرة القوات الإسرائيلية عليه. وكان معبر كرم أبو سالم خطيرا في بعض الأحيان، نظرا لصواريخ حماس. وتلقت الأمم المتحدة، قبل بداية هجوم رفح 1,601 شاحنة عبر المعبرين، وبعد اسبوع سجلت الأمم المتحدة عبور 63 شاحنة، ومعظم الشاحنات التي تدخل الآن عبر الجنوب متجهة لشركات خاصة وليس لجمعيات خيرية. وتظهر هذه الشاحنات في الإحصائيات الإسرائيلية وليس الأمم المتحدة.
وبات المعبر الجديد، غرب اريتز يتعامل مع معظم المساعدات في الشمال. فقبل أسبوعين من هجوم رفح استخدمته 94 شاحنة إنسانية، وزاد عددها بعد الهجوم بأسبوعين إلى 465 شاحنة، لكن الزيادة لا تعوض انخفاض المساعدات في الجنوب، ولا الخط البحري الأمريكي، ففي الأسبوع الأول من افتتاح الرصيف العائم تم إرسال 1,100 طن من المساعدات الإنسانية، أي ما يعادل حمولة ثماني شاحنات في اليوم. وفي 28 أيار/مايو قالت البنتاغون إن الرصيف تعرض للخطر ولا بد من جره إلى إسرائيل لإصلاحه.
وأكثر من هذا، فالرصيف العائم ومعبر غرب اريتز موجودان في شمال غزة، الذي أفرغ تقريبا من سكانه. وهذا يقود إلى الموضوع الثاني، فالأرقام الإسرائيلية تحصي كل الشاحنات التي تحصل على فحص أمني وتفرغ حمولتها على جانب غزة من الحدود، إلا أن هذه التوصيلات لا منفعة منها للغزيين، حتى يقوم شخص بأخذ المساعدات وتوزيعها على المحتاجين.
وظلت الأمم المتحدة حتى 6 أيار/مايو مسؤولة بشكل عام عن توزيع المساعدات، حيث أرسلت مئات الشاحنات كل يوم لجمع المساعدات من معبري الجنوب. ولأن معظم سكان غزة الـ 2.2 مليون احتشدوا في رفح، فقد تم توزيع المساعدات عليهم. وكان على شاحنات الأمم المتحدة التحرك عدة كيلومترات لإيصال الشحنات إلى المخازن ومكاتب الحكومة. وتقول الأمم المتحدة الآن، إنها تجد خطورة في إرسال السائقين إلى كرم أبو سالم. ولم ترسل منذ 6 أيار/مايو سوى 169 شاحنة، أي ما معدله سبع شاحنات في اليوم. وفي 21 أيار/مايو علقت الأمم المتحدة توزيع المساعدات الغذائية في رفح بسبب المصاعب اللوجيستية.
وبخلاف الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لا تهتم الشركات الخاصة بالأمن، فهي ترسل عشرات الشاحنات إلى كرم أبو سالم كل يوم لجمع البضائع وتوصيلها إلى أسواق مؤقتة، تحولت إلى شريان حياة، إلا أن المتسوقين يشتكون من غلاء الأسعار. كل هذا يرسم صورة قاتمة، إذ تصل المواد الغذائية والأدوية والحاجيات الأساسية إلى غزة، لكن بعض الشاحنات عالقة في مناطق الجمع عند الحدود وبعضها يباع بأسعار لا يمكن إلا لقلة من الغزيين شراؤها.
وتقول المجلة إن الدول المتحاربة لا مسؤولية عليها لإطعام العدو، فقط “واجب التسهيل”، ويجب أن يسمحا لطرف محايد القيام بإيصال المساعدات الإنسانية، كما فعلت إسرائيل مع الأمم المتحدة، حسب قول المجلة. لكن الواجبات تتغير عندما تصبح الدول قوى محتلة، وعندها يجب أن تتأكد من دخول الإمدادات الأساسية.
ولن يكون كافيا أن تقف الدول موقف المتفرج من دخول المواد، فعلى المحتلين أن يقدموا وبقوة الإمدادات عند الحاجة إليها أو عندما لا يمكن إيصالها بطرق أخرى. وبناء على القانون الدولي، عندما يتحول الجيش إلى قوة محتلة ويمارس “سيطرة فعلية” على الأرض، فيجب أن يتحمل المسؤولية. مع أن بعض المحامين الإسرائيليين يجادل في معنى هذه العبارة ويقولون إنه لا يمكن اعتبار إسرائيل طرفا محتلا لغزة، فهي لم تشكل إدارة هناك وانسحب جيشها من عدة مناطق احتلها، واعترفوا أن إسرائيل ربما كانت محتلة لفترة قصيرة وبمناطق وليس كل غزة.
لكن إسرائيل تسيطر الآن على كل حدود غزة البرية وشاطئها ومجالها الجوي ونشرت عشرات الآلاف من الجنود في رفح وعددا صغيرا عند محور فيلادلفيا وتتمتع بحرية لإرسال قوات إلى أي مكان حسبما تريد. ولم تعلن عن إدارة بعد لكن لديها السلطة لعمل هذا. وهذه سيطرة كاملة، كما يرى البعض، فقد وصف ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني إسرائيل في آذار/مارس بأنها قوة محتلة. وفي 20 أيار/مايو توصلت لجنة اجتمعت في المحكمة الجنائية الدولية إلى أن إسرائيل هي “بالتأكيد” قوة محتلة “في كل أو على الأقل بأجزاء كبيرة من غزة”.
واتهم مدعي عام المحكمة إسرائيل باستخدام أسلوب التجويع كوسيلة حرب وطلب مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يواف غالانت. ومهما كان النقاش القانوني، فقد قادت الحملة العسكرية الإسرائيلية لجوع واسع ومرض في غزة، سيحمل الكثيرون إسرائيل المسؤولية عنه.
- القدس العربي