الانقلاب على دستور الجمهورية التونسية الثانية

المهدي عزوز

المحتويات

مقدمة

دستور 1959 وولادة الجمهورية الأولى

دستور 2014 وولادة الجمهورية الثانية

مشروع قيس سعيد: الموجة الارتدادية

خاتمة

ملخص تنفيذي

شهدت تونس، منذ إعلان الاستقلال في 1956 حتى 2014، تشكيل مجلسين تأسيسيين، انبثقت منهما وثيقتان دستوريتان، واحدة في 01 حزيران/ يونيو 1959 جاءت عقب نظام استعماري، أُسست على قاعدتها الجمهورية الأولى، وثانية في 27 شباط/ فبراير 2014، جاءت في عقب نظام دكتاتوري، أُسست على قاعدتها الجمهورية الثانية. وفي حين بنت الأولى نظامًا رئاسيًا خضع لمزاج (الزعيم) وسطوة الدولة الأمنية، فإنّ الثانية قد بنت نظامًا مزدوجًا أعادت من خلاله توزيع النفوذ بين رئاسة الدولة ورئاسة الجمهورية، وقد تطلعت إلى تشييد دولة ديمقراطية. وبعكس الدسترة الأولى، فإن الدسترة الثانية قد صالحت بين النص والواقع، فكان دستور الثورة قادرًا على ضبط تفاصيل المرحلة. ففي ظله، من 2014 حتى 2019، تعاقب على سدة الرئاسة أربعة رؤساء، كان آخرهم الرئيس الحالي قيس سعيد الذي أقسم على احترام الدستور والعمل وفق مقتضياته. إلا أنّ ذلك القسم لم يمنع سعيّد من شطبه وتعطيل المؤسسات التي انبثقت منه، والنظام السياسي الذي قام على أساسه. وهو ما أدخل الانتقال الديمقراطي في تونس في مأزق غير مسبوق.

إنّ هذه الورقة البحثية تعمل على رصد مسارات (الدسترة) التي عرفتها السياسة التونسية منذ الاستقلال، وتفكيك خلفياتها وأبعادها، وما انبثق منها من مؤسسات وأنظمة.

مقدمة

لقد تميّزت بداية الاستقلال في تونس -مثل أغلب الدول العربية- بما سماها غسان سلامة (اللحظة الليبرالية)[1] التي عرفت بصياغة الدساتير، وإجراء انتخابات برلمانيّة حرة ونزيهة، وبهامش من الديمقراطية في العمل السياسي، تجلى في تعدد الأحزاب وحرية الرأي، وتأسيس مجتمع مدني نشيط، كانت النقابات المهنية عموده الفقري. ولتفسير تلك اللحظة، يرى سعد الدين إبراهيم أنّها “كانت وليدة حقبة النضال من أجل الاستقلال من ناحية، ومحاكاة الممارسات السياسيّة في المجتمعات الغربيّة نفسها من ناحية ثانيّة”[2]. ولكن تلك اللحظة لم تعمر طويلًا؛ ما حرم الديمقراطية الوليدة من التجذر في أرض العرب، فآلت الأوضاع سريعًا إلى حالة من الانحراف السياسي ازدادت تفاقمًا مع الأيام. فتغولت السلطة، وعمّ الاستبداد، وصودرت الحريات وحوصر المعارضون، وتماهت الأحزاب الحاكمة مع الدولة، وابتلعت الدولة المجتمع. وما خلناه فجرًا لم يكن إلا بداية العتمة.

لقد كانت تونس شبيهة بأخواتها؛ فالديمقراطية الوليدة لم تعمر إلا قليلًا. إذ بعد أيام قليلة من الاستقلال كان بورقيبة ينشئ المحاكم الاستثنائية (محكمة الشعب)، وكانت أحكام الإعدام في حق الوطنيين من مقتضيات الدولة الوليدة، كي “تردع الأشرار” مثلما قال. وعلى مهل، نُسجَت عناصر النظام الجديد بتوجيه من بورقيبة وبإشرافه؛ حيث نصّ دستور 1959، بعد أكثر من ثلاث سنوات من مداولات المجلس الوطني التأسيسي، على النظام الرئاسي. ولكن دولة الزعيم تنشد الاستمرار في الزمن. فجاءت تعديلات 1976 لتعطيه (الرئاسة مدى الحياة). وعلى نهجه سار بن علي، على اختلاف في الظروف وفي المؤهلات. فشهد الدستور خلال رئاسته تسعة تعديلات، جنحت أغلبها إلى تثبيت أقدامه في الحكم. وهكذا فقد أنتجت الدكتاتورية أوضاعًا شاذة، كان لا بدّ أن تؤدي مع إخفاق التحديث إلى الثورة. وهو ما جرى مع نهاية 2010، بعد تراكم نضالي طويل. ولم يكن أمام الثورة كي تصحح تلك الأوضاع إلا أن تعيد البناء من الأساس، وفاء لتلك التطلعات الكامنة، واستئنافًا لتلك الأحلام المغدورة. ولا تأسيس في السياسة من دون دستور جديد.

ومن ثم سيكون الخيط الناظم لهذا البحث هو مسارات الدسترة التي عرفتها الجمهورية التونسية منذ الاستقلال، من خلال محطات رئيسية، كان فيها لكل محطة دستورها، مثلما كانت لكل دستور جمهوريته. فقد أسس دستور 1959 الجمهورية الأولى ونظامها الرئاسي. وأسس دستور 2014 الجمهورية الثانية ونظامها المزدوج. ثم جاءت مرحلة سعيد لتعلن عن (تأسيس جديد)، سنحاول الوقوف على حقيقته وتبين موقعه من تلك التطورات كلها.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل

Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

مايو 2024
س د ن ث أرب خ ج
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist