رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في حوار مع “المجلة” حول الحرب العبثية في غزة، وخطورة اليمين المتطرف، ولماذا يعتقد أنه يجب إقالة نتنياهو في أسرع وقت ممكن
عندما التقت “المجلة” مع إيهود أولمرت في مكتبه، كان لديه الكثير ليقوله، فتحدث في مواضيع رئيسة كثيرة تتعلق بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها، وإعلان بلاده الحرب، بدءا من الخطر الشديد الذي تشكله الحكومة الحالية التي تضم وزراء يمينيين متطرفين ووصولا إلى الحرب التي لا هدف لها في غزة وغياب أي أفق سياسي للأجيال القادمة.
وقال أولمرت بوضوح عن وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش: “لا تدور في ذهن بن غفير وسموتريتش سوى فكرة هرمجدون” (حرب نهاية العالم).
ويعتقد أولمرت، وهو من أشد منتقدي حكومة بنيامين نتنياهو، أن رئيس الوزراء الحالي يقفز في الظلام وأن حلفاءه يهزون الشرق الأوسط من أساسه. ويقول أولمرت، الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل الثاني عشر من عام 2006 إلى عام 2009: “يجب إقالة في أسرع وقت ممكن. نحن بحاجة إلى أن نعرف نهاية هذه الحرب والرؤية التي قد تكون لدى إسرائيل للمستقبل”.
ويقول إن الوقت قد حان لأن يكون للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة أفق سياسي، ولو أن هجمات 7 أكتوبر جعلت من الصعب على الإسرائيليين قبول دولة فلسطينية.
ويضيف: “علينا أن نعيد بناء فكرة الدولة مرة أخرى لأننا لا نريد لهذا الجيل الشاب، أحفادي، أن يعتقدوا أن المستقبل لا يمكن أن يكون سوى مستقبل حروب”. واضاف ان هجوم “7 أكتوبر” أدى “إلى تآكل الدعم الذي كان موجودا في السابق بين الإسرائيليين لفكرة الدولة الفلسطينية”.
وهذا نص المقابلة كاملا:
* هل غزة هي الهدف النهائي للحكومة الإسرائيلية الحالية؟ أعني هل كل ما تفعله إسرائيل منذ عدة أشهر حتى الآن هو فقط لتدمير “حماس”؟
– أتمنى لو أستطيع أن أخبركم ما الهدف النهائي للحكومة الإسرائيلية في هذا الوقت. لا أعرف. ولكن ليست المشكلة هنا. المشكلة الحقيقية أن الحكومة نفسها لا تعرف، وهنا المشكلة. لقد بدأت الحرب كرد فعل طبيعي وعفوي وحتمي على المذبحة الرهيبة التي طالت المدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. يمكن للمرء أن يعترض على شكل رد الفعل هذا وعلى حجمه وشدته، وقد تختلف الآراء حوله. ولكنني أشك في وجود شخص عاقل في العالم لا يفهم السبب الذي دفع إسرائيل أولا إلى الرد.
لقد فقد الإسرائيليون حياتهم بأشد الطرق وحشية، أعني لا يمكن نسيان ما حدث ولن نغفره. كان علينا أن نرد، ولكن علينا أن نعرف ما هي النهاية؟ ما هي الرؤية التي قد تحملها إسرائيل عن المستقبل؟ وبالمناسبة لقد أيدت بالكامل الرغبة الأمنية في تدمير القوة العسكرية لـ”حماس”. وأنا أوافق تماما على ضرورة إضعاف قوة “حماس” العسكرية بشدة، حتى لا تتمكن من الهيمنة على غزة بعد اليوم. ومع ذلك لا يزال علينا أن نقدم سببا سياسيا، وهذه الحكومة لا تستطيع ولا تريد فعل ذلك.
عندما كان علينا اتخاذ إجراءات هجومية مضادة، كان علينا في الوقت نفسه أن نوفر أفقا سياسيا
* ربما لديهم هدف أوسع. أقصد لمَ الإصرار على مواصلة حرب ثبت أن هدفها الأساس غير واقعي؟ لأن “حماس”، كما يقول هذا التعبير الذي بات مبتذلا، هي أيديولوجيا. قد تكونون قادرين على تدمير “حماس” عسكريا، لكنكم لن تتمكنوا من تدميرها كأيديولوجيا؟
– هناك طريقتان مختلفتان لتفسير ذلك. الأولى هي القول إن علينا القضاء على قادة “حماس” ولهذا سنستمر قدر ما يقتضي تحقيق هذا الهدف من زمن. فوجود قوة عسكرية جهادية كـ”حماس” سيؤدي إلى تكرار ما شهدناه، وهذا ما لا نستطيع تحمله. والطريقة الأخرى هي ضرورة الإجابة على هذا السؤال: إلى متى؟ كم نحتاج من الوقت حتى نقضي على القوة العسكرية لـ”حماس”؟ ومن ثم بعد ذلك القيام بشيء يعيد خلق عملية مغايرة؟ ولا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تملك جوابا على هذا السؤال.
ولأن هذه الحكومة لا يمكنها أن تملك إجابة، ولأنه لن يحدث تدمير كامل وشامل لـ”حماس”، ولأن “حماس” كما قلت بحق، هي فكرة حالها كحال أي أيديولوجيا، سيكون هناك دوما شبان فلسطينيون يحملون السلاح ويطلقون النار ويمارسون الإرهاب، ما لم يكن هناك اتجاه سياسي، كما نأمل، ما لم يكن هناك صعود سياسي، وما لم تكن هناك استراتيجية معينة توفر لستة أو سبعة ملايين فلسطيني نوعا من الأفق السياسي الذي يساعد في خلق زخم جديد.
الحكومة الإسرائيلية ليست مستعدة للقيام بهذا. والفلسطينيون أيضا ليسوا مستعدين له في الوقت نفسه، لنواجه الحقيقة، كما تعلمون، يمكنهم جميعا الشكوى كحالهم اليوم. وقد يكون لديهم بعض الأسباب الوجيهة للتشكي من هذه الكارثة الرهيبة والبائسة التي يعانون منها الآن نتيجة الهجوم الإسرائيلي المضاد. لكنهم لا يستطيعون أن يتجاهلوا وينفوا أن ما فعلوه صباح السابع من أكتوبر هو الذي أطلق كل ما يحدث، والذين أطلقوه كانوا يعلمون أنهم سيتلقون رد فعل حقيقيا من هذا النوع وأن الفلسطينيين سيعانون منه، وأن كثيرا من الضحايا سيقتلون بسبب رد الفعل الحتمي لدولة إسرائيل. وهكذا، كما تعلمون، فالأمر أكثر تعقيدا من مجرد البحث عن أعذار لانتقاد الهجوم الإسرائيلي المضاد، دون تحميل أي نوع من المسؤولية لمن بدأ هذه العملية.
في الوقت نفسه أقول، بينما كان علينا الانتقام، بينما كان علينا الرد، وكان علينا اتخاذ إجراءات هجومية مضادة، كان علينا في الوقت نفسه أن نوفر أفقا سياسيا يقدم ما يمكن أن يكون أساسا لتطور إيجابي.
نحن لا نفعل ذلك. لا نفعل ذلك لأن رئيس وزراء إسرائيل لا يريد إيجاد حل سياسي. أنا لا أنكر ذلك ولا أتجاهله. وهذا سبب صراعي السياسي معه.
رئيس وزراء إسرائيل لا يريد إيجاد حل سياسي. أنا لا أنكر ذلك ولا أتجاهله. وهذا سبب صراعي السياسي معه
* هل لأنه قال، وأنا أقتبس: “أنا الوحيد الذي يستطيع منع قيام الدولة الفلسطينية”، يعني احتلال للأبد؟
– لسوء الحظ، نعم. هذا هو التفسير الوحيد لما قاله. وهذا الموقف، من بين أسباب مختلفة، يعزز قناعتي بضرورة إقالته فورا. إن معارضتي للحكومة الإسرائيلية تكمن في عدم رغبتها الواضحة في البحث عن حل قابل للتطبيق. سأخبرك بشيء: بالطبع لم أكن لأدعمهم بشكل مباشر لو أنهم اقترحوا استراتيجية سياسية ليست مرادفة بطبيعتها للاحتلال الذي لا نهاية له، ولكنني كنت سأكون أكثر ميلا إلى الاستماع. تخيل لو تم اقتراح خطة، مثل دمج الضفة الغربية مع الأردن التي لا أؤيدها بالمناسبة، أو إدارتها من قبل اتحاد عربي يضم مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وما إلى ذلك، أي شيء ينهي دور إسرائيل بشكل فعال كمحتل. رغم أنني قد لا أوافق على مقترحات كتلك، فإن حداثتها، التي تختلف عما مارسناه خلال الخمسة والخمسين عاما الماضية كانت تستحق الاهتمام.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء بحضور وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير (الثاني من اليمين) في تل أبيب في 31 ديسمبر 2023يشير خطاب نتنياهو إلى شيء واحد فقط: بقاء الاحتلال إلى الأبد، واستمرار انتهاك حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير، وفرض القيود. إنني أعارض هذا الموقف بشكل لا لبس فيه، وسأحاربه بكل قوتي بكل ما أستطيع حشده من الناس لمعارضته. لأننا لا نريد احتلال الفلسطينيين. فالهدف ليس إدامة الاحتلال الفلسطيني، بل ضمان أمننا والدفاع عن أنفسنا حسب الحاجة. ومع ذلك، فإننا لا نرغب في التعدي على حقوقهم. ونحن نهدف إلى أن يتمتع الفلسطينيون بحرياتهم مثلما نعتز بحريتنا. ومن خلال عملية طويلة، وربما شاقة، من المتصور أننا قد نتعايش في نهاية المطاف في سلام واحترام متبادل.
* هل الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل هي الحل الوحيد؟
– صحيح. من وجهة نظري، إن إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل يمثل الحل الوحيد القابل للتطبيق. ومع ذلك، فأنا منفتح على المقترحات البديلة، شريطة أن تحظى بقبول الفلسطينيين والدول العربية المعتدلة، والأهم من ذلك، أن لا تنطوي على احتلال أو سيطرة أو إدارة إسرائيلية للمناطق. ورغم أنني متشكك بشأن جدوى مثل هذه البدائل، فإنها تستحق الاهتمام إذا كانت تتوافق مع هذه المعايير. إن مفهوم الدولة الفلسطينية المنسجمة مع إسرائيل يرتكز على احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على أمنها. ومن شأن هذا الترتيب أن يستلزم التعاون المتبادل والتفاهم والثقة بين إسرائيل والفلسطينيين، بهدف تحقيق أهداف أمنية مشتركة دون اللجوء إلى الاحتلال.
إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل يمثل الحل الوحيد القابل للتطبيق
* خلال محادثاتي مع الإسرائيليين في الشوارع ومن خلال ملاحظاتي كصحافي على وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، لاحظت وجود اتجاه يتنامى بين الإسرائيليين العلمانيين، الذين رغم رفضهم للأيديولوجيا الدينية لليمين المتطرف والصهيونية الدينية، يتفقون معهم حول الأيديولوجيا السياسية. وهم يدعون بشكل متزايد إلى “إسرائيل الكبرى”، مرددين مشاعر الوزيرين اليمينيين المتطرفين بن غفير وسموتريتش. هل تهتم لهذا التغير؟
– لست متأكدا تماما من عدد اليهود العلمانيين في إسرائيل الذين يميلون بشكل متزايد نحو اليمين، إنها مسألة معقدة. ولكن أستطيع القول، بناء على ملاحظاتي وتفاعلاتي مع الإسرائيليين في الشوارع، أن ثمة إحباطا واضحا نجم عن أحداث السابع من أكتوبر. لقد أدى هذا الحادث إلى تآكل الدعم الذي كان موجودا في السابق بين الإسرائيليين لفكرة الدولة الفلسطينية، ولكن إعادة بناء هذا الدعم أمر ضروري، على الرغم من صعوبته، وهو بالتأكيد لن يحدث بسرعة أو بسهولة. إن التأثير العاطفي لهذه الأحداث، إلى جانب الحزن الناجم عن إرسال أبنائنا إلى القتال- حيث فقد الكثيرون حياتهم بشكل مأساوي- قد عمق هذه المشاعر.
وبينما قد تنجذب أقلية نحو المواقف المتطرفة، هناك معارضة متزايدة وحادة بين غالبية الإسرائيليين للأيديولوجيات التي يمثلها بن غفير وسموتريتش. ولا يريد الجمهور الإسرائيلي الأوسع أن يتم تعريفه من قبل المجتمع الدولي من خلال عدسة هاتين الشخصيتين. إنهما لا يجسدان قيم إسرائيل، أو مبادئها الأخلاقية، أو جوهر الدولة الإسرائيلية. إن غالبية الإسرائيليين ملتزمون بمعارضة هؤلاء وضمان إبعادهم عن الأدوار الحكومية المهمة، واستعادة تأثير الأصوات الأكثر اعتدالا داخل الحكومة. وهذه العناصر المعتدلة، حتى عندما تكون على خلاف مع أجزاء من المجتمع الدولي، يُنظر إليها على أنها عقلانية ومحترمة ومنضبطة، وقادرة على الانخراط في حوار بناء.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت يعقدان جلسة إحاطة حول خطة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط في 11 فبراير 2020 في نيويورك
* أجريت مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقال إنه يعتقد أن فكرة الدولة الفلسطينية لم تمت بعد، لكنها ستتأخر بشكل كبير. هل توافق على هذا؟
– أود أن أسلط الضوء على أمرين اثنين: أولا، لو كان لابيد قد اعتنق فكرة الدولة الفلسطينية بشكل كامل، لكان أعلن صراحة وعلنا عن دعمه الكامل لها. وكان من الممكن أن يؤدي مثل هذا الإعلان إلى تسريع العملية. وكما ذكرت، فإن التحول العاطفي في المشاعر الإسرائيلية بسبب الأحداث المأساوية التي ارتكبها الفلسطينيون في أكتوبر قد أدى إلى تغيير وجهات النظر بشكل كبير. إن عكس هذا التحول لإعادة تركيز الاهتمام على القضية المركزية والاعتراف بأن الدولة الفلسطينية هي الحل الوحيد القابل للتطبيق سوف يتطلب وقتا.
وتتعلق نقطتي الثانية بمسألة بعض الأفراد الذين يطمحون إلى أن يصبحوا قادة وطنيين لإسرائيل، فهم يفتقرون إلى الجرأة للتعبير عن هذا الموقف بوضوح، وبقوة، وصراحة، حسب الضرورة. وحتى لو لم تكن وجهة النظر هذه مقبولة على نطاق واسع كما كانت قبل عام أو ستة أشهر، فإن القادة السياسيين يحتاجون في بعض الأحيان إلى التحلي بالشجاعة والمبادرة لتأييد ما قد لا يبدو شعبيا في البداية ولكنه صحيح ويمثل المسار الوحيد الممكن للمضي قدما.
إيهود أولمرت في مكتبه بتل أبيب
* لو كنت أنت رئيس وزراء إسرائيل اليوم، كيف كان يمكنك إعادة بناء فكرة الدولة الفلسطينية في أذهان كثير من الإسرائيليين المصابين بصدمات نفسية جراء هجمات السابع من أكتوبر؟
– الجزء الأول من سؤالك أكثر صعوبة من البقية. أود أن أوضح أنه لا ينبغي إساءة تفسير ردودي على أنها إشارة إلى عودة سياسية. إلا أنني أتمسك بمبدأ أساسي أكدت عليه في مناسبات مختلفة، خاصة في السنوات الأخيرة. أعتقد أن المقياس الحقيقي للقيادة الاستثنائية يكمن في القدرة على التعبير عن آراء لا تحظى بشعبية- تلك التي قد لا تتماشى مع الوعود السابقة ولكنها ضرورية وصحيحة في اللحظة الحالية.
أتوقع أن يتمتع كل إسرائيلي ينتقد نتنياهو بالشجاعة اللازمة لتوضيح بديل واضح. وعلى وجه التحديد، ينبغي لهم أن يناقشوا علنا الخيار الوحيد القابل للتطبيق، وهو الخيار الذي قد يعترفون به سرا داخل أبواب مغلقة، وبطريقة صريحة أمام الجمهور. وهذا المستوى من الصدق والشجاعة ضروري للحوار الهادف والتقدم.
* هل تعتقد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين، بمن في ذلك كبار الوزراء، تسعى إلى استفزاز مصر- صاحبة الثقل الإقليمي- لكي تعلق أو حتى تلغي معاهدة السلام التاريخية لعام 1979؟ إن التورط في مثل هذا الاستفزاز يمكن أن يؤدي إلى سيناريو كارثي للمنطقة بأكملها. ومن قد يرغب في حدوث مثل هذه الكارثة، نظرا لعواقبها المأساوية المحتملة؟
– في الأشهر الأخيرة، انتقدتُ الحكومة بشكل متكرر، واستهدفت على وجه التحديد بن غفير وسموتريتش، وقلت إنه لا تدور في ذهنهما سوى فكرة هرمجدون (أي معركة نهاية العالم أو المعركة الفاصلة بين الخير والشر). تهدف رؤية هذين المسؤولين، كما أراها، إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، معتقدين أن أي ثمن يمكن أن يكون مبررا إذا كان يعزز أهدافهما المتمثلة في طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وضم الأراضي ودمجها في دولة إسرائيل. وعندما يواجهون العواقب المحتملة لأفعالهما- مثل تعريض اتفاقات السلام مع مصر والأردن للخطر- فإنهما ينكران أي نية لإحداث مثل هذه الاضطرابات.
ومع ذلك، هناك انقطاع. ويبدو أنهما غير قادرين على فهم العواقب الوخيمة التي قد تترتب على سياساتهما التي يدعون إليها. كإسرائيلي، أشعر أنه من مسؤوليتي تسليط الضوء على هذه العواقب المحتملة دوما، والتأكد من أن الجمهور يفهم الطبيعة الحقيقية لنوايا سموتريتش وبن غفير، اللذين، على الرغم من ادعاءاتهما بتعزيز إسرائيل والدفاع عن حقها في الوجود، فإن أفعالهما وخطابهما تقوضان، في الواقع، أمن إسرائيل وتهدد مصالحها الاستراتيجية.
انتقدتُ الحكومة بشكل متكرر، واستهدفت على وجه التحديد بن غفير وسموتريتش، وقلت إنه لا تدور في ذهنهما سوى فكرة معركة نهاية العالم
* تشير أحدث تقديرات المخابرات الأميركية إلى أن نحو 40 إلى 45 في المئة من القنابل التي أسقطتها إسرائيل على غزة في الأشهر الأخيرة هي قنابل غبية وليست موجهة، أي ليست دقيقة. بماذا يخبرك هذا الرقم؟
– لست على معرفة بذلك. ولست متأكدا من أن شخصا بوسعه إعطاء الأرقام والنسب المئوية بالدقة التي تمكننا من أن نبني عليها تقديراتنا. ولكنني سأقول لكم هذا، كما تعلمون، لأن ذلك يؤدي بالطبع إلى هذه الأزمة الإنسانية وإلى الأرقام الرهيبة التي يذكرونها كثيرا لعدد المدنيين الأبرياء غير المتورطين الذين قتلوا. لا أعلم، أستطيع أن أقول لك أمرا واحدا، دون إجراء مقارنة بين الإسرائيليين الأبرياء الذين قُتلوا ومئات الآلاف من الإسرائيليين الذين فقدوا منازلهم، ولا يستطيعون العودة إليها والعيش فيها لأنهم سوف يتعرضون للخطر يوميا. لذلك، بالنسبة لي، ليس عليّ أن أتفق أو أختلف مع الأرقام الخاصة بعدد الفلسطينيين المتضررين. بالنسبة لي، إذا كان هناك طفل واحد، طفل فلسطيني واحد فقط قتلته قنبلة إسرائيلية، فهذا غير مقبول.
وأستطيع أن أتفهم رد فعل المجتمع الدولي على ما يحدث هنا وأتفهم ما تنطوي عليه انتقاداته من شعوره بالغضب الشديد. يُنسب ما يحدث إلى دولة إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه، كما تعلمون، يجب أن أسأل، عندما قال الرئيس بايدن، عندما قال رئيس الوزراء ريشي سوناك (وهو شخص مثير للإعجاب، وعليّ أن أقول إنني لا أعرفه) عندما قال بايدن وسوناك وماكرون وشولتز وغيرهم إن لإسرائيل الحق في الرد والحق في شن هجوم مضاد والحق في الدفاع عن نفسها. كانوا يدركون بطبيعة الحال أن هذا الهجوم المضاد سيكون من ضحاياه فلسطينيون ليسوا متورطين، تماما كما حدث لكثير من الإسرائيليين غير المتورطين، ليسوا جنودا ولا عسكريين، من ذبحوا واغتصبوا وقتلوا أو قطعت رؤوسهم بأشد الطرق وحشية. سأخبرك، علينا أن نبذل كل جهد ممكن كي لا يتضرر أي شخص غير متورط. وفي هذه المرحلة، إذا كان الهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح سيؤدي إلى مقتل كثير من الفلسطينيين والفلسطينيين غير المشاركين، فهذه حجة جيدة لمنعه. وأكرر أن الفائدة العسكرية الإضافية في هذه المرحلة من مواصلة الحرب لا تستحق السعي وراءها مقارنة بالضرر الذي سيلحق بالمدنيين الأبرياء.
أفراد عائلة فلسطينية يتناولون إفطارهم خلال شهر رمضان أمام حطام منزلهم المدمر جراء الغارات الجوية الإسرائيلية
* أنتم تؤيدون التوصل إلى اتفاق مع “حماس” بشأن الرهائن والأسرى. لماذا تؤيد صفقة مع “حماس”، إذا كانت تلك الصفقة تنطوي على إطلاق سراح سجناء ترى إسرائيل فيهم خطرا أمنيا كبيرا عليها؟
– إسرائيل قوية، يمكننا أن نواجه “حماس”. وأعتقد أننا تعاملنا مع “حماس” بفعالية تامة، كما نتعامل معهم اليوم، وأدرك تماما الثمن الذي يدفعه الأشخاص غير المتورطين، وهذا أمر يحزنني كما قلت. وفي الوقت نفسه، ما من شك في أننا دمرنا “حماس” عسكريا بشكل شبه كامل. وإذا كان عليّ أن أقرر الآن هل أنا على استعداد لتحمل المخاطرة، مقابل أن أتمكن من إعادة جميع الرهائن، فأنا على استعداد لتحملها. لأن علينا إعادة جميع الرهائن، فهم ليسوا جنودا أرسلناهم إلى ساحة المعركة. هم مدنيون ولم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم واختطفوا. هم مدنيون أبرياء فشلنا في حمايتهم وفشلنا في الدفاع عنهم، ومسؤوليتنا إعادتهم إلى الوطن بأي ثمن. وسوف نفعل.
رجل يمشي بجانب لوحة إعلانية عملاقة في القدس تحمل صورا لإسرائيليين احتجزوا رهائن بعد هجمات 7 أكتوبر التي نفذتها “حماس”* هل تعتقد أن العواقب الأخلاقية والسياسية والاقتصادية لهذه الحرب سيكون لها تأثير على الشباب الإسرائيلي وعلى الأجيال القادمة؟ أي نوع من إسرائيل أنتم والقادة السياسيون الذين يحكمون الآن، تريدون تركها للشباب الإسرائيليين.
– ما يريد الشباب أن يعيشوه وما تريد الحكومة الإسرائيلية أن تتركه وراءها هما شيئان مختلفان. لذلك لا أستطيع أن أتحدث بالنيابة عنهم، أستطيع أن أتحدث عن نفسي. فمن ناحية، أعتقد طبعا أنه بات من الواضح تماما أن الفشل في توفير دفاع فعال لسكان جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول ترك أثرا هائلا على الإسرائيليين. ولكنه في الوقت نفسه حفزهم على اتخاذ خطوات شجاعة رائعة للغاية والتضحية بما يكفي للوصول إلى أولئك الذين ارتكبوا هذه الفظائع.
أعتقد أن ما ينبغي علينا عمله، كإضافة أو تكملة إلى التضحيات الهائلة التي أظهرها الشباب الإسرائيليون الذين ذهبوا للقتال في ساحة المعركة، هو أن بوسعنا أن نقدم لهم أفقا سياسيا قد يستغرق في بعض الأحيان سنوات، ولكن في بعض الأحيان سيكون هناك تحرك نحو واقع مختلف نعيش فيه بسلام مع جيراننا.
حسن، ما وعدنا به آباؤنا لم يتحقق، وما وعدنا به أطفالنا لم يتحقق. ولعل هذا ما سوف يلهم أطفالنا أن يعدوا أبناءهم به. وهذا أمر أساسي في رأيي، لأننا لا نريد لهذا الجيل الشاب، أحفادي، أن يعتقدوا أن لا مستقبل أمامهم سوى مستقبل الحروب. يجب أن يكون هناك أيضا مستقبل من التصالح، والتسوية السلمية بيننا وبين جيراننا.