يَعتبرُ المعارض السوري العميد الطيار أسعد عوض الزعبي أن حرب غزة أخَّرت الحل السوري لكنه سيأتي في إطار ما تُعدّه أمريكا من حل كامل للمنطقة، مؤكداً أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لن يكون في الصورة، متوقعاً في فترة قريبة ما بين شهرين أو ثلاثة أشهر مشهداً جديداً في سوريا في ظل التحديثات في المنطقة أو إعادة هيكلتها. ويقول: الدول التي لعبت أدواراً في سوريا بموافقة أمريكية ستحصل على مكاسب، لكن مَن سيخرج من دون مكسب حقيقي هو الشعب السوري الذي خسر أرضه وبلده واقتصاده، وسيتم إرضاء السوريين بتغيير الأسد كون ذلك مطلباً أساسياً لهم، لكن النظام الجديد لن يكون ذلك الذي يطمح إليه الشعب السوري وبذَلَ الغالي والنفيس في سبيل إسقاطه.
ولا يرى الزعبي أنّ أي صراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، سواء في شرق سوريا أو حتى في جنوب لبنان سيتطور، ذلك أن الأمور بينهما مضبوطة ومدروسة بشكل كليّ. ولفت إلى استخدام إسرائيل لـ«رقصة الردع الدقيقة» ضد الإيرانيين و«حزب الله» في سوريا ولبنان، وهو الردع الذي غاب عنها في 7 تشرين الأول/أكتوبر وتحاول إعادته جزئياً كما حصل في بداية الردع النووي، متحدثاً عن وجود أكيد لخرق إسرائيلي عالي المستوى في النظام السوري.
في قناعته، أنَّ إيران وصلت إلى البحر المتوسط من خلال الساحل السوري، وأن «حزب الله» أصبح ورقة خاسرة بالنسبة لها. وعندما تتركه فريسة لإسرائيل، فهي بالتأكيد تبحث عن مكسب قد يكون في الملف النووي، وقد يكون برحيل القوات الأمريكية. وهنا نص الحوار:
○ هل تتوقع أن يبقى الوضع مضبوطاً في شرق سوريا بين الأمريكيين وأذرع إيران أم سيتطور؟
• لا أعتقد أن أي صراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن الساحة والأهداف، سواء في شرق سوريا أو حتى في جنوب لبنان، سيتطور أو سيحصل تصعيد، لأن الأمور مدروسة ومضبوطة بشكل كامل على مستوى القيادات الإيرانية والأمريكية، ولها حد أدنى وحد أقصى، ليس من الآن، وإنما منذ فترة طويلة. ربما صعّدت أمريكا ضرباتها عندما تمَّ قصف البرج 22 في الأراضي الأردنية، لكن الخاسر والضحية هم الأفغان، وليس الإيرانيين، وبالتالي إيران يمكن أن تحرّك أدواتها للأهداف التي تريدها لكن الأمور بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية تبقى مضبوطة.
○ هل انتفت إمكانية الحرب الشاملة اليوم؟
• الحرب الشاملة لم تنتفِ، إنما إيران تدفع بأدواتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وليس بأي جبهة خاصة بها بشكل مباشر، لا في طهران ولا في غيرها. هذه هي أوراق قابلة للاحتراق وللاستخدام المؤقت، إيران تحرّكها في أي لحظة وهم ليسوا جزءاً منها إنما عبارة عن «نطاق حيطة» بالنسبة لها لمواجهة أي خطر قد يطالها. في الأساس لا يوجد أي خطر بين إيران والأمريكيين. وبالتالي فإن الرسائل التي كنّا نشاهدها في سوريا والعراق بأدوات إيرانية مضبوطة بشكل كامل، ومتى شاءت إيران وأمريكا لها أن تتوقف فستتوقف.
○ لكن المشهد اليوم مع الحوثي في البحر الأحمر ومع حزب الله في جنوب لبنان مختلف وهو مشهد متطوّر…
• هذه الأذرع صُنعت لتكون بمنزلة «نطاق حيطة»، بمعنى أنه يمكن لإيران أن تدفع بأي من هذه الأذرع سواء أكان في العراق أم سوريا أم لبنان أم اليمن، والدليل واضح تماماً، فعندما نشاهد تصعيداً إسرائيلياً باتجاه جبهة جنوب لبنان لا نشاهد ردود فعل مشابهة من قبل حزب الله الذي يقف حائراً بين هل يتبع تعليمات القيادة اللبنانية بعدم التصعيد أم يتبع تعليمات إيران بالتصعيد؟ إيران لها مصلحة بالتصعيد، هي تعرف أن دور حزب الله يجب أن ينتهي، لكن إسرائيل اليوم تستخدم طريقة جديدة، وهي غير معتادة عليها، أي استفزاز واستنزاف الخصم. إسرائيل لم ترَ يوماً حاجة لأن تستنزف خصومها، فذلك يحتاج إلى حرب طويلة هي لا تريدها، والحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخاسر في غزة، يريد أن تستمر الأعمال القتالية، ولا يريد وقفاً لإطلاق النار، ويعتبر أنه لو وسّع على الأقل الأعمال القتالية باتجاه لبنان أو باتجاه سوريا يمكن له أن يحصل على مربح يمكن أن يغطي به خسارته في غزة، أو على الأقل لذر الرماد في عيون الحاضنة التابعة له، أو حتى المعترضة عليه في إسرائيل. وعلينا أن ندقق بما قام به الحوثيون في اليمن، ونتساءل: بماذا تضررت إسرائيل؟ وبماذا تضررت أمريكا؟ المتضرر هو مصر وقناة السويس، وبعض شركات التأمين وأوروبا، لكن أمريكا وإسرائيل لم تتضررا إطلاقاً من صواريخ الحوثيين التي لم تصل إلى إسرائيل، ولم تؤثر على حاملات الطائرات أو المدمرات الأمريكية، بل أعتقد أن أمريكا مستفيدة، وهي يمكن أن تلجأ إلى مجلس الأمن وتحصل على قرار دولي بقضية السيطرة على باب المندب، حيث تُعتبر قوة بحرية أمريكية مستمرة في تلك المنطقة، وبالتالي يخسر اليمن عائدات المرور عبر هذا المعبر. أعتقد أن إيران – بهذه الطريقة – استطاعت إرسال رسالة إلى أمريكا بأننا سنحرّك الحوثي من أجل أن تستفيدوا، ومن أجل هزّ أوروبا، وخسارة أو استفادة شركات التأمين، ومن أجل أن تكون رسالة لإسرائيل بأن تعمل في جبهات أخرى كلبنان، لكن إسرائيل التي خسرت ما يسمى «قانون الردع النووي» في غزة، تحاول استعادته من خلال الضربات المستمرة، سواء على الأراضي السورية أو جنوب لبنان. اليوم حزب الله خائف، ولم يعد ذلك الحزب الذي يهدد بحيفا، وما بعد حيفا، وما بعد بعد حيفا، وكذلك «الحشد الشعبي» والميليشيات الإيرانية المتواجدة في جبهة الجولان لا تستطيع أن تُطلق أكثر من صاروخ كاتيوشا واحد إلى مناطق فارغة في الجولان، وهي تعلم تمام العلم أنها ستتلقى رداً تصعيدياً كبيراً. هذا يُشير إلى رفع قيمة نتنياهو وحكومته وليس لهزّ الكيان الإسرائيلي. إسرائيل اليوم بدأت تشمّر عن سواعدها وكأنها تريد أن تحصل على مكاسب في جنوب لبنان وستحصل عليها ولكن بالطريقة السلمية نتيجة الردع الجزئي الذي استخدمته من خلال الضربات المتلاحقة على القوات الإيرانية وقوات «حزب الله» في لبنان وسوريا.
○ هناك مَن يعتبر أن إيران هي التي تطلب من «حزب الله» عدم التصعيد لأنه «درّة» أذرعها ولا تريد أن تخسر هذه الذراع، بمعنى أن هناك نظرية مخالفة لنظريتك أن ليست إيران هي من تطلب من «حزب الله» التصعيد، بل تطلب منه ضبط النفس. من المؤكد أن عليه أن يفتح جبهة الجنوب وإلا كيف يمكن الدفاع عن سرديته في نصرة فلسطين إنما دون الانجرار إلى حرب شاملة؟
• ما هو الدعم المباشر الذي قدمته إيران لفلسطين؟ ها هي تحترق والفلسطينيون يُقتلون، ونحو 120 ألف إيراني موجودين في سوريا، وحزب الله عند شمال فلسطين، إذاً ماذا قدمت إيران تجاه هذا المنظر السوداوي؟ الحقيقة أن حزب الله بات اليوم عبئاً على إيران، كما هو النظام السوري، وبالتأكيد هي تبحث عن بديل آخر لحزب الله الذي احترقت ورقته…. (مقاطعة).
○ لماذا لا نقول إنها تحاول تثبيت نفوذها؟ حينما حرّكت الحوثي أو حرّكت حزب الله، هي تريد أن تقول لأمريكا أنني موجودة وأستطيع أن أُخرّب، وأريد الجلوس إلى الطاولة، لماذا نعتبر أنها تبيع، بينما هي تستخدم هذه الورقة من أجل تثبيت نفوذها في المنطقة على حساب المنطقة بأكملها؟
• عند كل تصعيد في المنطقة إيران تتدخل من أجل الحصول على المكاسب، الدور المرسوم لإيران أنه في كل ملف يجب أن تحصل على مكاسب، كما حصل في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن. إذاً هي تحصل على المكاسب من خلال الدور الذي تؤديه في كل من هذه الملفات، لكن بالنسبة لدور حزب الله، فهو أصبح عدواً للسعودية في اليمن، وعدواً للشعب السوري في سوريا، وعدواً للشعب العراقي في العراق، واللبنانيون جميعهم حاقدون عليه بمن فيهم جزء من الشيعة، وبالتالي فقد أصبح حزب الله ورقة خاسرة بالنسبة لإيران. وعندما تتركه فريسة لإسرائيل بالتأكيد هي تبحث عن مكسب قد يكون في الملف النووي، وقد يكون برحيل القوات الأمريكية. إيران لا يمكن أن تخسر ورقة إلا وتكون قد أحضرت ورقة أخرى، وبالتالي تستطيع من خلال هذه الأدوات أن تلعب بأوراق المنطقة بكاملها بقوة كبيرة، ولذلك عندما تخسر ورقة هنا ستربح هنا وريقات في مكان آخر.
○ كيف تصف وضع إيران اليوم في سوريا؟
• وضع إيران في سوريا في أفضل حالاته، يكفي أنه خلال الـ3 أشهر المنصرمة استطاعت أن تثبت 51 عقداً بينها وبين الحكومة السورية وآخرها كان منذ عدة أيام، فقد تمّ إنشاء بنك مشترك بين سوريا وإيران، من المفترض حسب الاتفاق العربي الذي جرى مع النظام أن يكون هناك حد للتغلغل والتوسّع الإيراني، لكن على العكس تماماً، نشاهد إيران تتوسّع في كل المناطق. بالمناسبة، المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية احتلتها القوات الإيرانية، وكذلك الشركات وعقود الاتصالات وكل المنشآت العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والخدمية كلها لمصلحة إيران، وبالتالي لا يمكن أن تخرج إيران من سوريا. كل المكاسب التي حققتها في سوريا هي نتيجة الموقف بينها وبين أمريكا. هل تستطيع إيران أن تدخل إلى سوريا دون موافقة إسرائيلية أو أمريكية؟ مستحيل هذا الكلام، ولا تستطيع أن تدخل العراق دون موافقة أمريكية.
○ العمليات الإسرائيلية التي تُنفذ ضد أذرع إيران وضد المستشارين الإيرانيين في سوريا، هناك مَن يتهم على الأقل همساً النظام، وأن هناك اختراقات كبيرة في النظام السوري هي التي تساعد على هكذا ضربات، حتى أن هناك مآخذ على الروس، هل هذا الانطباع في مكانه؟
• عندما نتحدث عن الاختراقات نعود بالذاكرة إلى الوراء ثلاث أو أربع سنوات عندما عرض نتنياهو عبر التلفزيونات الإسرائيلية نحو 50 ألف وثيقة عن الملفات النووية الإيرانية، وهذا أكبر خرق عندما يتم خرق الصندوق الفولاذي، أي الملفات النووية في إيران. وأعتقد أن كل خرق بعد هذا الخرق يُعتبر لا قيمة له. لذلك عندما نتحدث عن وصول شحنة إيرانية أو قائد إيراني، فمن الطبيعي أن يكون هناك خرق عند النظام ولكن أيضاً عند حزب الله. وإذا سلّمنا جدلاً أن هناك خرقاً عند النظام فكيف يتم قتل قادة «الحزب»، وكيف تمَّ قتل صالح العاروري؟ إذاً الخرق موجود في لبنان وفي سوريا.
○ لكن هناك التطور التكنولوجي الذي لا نستطيع إغفاله؟
• لا شك أن هناك تطوراً تكنولوجياً خاصة في مجالات الرصد والاستطلاع والتنصت، لكن من منظوري الخاص كطيار أقول: كيف تستطيع إسرائيل المواءمة بين المعلومة الاستخباراتية الدقيقة التي أعطتها صورة الشخص المنشود؟ هذا الشخص هو الهدف الذي يجب أن تتعامل معه، وتتابعه في كل مكان يتردد عليه، ثمَّ حتى دخوله إلى الغرفة التي يتم استهدافها بصاروخ في الزمن المحدد، وبالطريقة المحددة؛ إذاً إسرائيل استطاعت أن تربط 4 أو 5 معلومات تكنولوجية لا يستطيع أحد أن يوفّق بينها. كيف استطاعت المواءمة؟ تحديد الشخص وصولاً إلى المنطقة المحددة ومن ثمَّ تختار الهدف في اللحظة المناسبة؟ وكيف استطاعت أن تحدد الزمن وأن تكون هناك طائرة جاهزة في الجو، أو صاروخ جاهز في الجو، بمجرد دخولهم إلى المنزل ينطلق باتجاه النافذة. أنا معك أن للتكنولوجيا دوراً كبيراً جداً، لكن هناك خرقاً على مستوى عال. لا أعتقد أن عميلاً بسيطاً في الشارع، أو حتى ضابط في الجيش يستطيع أن يعطي هذه المعلومات بدقة. العميل يجب أن يكون من مستويات عليا، وقد يكون من الذين يُصدرون الأوامر. على سبيل المثال، قاسم سليماني لا يمكن أن تصطاده أمريكا بهذه السهولة إلا إذا كان هناك عميل إيراني كبير من المستويات العليا قد حدد المكان والزمان، لأن قاسم سليماني أصبح يُشكّل خطراً على المرشد، والأمر نفسه يتعلق بحزب الله. إيران لم تترك وسيلة إلا وحاورت فيها النظام. قدّمت آلاف الضباط على أنهم جواسيس وتمت محاسبتهم، وآخر هذه المحاسبات تمت باعتقال كل أفراد وضباط فرع سعسع بتهمة التعاون مع إسرائيل، ثمَّ بعد ذلك ضباط في الحرس الجمهوري، حتى إدارة الاتصالات بكاملها، من مدير الإدارة حتى آخر عنصر مدني، كلهم اعتبروا جواسيس.
إسرائيل لا تريد إيران وتريدها في آن. هي لا تريدها قوية، تريدها في سوريا، وتريدها أن تحمي بشار الأسد، إنما لا تريدها قوية. ونتنياهو أعلنها صراحة في بداية حرب غزة، لقد قال: إذا تدخل حزب الله أو إيران سأضطر إلى خلع بشار الأسد. هذا يُشير إلى أن هناك اتفاقاً إسرائيلياً مع «الحزب» ومع إيران وحتى مع بشار الأسد. هذه الرابطة لا يمكن أن تكون بعيدة عما يجري في المنطقة، لذلك أقول إن ما يجري في سوريا، والطريقة التي تستخدمها إسرائيل في ملاحقة ومحاسبة القادة الإيرانيين أسمتها «رقصة الردع الدقيقة»، الردع الذي غاب عنها في 7 تشرين الأول/أكتوبر تحاول إسرائيل أن تعيده جزئياً وليس كاملاً كما حصل في بداية الردع النووي.
○ قلت إن نتنياهو هدّد بأنه إذا دخل حزب الله وإيران الحرب سينهي نظام بشار الأسد، سؤالي أن المنطقة كلها في طور التشكل من جديد، فهل يمكن أن نرى مشهداً آخر في سوريا أم أن المشهد الحالي في سوريا سيستمر لسنوات طويلة؟
• أنا أؤكد لكِ وربما في فترة قريبة، أي بعد شهرين أو ثلاثة، أننا سنشاهد مشهداً جديداً في سوريا، لا يمكن أن يبقى هذا المشهد على حاله، إنما في ظل التحديثات في المنطقة أو إعادة هيكلتها سنشهد على الأكيد تغييراً كبيراً في سوريا. السؤال يطرحه الكثيرون: هل دخلت إيران إلى سوريا بمفردها أو من تلقاء نفسها، أم أن هناك موافقة أمريكية وإسرائيلية بحدودها الدنيا على دخول إيران وميليشيات حزب الله؟ بالتأكيد كان هناك اتفاق. إذاً أمريكا أوعزت لإيران بالتدخل، وقبل أن تتدخل تمّ تشكيل «داعش» من أجل إيجاد ذريعة سنيّة وبالتالي يجب أن تكون هناك ذريعة شيعية فتدخلت إيران. أي أنها دخلت بمهمة ولها دور، تماماً كما دخلت تركيا، فالدخول التركي في الشمال لا يمكن أن يكون بإرادة تركية، هذا ليس قراراً تركياً ولا تستطيع تركيا ذلك إلا بموافقة أمريكية، لأنه عندما تريد أمريكا إبعاد إيران عن سوريا تستطيع ذلك بشكل مباشر، لكنها لن تبعدها بشكل كامل، لإن إبعادها بشكل كامل قد يكون عسكرياً. القوات الإيرانية قد تنسحب والميليشيات الإيرانية قد تنسحب ولكن لن تبتعد إيران كلياً، فهي متغلغلة في كل مجالات الدولة، وهذا ما تريده أمريكا وهي لا تريد أن تنسحب إيران كلياً من سوريا، ولكن لا بد من جيوب إيرانية فيها، تماماً كما حصل في العراق حيث تدخلت إيران وانقلب النظام كلياً، وهذا ما سيحصل أيضاً في سوريا، لكن لن نشاهد ذلك على المستوى الواسع، إنما سنشاهد قادة أو مسؤولين إيرانيين بـ«لباس سوري» أو بـ«مكياج» سوري يتواجدون في سوريا، وهذا سيحقق النظرية الروسية بأنها لن تسمح بنظام سنّي في سوريا، فلن يكون هناك نظام سنّي، قد يكون نظاماً مختلطاً في سوريا ولن يكون بشار الأسد على هذه الخريطة.
○ لن يكون هناك بشار الأسد ولكن وكأنك تقول إنه سيتم تسليم سوريا كلياً لإيران، أليس هذا أسوأ؟
• صحيح، وللتغطية على هذه القضية سيتم سحب القوات الإيرانية، وستبدو إيران وكأنها وردة خضراء في سوريا، وليست قطعة سوداء. وما يُضفي الواقع الأسود على الصورة هو الواقع العسكري الذي يهدد إسرائيل ويهدد كل الدول المحيطة، لكنه سينتهي بالانسحاب لكنها ستكون موجودة في سوريا وسيبتعد بشار كلياً عن المشهد لأن دوره انتهى. وكما قلت لا بد أن يكون لإيران مكسب في كل ملف تتدخل فيه بأوامر أمريكية، وما كسبته في العراق سيكون لها مثله في سوريا.
○ وماذا يكون قد تحقّق من الثورة السورية؟
• الثورة السورية في أضعف حالاتها، ونتنياهو له تصريحات في الأعوام 2015 و2016 و2017 وأكدها عدة مرات بأن إسرائيل لا تريد إيران قوية على حدودها، حتى إنها لا تريد أي طرف قوي على حدودها، لا مصر ولا الأردن ولا لبنان ولا سوريا ولا إيران، وهذا يؤكد فحوى كلامي بأن إيران ستسحب ميليشياتها وستبقى ضمن المجالات المختلفة في الدولة السورية؛ لكن تغيير «المكياج» في سوريا ربما يرضي بعض السوريين، وهذا ما سيتم، كما حصل في أفغانستان حيث كان هناك نوع من الصمت. التغييرات في سوريا ستكون بحجم أو تساوي الفترة الزمنية التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق الاستقرار. فهل حققت الإدارة الأمريكية استقراراً في العراق؟ أليست هي مَن وضع الدستور؟ أليست هي مَن وضع الحل؟ إيران موجودة، ولن تغيب عن العراق، لكن أمريكا وضعت تصوراً ما زلنا نعاني منه إلى الآن، وكذلك هي التي ستضع تصوراً في سوريا. إبعاد بشار الأسد عن الساحة سيرضي الكثير من السوريين، لكنه لن يكون الحل إنما ستعيش سوريا فترات من الظلام.
○ وماذا عن المناطق الأخرى؟ المناطق التي هي تحت السيطرة التركية، وماذا عن مناطق قسد والوجود الأمريكي، هل تتوقع انسحاباً أمريكياً، وماذا عن الروس؟
• كل ما جرى في المنطقة كان نتيجة «لعبة أمريكية». أُسند دور لتركيا، وأُسند دور لإيران، وأُسند دور لحزب الله، وكل مَن أُسند له دور سيأخذ ثمناً، تركيا ستأخذ ثمناً، وهو على الأقل إبعاد ما يسمى بـ«حزب العمال الكردستاني» من سوريا كلياً لأنه كان ورقة ستحرقها أمريكا وهي غطت سرقة «أكراد قنديل» (جبال قنديل في إقليم كردستان) الكثير من الثروات السورية من نفط وغاز وقمح ودولارات. ستخرج تركيا عسكرياً ولكن سيبقى لديها وجود عبر مسؤولين في الحكومة السورية موالين لها، كما سيكون هناك مسؤولون موالون للعراق ومصر وإيران ولدول أخرى. هذا ما ستفعله أمريكا من أجل إلزام الجميع بالصمت. أما الوريقات الأخرى مثل حزب الله وحزب العمال الكردستاني فستحترق وستسقط.
سنشاهد صورة جديدة في سوريا وربما ترضي بعض السوريين لكنها سترضي إلى حد ما الدول التي نفّذت أدواراً في سوريا. إيران وتركيا حتى روسيا التي ستحصل على قاعدتَي حميميم وطرطوس وتنسحب من بقية الأماكن. في الحل الجديد للخارطة السورية، ستكرم أمريكا إيران التي تغلغلت في مفاصل الدولة السورية، لقد وصلت إلى البحر المتوسط عبر اللاذقية وطرطوس. لم تعد بحاجة إلى لبنان، فيكفيها الساحل السوري. وبالمناسبة، هي تُطوِّر مطاراً في منطقة الحميدية جنوب طرطوس، وهي تسيطر تماماً على ميناء اللاذقية، وستكون لها حصة في ميناء بانياس النفطي. لذلك أنا من القائلين بأن إيران لا حاجة لها لحزب الله. كانت تريد الوصول إلى البحر المتوسط ووصلت إليه عبر سوريا. ولذلك عندما تلقي بورقة حزب الله إلى التهلكة أو إلى الحرب ستكون قد حققت الورقة السورية التي تنشدها منذ زمن بعيد ولكن بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
○ وما توقعاتك للجنوب السوري، سواء بالنسبة لتهريب المخدرات عبر الحدود السورية – الأردنية أو بالنسبة إلى حراك السويداء والوضع في درعا؟
• منذ بداية الثورة، اتخذت إسرائيل قراراً بإضعاف النظام لكنها لم تُرد أن يكون الثوار على حدود الجولان. أما قضية تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، فهي جزء من الواقع الحالي في سوريا، وستنتهي حين يتغير الواقع في سوريا وتنسحب الميليشيات الإيرانية.
حراك السويداء هو عبارة عن شعلة كان المقصود بها الإشارة إلى أن الأوان قد حان لإنهاء الملف السوري. ربما أحداث غزة أخّرت الحل في سوريا الذي كان من المفترض أن يبدأ مع اشتعال شعلة السويداء التي نحترم ونفتخر بها. هناك ترويج أن الهدف إنشاء إقليم في الجنوب (حوران والسويداء) لكنه ليس صحيحاً. ما أراه اليوم أن أمريكا تخطط لحل كامل في المنطقة يشمل سوريا. ولا يهمها من كل ملف تتدخل فيه إلا مصلحتها ومصلحة إسرائيل التي هي حليفتها الوحيدة في المنطقة. أمريكا أضعفت كل الدول العربية المجاورة لها. في سوريا، كما قلت، ستحصل الدول التي لعبت أدواراً بموافقة أمريكية على مكاسب. مَن سيخرج من دون مكسب حقيقي هو الشعب السوري الذي خسر أرضه وبلده واقتصاده، وسيتم إرضاء السوريين بتغيير بشار الأسد كون ذلك مطلباً أساسياً لهم. سيغيب آل الأسد عن الصورة المستقبلية لكن النظام الجديد لن يكون ذلك الذي يطمح إليه الشعب السوري وبَـذَلَ الغالي والنفيس في سبيل إسقاطه.