بعد أن مهد طيلة الفترة الأخيرة وأعلن صراحة في 23 الشهر المنصرم عن إستعداده لقاء الأسد، أعلن أردوغان في 15 الجاري إقتراحه عقد قمة ثلاثية مع بوتين والأسد. ويقترح إردوغان خريطة طريق متكاملة للقمة، إذ يمهد لها لقاء بين مسؤولي المخابرات في البلدين، يتبعه لقاء وزيري الخارجية ثم وزيري الدفاع وتأتي القمة على رأس هذه اللقاءات. قد يكون وضع اللاجئين السوريين شكل عاملاً ضاغطاً عليه عشية الإنتخابات، حيث يشكل الورقة الرابحة بيد المعارضة، لكن لا يمكن إنكار تصميم أردوغان وحسمه في إتخاذ القرارات الصعبة، وهو الذي كان يشترط سقوط الأسد لتسوية العلاقات مع سوريا. مصير الحرب على PKK أبعده أردوغان خارج الإقتراج وحسم الأمر بمتابعتها، لكن الأسئلة الأخرى التي أثارها الإقتراح تكاد لا تحصى، ويتصدرها السؤال عن مصير المعارضة السورية، سيما تلك المرتبطة بتركيا، ومعها الحرب السورية برمتها، ومصير المهجرين السوريين، وليس في تركيا فقط، ولا تنتهي عند مصير الأكراد في سوريا وإستقلالهم الذاتي وعلاقتهم بنظام الأسد.
يتضح من حديث الطرفين السوري والتركي قبل إعلان أردوغان أن القمة لن تعقد قبل نهاية الإنتخابات الرئاسية التركية السنة القادمة، ودائرة جدول أعمالها تكهن بها أحد الخبراء الروس بشؤون الشرق الأوسط في شريط فيديو نشرته وكالة نوفوستي وأوجزها بثلاث دوائر: الداخلية، الإقليمية والخارجية.
المستشرق كيريل سيميونوف نقلت عنه صحيفة الكرملين VZ تقييمه “مستقبل قمة تركيا، روسيا وسوريا”. يقول المستشرق أن أهم ما في القمة المحتملة، هو أن تركيا بدلت موقفها ومستعدة للحوار مع سوريا. في البداية كانت أنقرة ترفض الحوار مع دمشق قبل أن تجري الإنتخابات في تركيا، وليس من الواضح بعد كيف ستتقبل دمشق هذا التبدل. ومن المهم معرفة جدول الأعمال المحتمل، وما أن كان سيقتصر على المسالة الكردية في سياق الحؤول دون عملية تركية برية، أم أنه سيشمل جميع المشكلات العالقة بين البلدين. كما من المهم أيضاً معرفة ما إن كانت القمة ستتبنى شكلاً دائماً، أم ستعقد لمرة واحدة فقط. جدول الأعمال الأمثل لأجندة الحوار هو ذلك الذي يشمل على الفور جميع المشاكل التي تراكمت بين الأطراف خلال السنوات الأخيرة، مما يسمح بعدم إشراك لاعبين إقليميين آخرين في تسوية النزاعات بينهم.
يرى المستشرق أنه أمر مهم أن تكون أنقرة هي المبادرة للتعبير عن الرغبة في الإجتماع. ويؤكد أن رفض دمشق الآن للإقتراح بالقول أنها ستبدأ التفاوض بعد الإنتخابات في تركيا، سيقوض صورة سوريا على نحو خطير. علاوة على ذلك، إذا وجه الأسد أي إنذارات، لن تتقبلها تركيا تحت أي ظرف كان وستتصرف وفقاً للخطة القائمة بالفعل. وليس لدى دمشق القوة لإجبار تركيا على الخروج من الأراضي السورية.
يتجاهل المستشرق المؤيد كلياً لما ارتكبه ويرتكبه الأسد ضد شعبه، وما سببه لأردوغان من 3,7 ملايين لاجىء(حسب خبير نونوفوستي ذاك)، فيساويه مع سواه ممن طبّع أردوغان معه العلاقات، ويقول بأن التطبيع مع سوريا هو ضمن سياسة تركيا “صفر مشاكل مع الجوار”. وسبق أن جرى التطبيع مع السعودية والإمارات ومصر، وحتى مع إسرائيل وأرمينيا. ويشير إلى أن روسيا “معنية جداً” الآن بالتعاون بين تركيا وسوريا، وذلك لأن لديها من المهمات الخارجية ما يجعلها “غير متفرغة لمراقبة كل خطوة للأسد وأردوغان”. ويرى أن أردوغان والأسد يدركان أنهما لن يتمكنا من الإتفاق من دون مشاركة روسيا. وموسكو سوف تدوّر زوايا رغبات كل من الطرفين، “فنحن علينا أن نكون وسيطاً يتمكن من تدوير الزوايا وتسوية علاقات الدول”.
التعليقات لم تكن وفيرة على مبادرة أردوغان، أو “خريطة طريق أردوغان للمصالحة مع الأسد” كما يسميها إعلام بوتين، وما هو متوفر منها على غرار “روسيا سوف تعيد علاقات الجوار إلى تركيا وسوريا” لصحيفة الكرملين المذكورة، ينتمي أغلبه إلى بروباغندا الكرملين وفي مواقعه الإعلامية، ولا يستحق التوقف عنده.
توقفنا عند مدونة ناشط لم ينشر إسمه، نشرها على موقع مدونات LiveJournal في 17 الجاري,. يشير الكاتب إلى ما جاء في تصريح أردوغان عن توحيد أجهزة المخابرات التركية والروسية، ويقول بأن هذه المحاولات تجري خلال الشهرين الأخيرين، وعلى أرفع المستويات، “لكنها لم تسفر بالنتيجة عن شيء”.
ويبدو أن المدون رصين ويتابع الملف السوري جيداً، فيشير إلى أن أردوغان صرح في آب/أغسطس المنصرم أن أنقرة لا تسعى لإقصاء الأسد عن السلطة. وأراد بكلامه حينذاك أن يشير إلى تخليه عن سياسته في دعم الإنتفاضة ضد الأسد خلال السنوات العشر الماضية. ويشير إلى تسريبة خلال هذا الشهر من مصادر قريبة من ديوان الرئاسة التركية تقول بأن التقرب بين أنقرة ودمشق (ومع العواصم العربية الأخرى) لن يبدأ سوى بعد الإنتخابات السنة القادمة، ولا يجب إنتظار أي دينامية حقيقية الآن على هذا الإتجاه.
ويستنتج المدون من التسريبة أن تصريح أردوغان في هذه الحالة يجب تقييمه بمثابة دعاية على الصعيد الداخلي. فالضغط الداخلي على أنقرة يشتد، مطالباً بتطبيع العلاقات مع دمشق. ودعوات المعارضة التركية للمصالحة بين تركيا وسوريا تتعزز كل يوم، فالمجتمع التركي يصبح أكثر عداءاً حيال حوالي 4 مليون لاجيء سوري في تركيا.
وبعد أن يشير المدون إلى المفاوضات التي يجريها الأميركيون مع مسؤولين سوريين لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس، يقول بأن دمشق بدورها تسعى لتجديد التعاون مع أنقرة، لكن الكثيرين من الأتراك يعتبرون بأن شروط الحكومة السورية للمفاوضات ليس مع تركيا فقط، بل ومع الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، “ليست واقعية”.
لكن إحدى العقبات الرئيسية في إطار التقارب التركي السوري، عدا عن العلاقات الشخصية بين أردوغان والأسد، يبقى العامل الكردي، برأي المدون. والرئيس التركي ركز عليه في تصريحه ــــــ المبادرة، وقال بأن تركيا لن تتسامح مع وجود مقاتلين أكراد سوريين على طول الحدود التركية. وليس من الواضح تمامًا سبب قلق الرئيس التركي بشأن بيع النفط السوري من قبل الأكراد، لكن إستطراده يوضح الأمر، فإمدادات النفط السوري الرخيص لتركيا، وكذلك إمدادات النفط العراقي الكردي، قد نضبت.
بعد أن يتحدث المدون مطولاً عن الأكراد، وخاصة عن PKK وعملية “السيف المخلب” التركية ضده في شمال سوريا والعراق، يقول بأن هذه العملية لم تنته بعد، بل سوف تستمر بوتيرة متغيرة في شمال البلدين إلى أن يحين وقت هجوم عسكري عبر حدودهما. والعمل الإرهابي في إسطنبول لم يكن دافعاً كافياً لعملية هجوم كهذه، كان من الممكن أن تيدأ في أي ظرف بعد إنتهاء عملية “السيف المخلب”.
إلا أن تفجير إسطنبول الإرهابي من المحتمل أن يكون قد دفع تركيا للكشف عن إستراتيجيتها القتالية الجديدة في وقت أبكر مما هو مخطط له، وتمهد الحملة الحالية الطريق للعمليات البرية المستقبلية. ويقول بأنه يخاطر ويفترض بأن مجموعة التدابير والخطوات المتخذة في إطار العمليات المناهضة للكرد، هي بالذات التي ستشكل اولويات ومحددات هذه الإستراتيجية.
“المدن”