أجج الكبتاغون العنف وسلط الطغاة أكثر فأكثر وقد يليه الميثامفيتامين لاحقاً
ملخص
الكبتاغون والميثامفيتامين ينتشران بكثرة في دول الشرق الأوسط: يضران بالشعوب ويعززان جبروت الطغاة.
غمرت [حبوب] الكبتاغون منطقة الشرق الأوسط على امتداد العقد الماضي. وقد أصبح هذا المخدر، وهو مزيج من الأمفيتامينات والكافيين، شائعاً خصوصاً في السعودية والإمارات العربية المتحدة، إذ يستخدمه العمال ومرتادو الحفلات لدرء الجوع والنوم عن أنفسهم. لقد اجتاح هذا المخدر كلاً من البلدين، إلى جانب المنطقة ككل. لم يكن أحد تقريباً في الشرق الأوسط يستخدم الكبتاغون قبل 20 عاماً. أما اليوم، فهو أرخص من الكحول ومتوفر على نطاق أوسع منه في المنطقة.
وتعتبر سوريا أكبر بلد منتج للكبتاغون في العالم، إذ إنه مصدر مهم جداً للدخل بالنسبة إلى الدولة ورئيسها الديكتاتور بشار الأسد. ويتم تهريب هذه الحبوب من سوريا إلى دول الخليج العربي بواسطة الميليشيات المرتبطة بإيران وأولئك الذين يتاجرون بالمخدرات من لبنان وتركيا. إلا أن الشعوب على طول طرق التهريب، كما هي الحال في العراق والأردن، يتعاطون هذا النوع من المخدرات أيضاً، كما يفعل الشعب في سوريا. وتذكي هذه التجارة موجات العنف في الشرق الأوسط كما تمول كل أنواع الجماعات الشريرة.
وتكافح حكومات الخليج العربي لوقف تدفق الكبتاغون إلى بلدانها. لقد حاولوا التفاوض مع سوريا من أجل خفض الإنتاج وقاموا بإعدام تجار المخدرات وموزعيها. غير أن جهودهم لم تحقق نتائج تذكر. وللحد من استخدام الكبتاغون، يجب على الدول العربية أن تتعاون مع واشنطن لتبادل مزيد من المعلومات الاستخباراتية حول شبكات المخدرات، كما ينبغي أن تبدأ في معالجة من يتعاطون المخدرات بدلاً من معاقبتهم. وتكتسب هذه السياسات أهمية خاصة لا سيما أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب [مرحلة] تتطور فيها مشكلة مخدرات لتصبح أزمة الميثامفيتامين الأكثر خطورة بكثير.
اسم واحد، لعبة مختلفة
تم تطوير الكبتاغون في الأصل في ستينيات القرن الماضي كدواء لمعالجة الاكتئاب ومرض النوم. بحلول الثمانينيات، حظرت معظم الدول هذا الدواء لأنه يسبب الإدمان وله آثار جانبية خطرة، بما في ذلك الذهان (اضطراب عقلي). وبعد عقد من الزمن، بدأت الجماعات الإجرامية في بلغاريا بتصنيع عقار يحمل الاسم نفسه، على رغم أنهم استخدموا في صناعته مركباً كيماوياً مختلفاً.
ولم ينتشر الكبتاغون الجديد في أوروبا، حيث كانت مخدرات الهيروين والكوكايين والميثامفيتامين وعقار الإكستاسي تستخدم على نطاق واسع سلفاً. إلا أنه أصبح رائجاً في الشرق الأوسط، ففيها كانت سوق المخدرات غير المشروعة أقل ازدحاماً. وقد صنع المهربون اللبنانيون والأتراك هذا المخدر في العقد الأول من هذا القرن قبل أن ينتقل الإنتاج إلى سوريا في عام 2014. والواقع أن وجود صناعة كيماوية كبيرة ومجموعة ضخمة من المتخصصين بالكيمياء العاطلين من العمل، جعلت البلاد مهيأة لتصنيع المخدرات الممنوعة. وساعدت الحرب الأهلية السورية على ذلك أيضاً، فهي نشرت الفوضى في شطر كبير من البلاد. وقد استولت الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضاً باسم داعش) وجبهة النصرة، على الجزء الأكبر من الجغرافيا السورية، وقامت ببيع الكبتاغون للحصول على المال. كما استهلكه مقاتلوها أيضاً من أجل التقليل من الضوابط التي قد تمنعهم من الإقدام وللبقاء مستيقظين واكتساب شعور بأنهم لا يقهرون. ويلقب الكبتاغون بـ”مخدر الشجاعة”.
وفي نهاية المطاف، تمكن نظام الأسد من التغلب على الجماعات الإسلامية. ولكن بدلاً من القضاء على إنتاج المخدرات، تولت الحكومة بكل بساطة مسؤولية ذلك. لقد تم عزل النظام بسبب العقوبات وأفقرته الحرب، وأصبح الكبتاغون مصدراً حيوياً لدخله ولرصيده من العملات الأجنبية. وقدر معهد نيو لاينز، وهو مركز بحوث يتخذ من واشنطن مقراً له، أن عائدات نظام الأسد من بيع الكبتاغون في عام 2021 قد وصلت إلى 5.7 مليار دولار، مما يجعله مصدر دخل كبير لبلد يبلغ كل الناتج المحلي الإجمالي فيه نحو 20 مليار دولار. كما بدأت الميليشيات الموالية لإيران في لبنان والعراق في جني المال من هذه التجارة. ويقوم كل من “حزب الله”، و”كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، بتهريب الكبتاغون وكلها تنظيمات مصنفة من قبل الولايات المتحدة كمجموعات إرهابية. وباعتبار هذه المجموعات تسيطر على قطاع حكومي كبير في العراق ولبنان، فإنها تعمل بحرية تامة كما لو كانت لا تخشى العقاب.
وحاول كل من الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة قمع تجارة الكبتاغون، فقد قتل الأردن، على سبيل المثال، العشرات من مهربيه وشن غارات جوية على سوريا استهدفت تجار المخدرات ومستودعاتهم. وتحبط السعودية والإمارات العربية المتحدة عمليات تهريب ملايين الحبوب كل عام. وتقول الإمارات إنها صادرت كميات من حبوب الكبتاغون تزيد قيمتها على مليار دولار في عملية ضبط واحدة فقط في سبتمبر (أيلول) 2023. كما هددت السعودية بتقليص التجارة مع الأردن إذا لم يتمكن من الحد من تدفق المخدرات من سوريا. غير أن هذه الخطوات فشلت في إبطاء وتيرة تجارته في المنطقة.
كما حاولت الدول العربية التفاوض مع نظام الأسد لوقف انتشار الكبتاغون. وكانت جامعة الدول العربية قد طردت سوريا في بداية حربها الأهلية، في عام 2011، كما قطعت عديد من الحكومات العربية علاقاتها مع الأسد. ولكن عندما أصبح من الواضح بعد عقد من الزمن أنه قد انتصر، بدأت تلك الحكومات في تطبيع العلاقات مع نظامه. وكجزء من محادثات التطبيع، تفاوضت الدول العربية معه حول الكبتاغون. ووعدت سوريا باتخاذ إجراءات صارمة ضد التهريب (من دون ذكر الكبتاغون على وجه الخصوص) مقابل العودة لجامعة الدول العربية في عام 2023، بيد أنه لا يوجد دليل على أن سوريا قد خفضت إنتاجها. ويستمر صانعو الأدوية والمهربون الذين لهم علاقات بالحكومة في العمل [في مجال إنتاجه والاتجار به] من دون أن تخاف العقاب.
سيئ للغاية
إن الدول العربية في حاجة إلى استراتيجيات جديدة للاستجابة إلى الكبتاغون. وبوسعها أن تبدأ بالتخلي عن سياساتها العقابية غير الفعالة في التعامل مع من يتعاطون المخدرات، وهي سياسات لا يمكنها أن تحد من استعمال المخدرات. وبدلاً من ذلك، يتعين على الدول أن توجه من يتعاطون المخدرات نحو العلاج. وقد بدأت السعودية، على سبيل المثال، في السماح لمن يتناولونه بالإفلات من الملاحقة الجنائية وذلك إذا ذهبوا بأنفسهم لالتماس المساعدة من مراكز العلاج التي توفر الرعاية الطبية والبرامج التعليمية والسلوكية وبناء المهارات. وقامت وزارة الصحة السعودية بتوسيع نطاق معالجة الاضطرابات الناجمة عن تناول المخدرات ليشمل 50 مستشفى.
ويجب على الدول العربية أيضاً أن تعتمد أساليب أفضل في مجال إنفاذ القانون. وتحتاج الشرطة إلى معلومات استخباراتية شاملة من أجل القبض على كبار أعضاء شبكات تهريب المخدرات. ومع ذلك، تواجه وكالات إنفاذ القانون في الشرق الأوسط صعوبة في التواصل مع بعضها بعضاً بسبب غياب الثقة الذي طال أمده [في بعض الحالات]. فمن الصعب، على سبيل المثال، تبادل المعلومات مع السلطات في سوريا لأن لدى تجار المخدرات في البلاد علاقات قوية مع الحكومة هناك، ولا تزال الولايات المتحدة تفرض عقوبات على نظام الأسد [بسبب الكبتاغون]. وتسيطر الجماعات الموالية لإيران على بعض أقسام أجهزة الاستخبارات ووكالات إنفاذ القانون العراقية واللبنانية. ويمكن للولايات المتحدة، بل ينبغي لها، أن تشجع على تبادل مزيد من المعلومات الاستخباراتية حول شبكات المخدرات بين الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد وكالات إنفاذ القانون في الشرق الأوسط لكي تصبح أكثر فاعلية. وتبدي واشنطن اهتماماً بوقف انتشار الكبتاغون. وعلى سبيل المثال فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في ربيع عام 2023، عقوبات على اثنين من أبناء عمومة بشار الأسد، وهما سامر كمال الأسد ووسيم بادي الأسد، بسبب الاتجار بالكبتاغون. في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن قانون مكافحة نشر الأسد تهريب المخدرات والتربح منها (كبتاغون)، والذي يتطلب من الولايات المتحدة تطوير استراتيجية لتعطيل شبكات تهريب الكبتاغون وبناء شراكات لإنفاذ القانون في الشرق الأوسط. وقد قامت الحكومة الأميركية بتدريب السلطات اللبنانية والأردنية على طرق منع التهريب، والتحليل الجنائي للمخدرات، والتحقيق في الجرائم عبر الحدود. لكن يجب على واشنطن أن تبني على هذه الجهود من خلال تبادل مزيد من المعلومات الاستخباراتية مع الدول العربية ومساعدة سلطاتها على العمل بعضها مع بعض.
تناول مقاتلو “داعش” الكبتاغون للبقاء مستيقظين واكتساب شعور بأنهم لا يقهرون.
ويتعين على حكومات المنطقة أن توحد جهودها بصورة سريعة لأن هناك خطراً يتمثل في استبدال بالكبتاغون مخدرات أكثر خطورة وإيذاءً هي الميثامفيتامين. ومع مرور الوقت، تتحول أسواق المخدرات المخالفة للقانون نحو [الترويج لـ] مواد أكثر فاعلية. وبما أن نسبة فاعلية الميثامفيتامين إلى الوزن أعلى منها لدى الكبتاغون، فإن تهريبه أسهل كما أنه مربح أكثر من الكبتاغون. على سبيل المثال، واجهت منطقة جنوب شرقي آسيا مشكلة مع مخدر ينتج محلياً اسمه “يابا”، وهو خليط أشبه بالكبتاغون يصنع من الأمفيتامين والكافيين، إلى أن أغرقت الشبكات الإجرامية الصينية المنطقة بالميثامفيتامين الذي يتم إنتاجه في ميانمار. تحول مستخدمو “يابا” بسرعة لتعاطيه. وبين عامي 2016 و2019، ارتفع استخدام الميثامفيتامين بمقدار ثمانية أضعاف في فيتنام وعشرة أضعاف في تايلاند.
لن يكون من الصعب على الشرق الأوسط أن يتحول إلى مرتع للميثامفيتامين. ومن الممكن أن تصبح سوريا منتجاً رئيساً لهذا العقار المخدر. وفي البلاد سلفاً كيماويون ماهرون وشبكات تهريب راسخة. ومن السهل الحصول على المواد الكيماوية اللازمة لصنع الميثامفيتامين كما هي الحال مع المكونات اللازمة لصنع الكبتاغون. وتنتج أفغانستان وإيران سلفاً الميثامفيتامين، على رغم أن المخدر الأفغاني الصنع أقل جودة من الميثامفيتامين في شرق آسيا أو المكسيك. وتبرز دول الخليج كمركز للعصابات المكسيكية التي تهرب الميثامفيتامين من أوروبا إلى أستراليا ونيوزيلندا، مما يؤدي إلى فتح قناة أخرى جاهزة يمكن للميثامفيتامين من خلالها إغراق المنطقة. وفي أسوأ السيناريوهات، قد تعمد العصابات المكسيكية، التي تربطها علاقات بالجماعات الإجرامية التركية، إلى إقامة شراكة مع نظام الأسد، مما قد يوفر لها ملاذاً آمناً من سلطات إنفاذ القانون الأميركية.
وتتزايد كميات الميثامفيتامين المضبوطة سلفاً في منطقة الشرق الأوسط والبلدان المحيطة بها. ضبطت تركيا، على سبيل المثال، 78 طناً من الميثامفيتامين في عام 2022، أي بزيادة مضاعفة عن الكمية التي تم ضبطها في عام 2019. وضبط الأردن 45 طناً من الميثامفيتامين في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، وهذا أكثر 20 مرة مما جرى ضبطه خلال الفترة نفسها من عام 2021. ولذلك يجب على الأشخاص في المنطقة التركيز على إغلاق مختبرات الميثامفيتامين أينما وجدوها وتنظيف منافذ الدخول، مثل أبوظبي ودبي، التي يتدفق عبرها الميثامفيتامين المتجه إلى أستراليا. وينبغي للحكومات العربية أن تغلق المواقع الإلكترونية التي تروج للمخدرات الاصطناعية، مما سيدفع المستخدمين إلى شبكة الإنترنت المظلمة، حيث لن يتمكن سوى عدد أقل من العثور على البائعين. وإلا فإن مشكلات المخدرات ستتفاقم في الشرق الأوسط مع انجذاب المتعاطين نحو مادة أكثر فتكاً من الكبتاغون وأشد تأثيراً منه لجهة التسبب في الإدمان.
فاندا فلباب براون هي مديرة مبادرة الفواعل المسلحة من غير الدول وزميلة بارزة في معهد بروكينغز.
مترجم من فورين أفيرز، 11 أبريل 2024