تطور التعاون الروسي والإيراني في سورية

نيكول غراجويسكي/ ترجمة أحمد عيشة

ملخص

وفّر التدخل الروسي، في أيلول/ سبتمبر 2015، قوة جوية حاسمة للقوات البرية السورية والقوات المدعومة إيرانيًا، وأدى إلى توسيع سيطرة بشار الأسد على الأرض، وترسيخ قبضة النظام على السلطة، من خلال جهود دبلوماسية موازية. ظهرت التحديات المرتبطة بالتكامل العسكري، بسبب افتقار الإيرانيين الملحوظ إلى الدعم الجوي الروسي، وسوء التفاهم بخصوص الاتفاقيات التي استندوا إليها. ومع ذلك، طوال فترة الحرب الأهلية السورية، أدت المقايضات العسكرية والسياسية المنظمة إلى تعزيز العلاقة الروسية الإيرانية، وأسهمت في زيادة الاتساق بين موسكو وطهران، بخصوص حدود وثوابت التعاون. ومع تغير الديناميات العسكرية في سورية، قادت روسيا وإيران وتركيا عملية آستانا، بكونها مسارًا موازيًا لوساطة الأمم المتحدة، غير أن المكاسب الدبلوماسية والعسكرية التي حققتها موسكو أدت أيضًا إلى توريط موسكو في الصراع الإقليمي الأوسع نطاقًا بين الولايات المتحدة، وروسيا، وإسرائيل، وإيران.

على الرغم من تلاقي روسيا وإيران حول الهدف الأهم المتمثل في تعزيز نظام الأسد، فإن انخراط موسكو وطهران في سورية يوضح الفسيفساء المعقدة للمصالح المتداخلة، والتعقيدات الإقليمية الأوسع نطاقًا، والنهج المتنازع عليه في التعامل مع إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب. إن رؤى روسيا وإيران بخصوص مستقبل سورية تتضمن وجهات نظر متباينة، بصدد الإصلاح العسكري والاستثمار الاقتصادي. لكن من غير المرجح أن تؤدي هذه الخلافات إلى انهيار العلاقة. تعلمت موسكو وطهران من تجربتهما التخفيفَ من حدة الخلافات التكتيكية في الحملات العسكرية، ومن الأرجح أن تحددا مجالات المصالح داخل سورية في الوقت الذي يسعى فيه كلاهما إلى جني الفوائد السياسية والاقتصادية من الصلات الوثيقة بدمشق. وقد أدت تجربة التعاون الوثيق والاتصالات المستمرة في الوقت نفسه إلى تحسين قدرة موسكو وطهران على التصدي للتحديات المتزايدة المتمثلة في التوصل إلى تسوية ما بعد الحرب في سورية.

الخلفية: من التردد الروسي إلى الالتزام

في الأشهر التي سبقت التدخل الروسي في سورية، أرست سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى بين المسؤولين الروس والإيرانيين الأساسَ لاستراتيجية منسقة لدعم الأسد. في كانون الثاني/ يناير 2015، التقى علي أكبر ولايتي (مستشار السياسة الخارجية لـ آية الله خامنئي المرشد الأعلى في إيران) ببوتين، الرئيس الروسي، وسيرغي شويغو، وزير الدفاع، في موسكو، لتسليم رسالة من خامنئي. كان القصد من الزيارة نفسها هو إثارة حوار بين موسكو وطهران، بخصوص إمكانية تقديم مزيد من المساعدة إلى سورية، من ضمن ذلك احتمالات التدخل. سبق الاجتماع عقد اتفاق ثنائي بخصوص التعاون العسكري التقني، وعقد اجتماعات رفيعة المستوى في طهران بين مسؤولين عسكريين إيرانيين وسيرغي شويغو، وهي المرة الأولى منذ 15 عامًا التي يقوم فيها وزير دفاع روسي بزيارة رسمية إلى إيران. في البداية، رفضت موسكو طلبات قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي المتوفي منذ فترة، في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2015، للسفر إلى موسكو بهدف إقناع بوتين بخطورة الوضع في سورية؛ وبدلًا من ذلك، التقى سليماني بلافروف خلال زيارة وزير الخارجية الروسي لطهران في آذار/ مارس 2015.

والواقع أن تقبّل روسيا واستيعابها لتواصل إيران حدث على خلفية عودة المتمردّين إلى الظهور، في شمال غرب وجنوب سورية، بالتزامن مع هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشمال الشرقي. أدت هذه الحملات العسكرية إلى التقليل السريع من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، طوال ربيع عام 2015. ومع تقدم (داعش) إلى تدمر في أيار/ مايو 2015، أصبح التهديد بسقوط النظام في دمشق وتفكك البلاد أمرًا واردًا على نحو متزايد. دفع تمسك النظام بالسلطة الأسد إلى الإعلان علنًا أن الجيش السوري يفتقر إلى الموارد اللازمة لاحتواء تقدم المتمردين، لذلك سيركز على الدفاع عن أهم المناطق. خلال الفترة من 24 إلى 26 تموز/ يوليو، التقى سليماني بسرية مع بوتين وشويغو في موسكو، لتنسيق العملية العسكرية في سورية. بعد وقت قصير من رحلة سليماني إلى موسكو، وقعت روسيا وسورية اتفاقية سرية لتحديد وضع مطار حميميم كقاعدة في شمال سورية. وفي هذا الوقت تقريبًا، أشارت سلسلة من تقارير وسائط الإعلام إلى تزايد وجود المعدات العسكرية الروسية والأفراد الروس في الميدان في سورية، التي وصفتها وزارة الخارجية الروسية بأنها “تزود السلطات السورية الرسمية بالمعدات العسكرية لمحاربة الإرهابيين”. بحلول أواخر أيلول/ سبتمبر، أعلنت موسكو إنشاء مركز بغداد للمعلومات، وهو مركز مشترك لتقاسم المعلومات الاستخباراتية في بغداد بين روسيا وإيران والعراق وسورية، مهمته الأساسية تنسيق المعلومات الاستخباراتية ضد (داعش) والعمليات حول الحدود السورية العراقية.

روسيا وإيران: تنسيق عسكري بأهداف مختلفة

أسفرت الحملة الروسية والإيرانية لدعم الحكومة السورية عن “تجيمع متكامل” من التشكيلات المسلحة غير النظامية تحت قيادة القوات المسلحة الروسية. أشار العقيد في القوات المسلحة الروسية، ألكسندر دفورنيكوف، الذي قاد مجموعة الجيش الروسي في سورية من أيلول/ سبتمبر 2015 إلى تموز/ يوليو 2016، إلى أنه بسبب تدني كفاءة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السورية، فإن كل العمل على تجهيز العمليات نفذه ضباط من القوات الجوية الروسية والبحرية وقوات العمليات الخاصة. لتسهيل التنسيق الروسي مع هذه المجموعات، تم وضع عناصر ارتباط من المخابرات السورية، والمفارز القتالية للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وفيلق القدس، وقوات الدفاع الوطني في مركز القيادة الروسية في حميميم. ولتحسين التواصل الدبلوماسي والعسكري، عينت إيران علي شمخاني، وزير الدفاع السابق ثم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، في منصب أنشئ خصيصًا لتنسيق السياسة مع روسيا، بخصوص الحملة العسكرية في سورية. وعمل سليماني كنقطة اتصال رئيسة بين إيران والروس للعمليات العسكرية في سورية حتى اغتياله في كانون الثاني/ يناير 2020.

على الرغم من أنّ القوات الإيرانية كانت أساسية في الاستراتيجية العسكرية الروسية، ظلت موسكو حذرة بصدد التأثير المفرط للميليشيات المدعومة من إيران والجهات الفاعلة غير الحكومية في سورية ما بعد الحرب. وركزت موسكو جهودها منذ بداية حملتها العسكرية على استعادة القدرة القتالية للجيش السوري، وسعت إلى تدريب قوة موحدة ومهنية على غرار فرقة المهمات الخاصة الخامسة والعشرين في سورية، مع تزويد الجيش السوري بالأسلحة، من ضمن ذلك دبابات (ت -90) وناقلات الجنود المدرعة الحديثة والمركبات الجوية غير المأهولة. اعتمدت روسيا على الفرقة (25) للمهمات الخاصة، بقيادة العميد سهيل الحسن (المعروفة سابقًا باسم قوات النمر) والفيلق الخامس من المتطوعين، بقيادة زيد صالح، لتعزيز نفوذها في سورية.

على النقيض من ذلك، فإن قدرة إيران على نقل الأسلحة إلى الجيش السوري غير المركبات المدرعة والأسلحة الصغيرة مقيدة بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على شمال العراق وشرق سورية، جنبًا إلى جنب مع صعوبات طيران النقل العسكري. علاوة على ذلك، كان لطهران مجموعة مختلفة من الأهداف تمامًا. مع مكاسب نظام الأسد على الأرض، ركزت طهران على ترسيخ نفوذها في محافظات حلب وحمص ودير الزور والأراضي الحدودية اللبنانية، من خلال الجماعات والميليشيات المحلية الموالية لإيران، كالميليشيات العراقية والأفغانية وحزب الله وقوات الدفاع المحلية.

غرب سورية وحلب: تحديات التنسيق وتوطيد القوة/ السلطة

خلال المراحل الأولى من الحملة، سلّط نقص الدعم الجوي الروسي للقوات الإيرانية الضوء على تحديات دمج وتنسيق الحرس الثوري الإيراني والقوات البرية المدعومة من إيران مع القوات المسلحة الروسية. تسبب حصار جيش الفتح لخان طومان -وهي بلدة تقع جنوب غرب حلب- في تكبّد إيران ما يقرب من (80 إلى 100) ضحية من قوات الحرس الثوري الإيراني والقوات العميلة، في واحدة من أكبر خسائرها العسكرية في الحرب الأهلية السورية. لفت كثير من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين الانتباه إلى نقص الدعم الجوي في خان طومان، كانتقاد مبطّن لمشهد العلاقات العامة للجيش الروسي في تدمر، الذي تضمن سيمفونية لمسرح مارينسكي الروسي. هاجمت تابناك (Tabnak)، وهي صحيفة يملكها ضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني، ظاهريًا “لامبالاة” روسيا تجاه الخسائر الإيرانية في خان طومان، وقالت إن على روسيا “أن تلعب دورًا أكبر في تقاسم المهام العسكرية مع سورية وحلفائها”، بدلًا من عرض سيمفونية على أنقاض تدمر. وظهرت بشكل دوري تصريحات المسؤولين الإيرانيين تسخر من حملة العلاقات العامة الروسية التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة احتفالاً بعملياتها العسكرية، مما يعكس الشعور العام في طهران بأن اهتمام موسكو بسورية يتعلق أكثر بإبراز مكانة روسيا كقوة عظمى.

في حزيران/ يونيو 2016، ركزت القمة الثلاثية لوزراء الدفاع الإيرانيين والروسيين والسوريين في طهران على الحملة العسكرية الجارية في حلب (التي سيعزز نجاحها نفوذ الأسد على تسوية سياسية مستقبلية) وعلى دير الزور. وناقش الوزراء سرًا نشر طائرات روسية في قاعدة الشهيد نوجه (Shahid Nojeh) الجوية في غرب إيران، الأمر الذي سيسمح لروسيا بتوفير الوقود وخفض وقت الطيران إلى حد كبير. تجسدت خطة استخدام القاعدة الجوية الإيرانية في آب/ أغسطس 2016، وحلقت الطائرات الروسية من قاعدة (الشهيد نوجه) لضرب أهداف (داعش) وجبهة النصرة حول حلب ودير الزور وإدلب.

ومع ذلك، أثارت الطبيعة المعلنة على نطاق واسع لهذه العمليات الجوية ردة فعل عنيفة في طهران، وأدت في النهاية إلى انسحاب القوات الروسية في غضون أسبوع. كان نفور إيران التاريخي من وجود أي نوع من القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، والمدوّن في المادة (146) من الدستور، واضحًا، حيث تحدى عدد من البرلمانيين الأساس القانوني للوجود العسكري الروسي. وانتقد وزير الدفاع الإيراني، دهقان، إعلان روسيا استخدامها لقاعدة (الشهيد نوجه) الجوية، وعدّه عملًا من أعمال “العظمة والفظاظة”، يقصد به “إثبات أن روسيا قوة عظمى، يمكن أن تؤثر في جميع الشؤون الإقليمية والعالمية”.

ومع ذلك، بدأت التسريبات تظهر حول استمرار روسيا في استخدام القاعدة الجوية، في أعقاب الاجتماع السري الذي عقده ألكسندر لافرينتييف مع علي شمخاني، والذي اتفقت فيه إيران على ما يبدو على السماح لقاذفات القنابل الروسية الطويلة المدى بحقوق الطيران من قاعدة (الشهيد نوجه) الجوية والسماح بالهبوط فيها لتزويدها بالوقود. وبالرغم من أن استمرار روسيا في استخدام القاعدة غير مؤكد، فقد استخدمت روسيا المجال الجوي الإيراني للتحليق طوال الحملة.

غالبًا ما يبالغ المحللون في التوترات في العلاقة الروسية الإيرانية التي نشأت خلال حادثتي خان طومان وقاعدة الشهيد نوجه، ومع ذلك تُظهر كلتا الحالتين التحديات التي يفرضها توسيع التعاون في الحملات العسكرية. بحلول منتصف كانون الأول/ ديسمبر، استعاد التحالف الروسي-الإيراني-السوري السيطرة على شرق حلب من قوات المعارضة، الذي أدى إلى اتفاق وقف إطلاق نار هش على مستوى البلاد، بوساطة روسيا وتركيا. أظهر حصار حلب الجهود المشتركة بين طهران وموسكو لتعزيز توطيد الأسد لسلطته في سورية، وتعزيز مكانة الحكومة السورية في أي تسوية سياسية. علاوة على ذلك، كان نجاح التوافق الروسي الإيراني السوري في حلب مقدمة لتطلعات موسكو الدبلوماسية لتصبح “الوسيط الذي لا غنى عنه” في الشرق الأوسط.

عززت الحملة الروسية في سورية أيضًا تطلعاتها الدبلوماسية الأوسع لإبراز مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط. في حين أن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قادت سياسة موسكو تجاه سورية، استخدمت وزارة الخارجية ببراعة الدبلوماسية للاستفادة من النجاح العسكري في ساحة المعركة، وتسهيله في بعض الأحيان. على وجه الخصوص، أتاح بدء عملية آستانا بقيادة روسيا وإيران وتركيا لتلك الدول مسارًا موازيًا وأكثر ملاءمة لعملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة لتحديد التسوية السياسية لسورية. مع استعادة النظام السوري السيطرة على مساحات كبيرة من الحدود السورية العراقية والسورية الأردنية، سهلت عملية آستانا إنشاء وترسيم أربع “مناطق خفض تصعيد” في جميع أنحاء سورية.

دير الزور وجنوب سورية: تشابكات إقليمية

بعد حلب، ركّز تحالف الحكومة السورية على استعادة الأراضي من (داعش) في وسط سورية حول دمشق، وشرق سورية على الحدود مع العراق. وركز التنسيق الروسي والإيراني بخصوص حملة دير الزور على هجوم ثلاثي المحاور على مناطق ذات أهمية استراتيجية في الشرق، من ضمن ذلك طريق بغداد -دمشق السريع، وحقول النفط الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. أدارت غرفة عمليات مشتركة للحملة، أنشأها الجنرال سليماني تقودها إيران وحزب الله والجيش السوري، جزءًا من العملية في دير الزور بدعم من القوات المسلحة الروسية والسورية. في أوائل أيلول/ سبتمبر 2017، اخترقت القوات السورية حصار دير الزور الذي كان يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لأكثر من ثلاثة أعوام. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، استعادت القوات البرية البوكمال على الحدود السورية العراقية، بعد أن سيطرت قوات “الحشد الشعبي” على بلدة القائم الحدودية العراقية. سمحت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الجزء الشرقي من دير الزور وفي أجزاء من البادية والأراضي المحيطة بحمص، للحرس الثوري الإيراني، بتأكيد وجوده داخل سورية، في الوقت الذي أسهمت فيه المجموعات العراقية على الحدود مع سورية، مثل كتائب حزب الله، وكتائب بدر من الحشد الشعبي، وحركة حزب الله النجباء، في تعزيز النفوذ الإيراني على طول الحدود السورية العراقية.

ابتداءً من عام 2018، قادت إيران مبادرة تعزيز مكانة مركز بغداد للمعلومات في العمليات المشتركة على الحدود السورية العراقية. تزامنت زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير خاتمي إلى بغداد، في نيسان/ أبريل 2018، مع الضربات الجوية العراقية في دير الزور، التي أُعلنت خلال اجتماع في المركز مع ممثلين عراقيين، وسوريين، وروس، وإيرانيين. على الرغم من تكثيف الضربات على ميليشياتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، استمرت إيران في العمل بالقرب من القوات الأميركية على الحدود السورية العراقية. في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أجرت القوات العسكرية لإيران وسورية وروسيا تدريبات مشتركة في محافظة دير الزور على طول الضفة الغربية لنهر الفرات. حدث ذلك بعد شهر واحد فقط من إلقاء روسيا باللوم على إسرائيل في العبث بأنظمة الدفاع الصاروخي السورية، مما أدى إلى إسقاط طائرة روسية من طراز (I1-20M) من قبل القوات السورية فوق اللاذقية. مع تجدد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نهاية عام 2020، شهدت مدينة البوكمال الحدودية في دير الزور انتشارًا عسكريًا روسيًا، وهو الأول من نوعه منذ أن تم الاستيلاء على المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نهاية عام 2017.

أثار زيادة الوجود الروسي في دير الزور خلافات تكتيكية بين القوات البرية الروسية والقوات البرية المدعومة من إيران. خلال الحملة ضد الخلايا النائمة لـ(داعش)، قدّمت الميليشيات المدعومة من إيران دعمًا عسكريًا مباشرًا للفيلق الخامس السوري. ومع ذلك، كانت الرغبات الإيرانية في تولي قيادة العمليات العسكرية مصدر توتر حتى ربيع 2021، عندما بدا أنه يتم تناول هذا الأمر على المستوى الوزاري. في الوقت نفسه، قدّمت الميليشيات المدعومة من إيران، التي تسيطر على البوكمال، دعمًا مساعدًا للشرطة العسكرية الروسية في إنشاء نقاط تفتيش عدة في المدينة، بينما استولى الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، المنتشر بالقرب من البوكمال، على مواقع كانت تشغلها سابقًا قوات النجباء وقوات حزب الله العراقي المدعومة من إيران. سعى الحرس الثوري الإيراني، من خلال ربط مجموعاته بجماعات موالية لروسيا، إلى منع الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية على الميليشيات المدعومة من إيران والعاملة في سورية والعراق. وعلى الرغم من ذلك، فشل الانتشار الروسي في دير الزور في إحباط الضربات الجوية الأميركية على القوات الإيرانية في شباط/ فبراير 2021.

مثل دير الزور، أصبح جنوب سورية متورطًا في الصراع الإقليمي الأوسع بين الولايات المتحدة، وروسيا، وإسرائيل، وإيران. في ربيع وصيف 2018، أشار هجوم النظام السوري في درعا إلى انهيار منطقة خفض التصعيد التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا والأردن في جنوب سورية. شنت روسيا أولى غاراتها الجوية في المنطقة منذ أكثر من عام، حيث استولى الجيش السوري والقوات البرية الإيرانية، مثل الحرس الثوري الإيراني، وفاطميون الأفغانية، ولواء الإمام الحسين، وحزب الله اللبناني، على بصر الحرير ومليحة العطش، وقسموا المناطق الباقية التي يسيطر عليها المتمردون في محافظة درعا. جاء نجاح النظام في درعا خلال فترة تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية في استهداف المنشآت العسكرية الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في جنوب سورية.

كجزء من توازنها الأوسع بين إسرائيل وإيران، انخرطت موسكو في الدبلوماسية مع تل أبيب، وتوصلت إلى اتفاق للحد من القوات العميلة لإيران على بعد 83 كيلومترًا على الأقل من الحدود الإسرائيلية، ونشر الشرطة العسكرية الروسية في مرتفعات الجولان. لكن الضغط الإسرائيلي على روسيا لكبح انتشار القوات الإيرانية في المنطقة أظهر أيضًا محدودية قدرة موسكو على ممارسة نفوذها على الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة. سعت روسيا للحد من وجود الجماعات الموالية لإيران على الحدود مع إسرائيل، من خلال دمج أجزاء من المعارضة السابقة في الفيلق الخامس، لكن المنافسة مع حزب الله والجماعات المدعومة من إيران مستمرة في درعا والقنيطرة. على الرغم من الضغط الإسرائيلي والأميركي على روسيا للحد من نفوذ إيران في سورية، فمن غير المرجح أن تتمكن روسيا من السيطرة على الموقف العسكري الإيراني في سورية أو وقف الإمدادات إلى حزب الله والجماعات الأخرى الموالية لإيران في المنطقة.

ما بعد من ساحة المعركة: مستقبل سورية

أجبرت الحملة العسكرية للحفاظ على نظام الأسد في سورية روسيا وإيران على التكيف مع تحديات التعاون العسكري المشترك في ساحة المعركة، من خلال إنشاء قنوات بيروقراطية وهياكل قيادية. وتشير تجربة التنسيق الأوثق في سورية والتحسن العام في العلاقات الروسية الإيرانية على مدى العقد الماضي إلى أن موسكو وطهران ستكونان مجهزتين بشكل أفضل لإدارة الصعوبات التي تواجه مستقبل سورية. ومن ثم، فإن الخلافات حول الانتقال من الحملة العسكرية إلى إعادة البناء السياسي والاقتصادي في سورية لا تنبئ بانهيار العلاقات الروسية مع إيران.

وعلى الرغم من ذلك، تتنافس روسيا وإيران على عقود في قطاعات الطاقة والفوسفات والزراعة والعقارات في سورية، وقد تفاقم هذا التنافس نتيجة غياب إطار أو آلية شاملة لتنسيق الاستثمار بين موسكو وطهران. وفي بعض الأحيان، ضمنت روسيا عقودًا في قطاعات الفوسفات والنفط والغاز على حساب المصالح التجارية الإيرانية.

على الرغم من مجالات الاحتكاك المحتملة بخصوص إعادة الإعمار الاقتصادي، تعاونت روسيا وإيران في التهرب من العقوبات. على سبيل المثال، تسلّم روسيا وإيران النفط إلى الحكومة السورية من خلال استخدام (برومسيريومبورت)، وهي شركة تابعة لوزارة الطاقة الروسية كانت تستخدم في البداية للتهرب من العقوبات بموجب خطة موسكو “النفط مقابل السلع” مع إيران، قبل خطة العمل الشاملة المشتركة. قد يستمر التهرب من العقوبات كمجال من مجالات التعاون بين روسيا وإيران في سورية، مع استمرار العقوبات المفروضة على موسكو وطهران ودمشق، التي تكثفت بموجب قانون قيصر.

نجحت روسيا وإيران في حل الخلافات التكتيكية بين القوات المحلية بالوكالة في الحملة العسكرية، من خلال القنوات البيروقراطية والعسكرية، ومن المرجح أن تحدد موسكو وطهران مجالات المصالح داخل سورية، في حين يسعى كل منهما إلى جني الفوائد السياسية والاقتصادية المترتبة على الارتباط الوثيق بدمشق. وتدل علاقة روسيا بإيران على قدرة موسكو على تجزئة سياستها الخارجية من خلال التركيز على مجالات التعاون لتخفيف حدة التوترات في مجالات أخرى من العلاقة. يتجلى هذا المنطق في سورية. وبالتالي، فمن الخطأ المبالغة في تقدير الخلافات بين روسيا وإيران في سورية، باعتبارها مؤشرات على تدهور الشراكة. وعلى الرغم من انعدام الثقة منذ أمد بعيد وضعف الروابط الاقتصادية، عززت موسكو وطهران روابطهما وأضفتا عليها الطابع المؤسسي نتيجة لتجربة التعاون العسكري في سورية.

(*) – الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز

اسم التقرير الأصلي The Evolution of Russian and Iranian Cooperation in Syria
الكاتب نيكول غراجويسكي، Nicole Grajewski
مكان النشر وتاريخه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، CSIS
رابط التقرير https://bit.ly/3lMm567
عدد الكلمات 3070
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

مايو 2024
س د ن ث أرب خ ج
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist