الزلازل والبراكين ظاهرة طبيعية تحدث كلما بدا هنالك تغيير في قشرة الأرض، فثمة من يذهب إلى أن البشر لهم دور كبير في حدوث الزلازل من خلال العبث في باطن الأرض والتنقيب عن النفط والمعادن الثمينة، ومنهم من يقول بأن الطبيعة وظواهرها هي من يتحكم في الزلازل والبراكين. أما الجانب الديني وطغيان البشر وتجاوزهم الخطوط الحمراء فهذا حديث آخر.
ومن أجل التنبيه والتخويف والعطف والتأديب، فالله تعالى يرسل هذه الآيات الكبيرة من أجل تخويف الناس وردع العصاة وإقلاع الظالمين والطغاة عن ظلمهم وطغيانهم، ولهذا قال تعالى “وما نرسل بالآيات إلا تخويفا” [الإسراء: 59].
مناظر أبكت الحجر
زلزال سوريا وتركيا الذي جعل الأرض عاليها سافلها وضع النظام العربي الرسمي على المحك، ونحن نتكلم عن نظام رسمي من المفترض أن يتبنى تداعيات وآثار هذه الكارثة البشرية دون تردد، فالمثل العربي يقول “كل شيء دَين حتى دموع العين”، ومثل آخر “كل شيء سلفه ودين”. اليوم عندي وغدا عندك ودواليك هذه هي الحياة. من هنا ينبغي أن نترك الخصومات ونجعلها وراء ظهورنا. والسؤال المطروح هو إذا لم توحدنا النكبات إذن متى يجمع شملنا؟
شاهدنا خلال هذا الأسبوع مناظر تقشر لها الأبدان، أطفال تحت الردم وشيوخ تصرخ وتستغيث، ونساء فضلن البقاء تحت الركام حتى لا يخدش حياؤهن، مناظر أبكت الحجر. إذن ماذا عن القلوب المتحجرة التي لا ترق؟ السياسة بمفهومها البسيط هي قطع الرأس دون استخدام السكين، وإذا ما ذهبنا بعيداً فهذا الوصف المتواضع يجد ضالته في بعض من يحترف السياسة. المشهد التراجيدي اليوم هو ضحايا الزلزال والبيوت التي تهدمت على رؤوس أصحابها، لقد “أسمعت لو ناديت حياً”. فالنظام السوري مشغول في تبعات الحرب في البلاد، والسوريون خلال العشر سنوات الماضية عاشوا الأمرين من تبعات تلك الحرب التي أهلكت الحرث والنسل.
وعلى ما يبدو فإن الكارثة التي ألمت بالشعب السوري حركت ضمائر الكثير، فدبت النخبة في الوسط الفني وأصحاب رؤوس الأموال والفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم، وكان الدفع باتجاه تقديم الدعم المالي لأسر الضحايا ومن تبقى منهم، فهنالك قوائم كثيرة من الأسماء أدرجت لتقديم الدعم المالي وحتى النفسي، فضحايا الزلزال بحاجة إلى أصناف كثيرة من الدعم، أهمها الدعم المالي والنفسي، فكثير من المصابين الذين بقوا على قيد الحياة بحاجة للمعالجة على وجه السرعة. إنهم بحاجة الى مصحات نفسية للتخلص من هول الصدمات.
هنا يتفق الخبراء إن من شأن الكوارث الطبيعية أن تخلق ردات فعل “متطرفة” على الصعيدين الجسدي والنفسي عند الإنسان، وهو ما يحدث بعد الزلازل والأعاصير الشديدة أو حتى البراكين وموجات التسونامي. وقد ينتج الاضطراب بسبب وجود تاريخ عائلي لأحد الأمراض النفسية مثل القلق أو الاكتئاب، كما قد ينتج الاضطراب بشكل مباشر أو بعد مرور فترة تتراوح بين أسابيع وسنوات منذ وقوع أحد المواقف المؤلمة أو الصدمات المشابهة. يقول الدكتور النفسي نادر ياغي: “في موضوع الزلازل، الصدمة جماعية، ويجب أن تتم رعاية الضحايا بشكل حساس، فالصدمة قد تتكرر لأن الزلزال قد يضرب مرة أخرى” بجانب فتح المستشفيات الميدانية لتطبيب الجرحى الذي يقدر عددهم بعشرات الآلاف.
بلا شك أن تجارب العالم السابقة وحتى اليوم لرصد الزلازل قبل حدوثها تراوح مكانها، التنبؤ بالكوارث الطبيعة يعتبر صعبا، فرغم وصول العالم لدرجة متقدمة من العلم في جميع مفاصل الحياة، لكن لا يوجد تقدم يذكر في معرفة متى يحدث البركان أو الزلزال على حد سواء، “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.
إن ما حدث في تركيا وسوريا مؤخرا وحجم الدمار الذي حدث هناك وحجم الضحايا والإصابات مرده الى عجز العلماء أمام قدرة الله عز وجل. موجز القول إن المنكوب بحاجة ليصطف الجميع حوله سواء أفراد أم جماعات ودول، لتعود الحياة له وخصوصا من فقد أسرته كاملة ولم ينجو إلا بنفسه. من هنا تبدأ فصول المأساة والمعاناة.
شعب فقد وطنه
المقارنة اليوم باتت مكشوفة بين فاجعة سوريا وحرب أوكرانيا، فنجد حجم الدعم المقدم للأوكرانيين بعد حربهم مع روسيا فالكل ولول وذهب لتقديم الدعم على مستوى الحكومات والشعوب. المفارقة العجيبة شعب أخذه جشع النظام والظواهر الطبيعية إلى ما وراء الشمس، وشعب آخر وجد نفسه مدللا رغم أنه فقد وطنه، فلم يبق للشعب السوري وطن ولا حتى ملجأ يحتمي به من ملاحقة النظام له. ثم جاءت الظواهر الطبيعية فأخذت نصيبها منه ليبقى في العراء. أناس يفرشون الأرض ويلتحفون السماء، في هذا الجو البارد القارس والثلوج والرياح العاصفة، يبدو الشعب السوري وحيداً في مواجهة نتائج الزلزال وسط كيل العالم بمكيالين ونظام سياسي متآكل.
*
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”