مثقف إسلامي ، ناشط سياسي ، فقيه قانوني ، قاض خبير ، محام مجتهد ، داعية حقوق إنسان لا يكل ولا يمل ، تلك بعض جوانب الشخصية الغنية لهيثم المالح . وهي تشير إلى رجل وطني من الطراز الرفيع ، يعرف جيداً واجباته نحو وطنه وشعبه ، ويتحسس مسؤولياته كمواطن جاد ومسؤول في الانخراط مع مجتمعه في معالجة القضايا والمشاكل التي يواجهها . قد يختلف الناس حول هذه الشخصية ومعها ، غير أنهم لا يستطيعون الفكاك من واجب احترامها وأحقيته . فليس في بلادنا نبع لرجال مثل هيثم المالح .
ظهر الأربعاء 14 / 10 / 2009 ، اعتقلت السلطات السورية ( فرع الأمن السياسي بدمشق ) شيخ نشطاء حقوق الإنسان في سورية ، وهو بحيطان الثمانين من عمره ، تحت نفس العنوان الذي اعتقلت وتعتقل فيه سجناء الرأي الآخرين " الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان " ، دون أن تراعي أي شيء من التاريخ الناصع للرجل وخدماته في مجال القضاء والمحاماة وحقوق الإنسان . حيث أنه أحد مؤسسي جمعية حقوق الآنسان في سورية عام 2001 ، وأول رئيس لها حتى عام 2006 ، بل ربما بسبب ذلك .
ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الأستاذ المالح للاعتقال أو لصنوف الاضطهاد السياسي المتعددة ، التي تجري في البلاد بظل حالة الطوارىء والأحكام العرفية . فقد سرح من القضاء تعسفياً عام 1966 ولأسباب سياسية ، تتعلق بآرائه وأفكاره ومعتقداته . وأودع السجن بين عامي 1980 – 1986 ، حيث اعتقل في إطار الحملة التي شنها النظام على النقابات المهنية ، وفي القلب منها نقابة المحامين ، وطالت باقة من خيرة المحامين بسبب تمسكهم بالحريات الديمقراطية ودفاعهم عن حقوق زملائهم في المهنة وشعبهم في الوطن . ومنذ عام 2000 حيث تجدد الحراك الديمقراطي للشعب السوري ، كثرت استدعاءات فروع الأمن له ، ومنع من مغادرة البلاد عدة مرات ، وتعرض لمحاكمات ومساءلات متنوعة . باختصار ، كانت العين " الأمنية " باستمرار على هيثم المالح ، لأنه بقي على الدوام شوكة في مواجهة الاستبداد .
فالمنتديات والمظاهرات والاعتصامات والمحاكمات السياسية وأشكال التضامن الأخرى مع المعتقلين تعرفه جيداً ، وتتذكر مساهماته الغنية وتضحياته الجمة في سبيل العمل الوطني العام والمعارض على وجه الخصوص . حيث وضع مكتبه وإمكانياته تحت تصرف المعارضة الديمقراطية وبخدمتها . وخلال السنوات العشرة الماضية ، قلما تجد بياناً أو عريضة أو مطالبة أو وثيقة احتجاجية في إطار الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان غير ممهورة بإسهاماته ومذيلة بتوقيعه . وكان في عداد الشخصيات الوطنية البارزة التي شاركت بتأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وإطلاقه في 16 تشريين الأول 2005 .
هيثم المالح أيها الدمشقي العتيق ، بكل ماتعنيه دمشق من حمولة ثقافية حضارية رفيعة وتاريخية وطنية جامعة من أجل قضايا الوطن والأمة . . سلاماً .
أيها الحورة الشامية التي لا تنحني ولا تطأطىء رأسها ، لتبقى على الدوام ركيزة لدعائم البيت ومسنداً لجسر العبور . . تحية لعنائك وصبرك .
أيها المرتوي من ماء بردى حتى العشق والصلابة ، اطمئن . . لن يجف النبع ولن يتوقف نهر الحرية .
17 / 10 / 2009
هيئة التحرير