كلا الأمرين شرّ، والخوف الذي سجن العقول والحواس هو “ألم ناتج عن توقع الشر”، حَسَبَ أرسطو.
المثقفون السوريون (مجموعة من الناشطين والناشطات ومنظمات المجتمع المدني، حَسَبَ البيان الرسمي)، الذين وقفوا قبل أيام في ساحة المرجة دعماً للضحايا في الساحل، قرروا أن يعلنوا تفاصيل خوفهم! طالبوا بألّا يُعاد الماضي القريب، وأن تقوم دولة الجميع بحماية جزء من الشعب. لكن هذا لم يكن كافياً ليفهم الآخرون، من الناشطين الذين جاؤوا ليحتجوا على الاحتجاج، المعاني التي حملتها اللافتات. فحصل شجار بين أصحاب الشعارات، وبين من يعتقدون أن الكلمات المكتوبة تتهم الدولة التي لم يروا منها ما يعيبها! أدى ذلك إلى تدافع بين المشاركين، وهروب كثير منهم، بينما وقع اشتباك بالأيدي ومطاردات، لم يوقفها سوى قيام أفراد من الأمن العام بإطلاق النار في الهواء، ما أدى إلى ارتداع المهاجمين!
المثقفون، والناشطون الآخرون، كلاهما يشعر بالخوف، ويتألم مما لا يمكن توقع إن كان قد حصل فعلاً أم لا. إنه الشعور بأن ثمة من يريد الاستيلاء على الحلم الذي أنفقت الجموع عمراً بأكمله لتحقيقه، أو التعريض به.
هل من سبيل للخروج من هذه الدوامة؟! هل يستطيع السوريون مغادرة ضفة الخوف نحو الاطمئنان بأن الماضي المزري لن يعود؟
ما زالت البلاد كلها تتهيأ لتمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم، والوصول إلى عتبة المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات. وهذا كله لن يكون قابلاً للتنفيذ طالما أن الأخطار الخارجية، كاجتياحات إسرائيل والتهديدات الإيرانية، تتساوى مع الداخلية، حيث كان الوضع قبل توقيع الاتفاقيات بين الدولة و”قسد” ووجهاء السويداء، وقبل دحر الفلول في الساحل، أقرب ما يكون إلى انفجار تتشظى بسببه البلاد إلى قطع عديدة من الصعب إعادة لصق بعضها ببعض!
يريد جزء من الخائفين على مستوى الشعب، من المثقفين والسياسيين والناشطين على حد سواء، تأجيل فعالياتهم، خشية أن يتسببوا في انقسامات جديدة. بينما يرى التيار المدني الديموقراطي في عموم البلاد أن من الواجب المشاركة في صقل العَلاقة بين الدولة والمجتمع، عبر جعل النشاط المستقل عنها أمراً طبيعياً لا يمكن قمعه أو الحجر عليه تحت أي ظرف. وهنا، يمكن التعويل على الخطوات التي أُعلنت رسمياً، وبدت كاستجابة مباشرة للمطالب الملحّة. ولعل التأسيس في الإعلان الدستوري، والإشارة إلى حقوق الناس في التعبير عن أنفسهم وأوضاعهم ومطالبهم، يخفف من أثر شعور الأفراد بأنهم مهددون دائماً بخسارة الانتصار الثوري على نظام البراميل الاستبدادي.
يتعلم السوريون من تجاربهم كما يقال؟ وكما تفرحهم النجاحات، تحزنهم الانتكاسات، لكنهم يسارعون إلى قلب الصفحة، عسى أن تكون أيامهم المقبلة أفضل مما مضى.