الأسد صديق للعالم العربي من جديد

أنكال فوهرا/ ترجمة أحمد عيشة

التصويت في سورية ليس سرّيًا ولا مُصانًا. في 26 أيار/ مايو الماضي، أجرى النظام وجوقته انتخابات، ولم يكن هناك أدنى شك في عودة الأسد إلى الكرسيّ؛ فالأسد سيفوز بفترة رئاسية رابعة، ولذلك لم تكن النتيجة موضع تفكير واهتمام من أحد في البلد.

محمد من حيّ الميدان بدمشق قال عن تلك الانتخابات “إنها مهزلة”. وأحمد، وهو محامٍ سوريّ فرّ من دير الزور إلى السويد، وصفها بأنها “انتخابات مزيّفة”، بعيدة عن الشرعية في غياب المراقبين الدوليين. أما يارا، وهي سيدة سورية علويّة سعت إلى اللجوء في إيطاليا، فقد وصفتها بأنها “مسرح دمى”، والأسد يتحكم في كل الخيوط. هؤلاء الثلاثة طلبوا أن يُذكر حديثهم تحت أسماء مستعارة، خوفًا من انتقام النظام ومن الذراع الطويلة لأجهزته الأمنية.

طوال الأعوام العشرة، استخدم الأسد القوة الغاشمة لإخماد انتفاضة بدأت بالدعوات إلى الحرية والديمقراطية. إن أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام مشغولون الآن بكيفية شراء الخبز، وإطعام أسرهم، والنجاة من الانهيار الاقتصادي الذي تفاقم على مدى العام الماضي. وهؤلاء الذين فرّوا منذ ذلك الحين من سورية يسارعون للاندماج في البلدان المضيفة، للحد من فرص ترحيلهم. لقد تخلى السوريون في كل مكان عن الأمل في أن الديمقراطية تشكّل احتمالًا ممكنًا ضمن المدى قصير الأمد لبلادهم، أو أنهم سوف يتخلصون قريبًا من رئيس أثبت استعداده لتحويل جزء كبير من بلاده إلى أنقاض مقابل مجرد البقاء في السلطة.

وفي الوقت نفسه، كان الأسد يبتسم وهو يدلي بصوته في دُوما، بالقرب من دمشق. وبالرغم من غياب أي توقعات وآمال لدى السوريين بإجراء الانتخابات، فقد استخدم الأسد في الحملة الانتخابية شعار “الأمل بالعمل”، للإشارة إلى تحوّل نظامه في التركيز من الحرب إلى إعادة الإعمار. ومن خلال إجراء الانتخابات، حاول أن يظهر للعالم أن المؤسسات السورية تعمل بشكل جيد، وأن البلد الذي يستطيع إجراء انتخابات آمنة هو أيضًا مكانٌ آمن للاجئين ليعودوا إليه.

إنها بطبيعة الحال تمثيلية، ومع ذلك يبدو أن البلدان العربية متعاطفة معها، وخاصة في الخليج. بل إن أصدقاء سورية العرب بدؤوا الآن، بعدما عززت الانتخابات قبضة الأسد على السلطة، في الضغط في الولايات المتحدة من أجل تخفيف العقوبات التي تفرضها على نظامه. إن عزلة الأسد تنتهي بالفعل في العالم العربي؛ والسؤال الحاضر: هل ستسير أماكن أخرى على خطى ذلك التقارب؟

إلى أعوام قليلة مضت، كان الأسد لا يزال شخصية غير مرغوبة (persona non grata) في العالم العربي. الآن يُعاد تأهيله بالكامل تقريبًا. ويبدو أن عودة النظام، كعضو يتمتع بمكانة جيّدة في جامعة الدول العربية التي علّقت عضوية سورية في عام 2011، هي مسألة وقت، وكان لبنان والعراق والجزائر والسودان دائمًا من الأنظمة المؤيدة لعودتها، وسعوا إلى إلغاء الحظر المفروض. ولكن خصوم سورية السابقين، الذين تجمعوا في وقت ما ضد الأسد، أصبحوا الآن يعاملونه أيضًا كحليف ضد طموحات الدول غير العربية في المنطقة: تركيا وإيران.

وقد توطّدت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة ومصر وسورية؛ فالإمارات العربية المتحدة فتحت أبواب سفارتها في دمشق العام الماضي. وكانت تقدّم الملاذ للنُخب السورية، ومنهم رجال أعمال كبار وأفراد من أسرة الأسد، حتى أثناء الحرب في سورية، كما قدّمت المساعدة للمتمردين، ولكنها ابتعدت بوضوح عن توفير الأسلحة. ومع دعم روسيا للنظام عسكريًا، وتراجع الولايات المتحدة عن المنطقة، بما يضمن بقاء الأسد، رأى الإماراتيون في النظام عنصرًا مفيدًا في تحالف معادٍ لتركيا وللإخوان المسلمين. نيكولاس هيراس، وهو محلل بارز في معهد نيولاينز، قال إن “الدول العربية التي تشعر بالقلق من أن يصبح سكانها مستائين، وأن يتحولوا إلى معارضة مسلحة ضدهم، هي الآن مهتمة بتعلّم الاستبداد من نظام الأسد.

ومن ناحية أخرى، قدّمت المملكة العربية السعودية مبادرات لإغراء الأسد بالابتعاد عن شراكته الاستراتيجية مع إيران. كما وجدت الدول العربية قضية مشتركة مع الأسد في التعامل مع الإسلاميين السياسيين المتمثلين في جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة موجودة في عموم البلدان العربية نظمت كثيرًا من المعارضة ضد النظام الحاكم، وتشكل التهديد الأكثر فتكًا لاستمرار عدد من ممالك الخليج. ويأمل أصدقاء سورية العرب أن يتضافروا، من أجل الحد من نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان مؤيدًا لجماعة الإخوان المسلمين، تاريخيًا.

ويريد السعوديون والإماراتيون أن يدفعوا ثمن إعادة إعمار سورية، وأن يسعوا إلى التعاون الاستخباراتي مع الأجهزة الأمنية السورية لاحتواء الإسلاميين السياسيين المحليين، فضلًا عن استخدام المساعدات المالية كقوة دفع لاحتواء أثر إيران في الأراضي العربية. سامي حمدي، وهو خبير استشاري في مجال المخاطر الجيوسياسية في المملكة المتحدة، قال إن الأسد يشعر بالإحباط بالفعل إزاء تقويض إرادته من قِبَل موسكو، ومن طهران. وسيفسح له مزيد من الحلفاء مجالًا للتلاعب ضد بعضهم البعض. وقال حمدي: “إن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بدأ يتبنى بشكل متزايد خطابًا قوميًا عربيًا، ويعتقد أنه قد يكون من الممكن قطع الروابط بين إيران وحلفائها العرب، من خلال مناشدته للقواسم العرقية العربية المشتركة. وقد أدى توسع تركيا أيضًا إلى تغيير أولويات دول الخليج، وجعل الأسد رصيدًا محتملًا”.

ربما كان الانفراج السياسي بين سورية ومنافسيها العرب السابقين قد بدأ منذ فترة طويلة. في عام 2017، وفي زيارة إلى سورية، أخبرني كثيرٌ من المسؤولين السوريين أن “أشقاءهم العرب” سيدفعون الملايين اللازمة لإعادة الإعمار. وقد أثارت تلك الأخبار غضبي آنذاك، حيث كانت بعض الجماعات المدعومة من السعودية لا تزال تحارب النظام في المناطق القريبة من دمشق. بعد عام، أخبرتني مصادر لبنانية مقربة من النظام السوري أن السعوديين بدؤوا التعاون الاستخباراتي مع الأسد. كان من السابق لأوانه أن نصدّقهم، والآن قد بدأ التعاون. وفي أوائل الشهر الماضي، أشار اجتماع بين رئيس مديرية الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية الفريق خالد الحميدان، ونظيره السوري اللواء علي مملوك، إلى مثل هذا التقارب. قطَر هي الدولة العربية الوحيدة التي تصمد بموقفها ضد الأسد، ولكن الخبراء يقولون إن الدوحة أيضًا تدرك أنه لا يمكن كسب الكثير بمقاومة ما لا مفرّ منه، على الرغم من أن قطر تحافظ رسميًا على عدم موافقتها.

قد ينتهي نبذ الأسد في العالم العربي، ولكن هذا لن يترجَم بالضرورة إلى تمويل لإعادة الإعمار. كان لدى السعوديين والإماراتيين نفوذ على دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، لكنهم اليوم يكافحون من أجل الحفاظ على علاقة جيدة مع خليفته جو بايدن.

جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لتحليلات دول الخليج، وهو خبيرٌ استشاري جيوسياسي في واشنطن، قال إنه لا يعتقد أن إدارة بايدن سوف تعاقب الحكومات العربية لقبولها عودة سورية مجددًا إلى الجامعة العربية. لكنه أضاف أنه لا يعتقد أيضًا أن بايدن سوف يرفع العقوبات المفروضة بموجب قانون القيصر ويسمح بالاستثمار في سورية. وقال: “نتيجة لهذه العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على دمشق، أعتقد أن إيران ستكون في وضع قوي يسمح لها باستغلال الوضع وزيادة توطيد نفوذها في سورية. هذا سبب أساسي لعدم سعادة بعض دول مجلس التعاون الخليجي باستمرار إدارة بايدن في فرض هذه العقوبات التي أقرتها إدارة ترامب على دمشق”.

يزعم عدد يتزايد من المراقبين في واشنطن أن إدارة بايدن، بما أنها حريصة على توجيه تركيزها نحو آسيا والقيام بأقل قدر ممكن من العمل في الشرق الأوسط، قررت تسليم أغلب عمليات صنع القرار إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، ما دامت قادرة على تأمين مصالحها. وأضاف حمدي: “لقد توصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى حقيقة مفادها أنه لا توجد طرق قابلة للتطبيق لإطاحة نظام الأسد، وهي الآن تستكشف جدوى خلق نموذج العراق، وإمكانية استمراريته، حيث يمنَح فيه الأكراد الحكم الذاتي، ويعملون كقوة مؤثرة لصالح الولايات المتحدة على السياسة في دمشق، بالطريقة التي تعمل بها كردستان العراق كعامل نفوذ للولايات المتحدة على بغداد”.

والواقع أن الانتخابات التي أجريت في سورية المقسَمة أظهرت أن الأسد قد يوافق على الوضع الراهن، وهو انقسام بين ثلاث جهات، إذا كان ذلك ينهي وضعه المنبوذ. وفي النهاية، وكما فضّل الغرب الاستقرار على الديمقراطية، ومنحه الأولوية في دول عربية أخرى، فإن الأسد وحلفاءه يأملون في أن تنظر الولايات المتحدة إلى الاتجاه الآخر، بينما يعيدون بناء الدولة التي مزقتها الحرب. وليس من الواضح حتى الآن موقف إدارة بايدن: هل ستنظر في نهج تدريجي لتخفيف العقوبات في مقابل الإصلاح أم لا. وفي كلتا الحالتين، فإن الدول العربية المستغرَقَة في مخاوفها الأمنية ورعاية تطلعاتها الإقليمية لديها أسبابها الخاصة لمواصلة الوقوف إلى جانب الأسد.

اسم المقال الأصلي Assad Is Friends With the Arab World Again
الكاتب أنكال فوهرا، Anchal Vohra
مكان النشر وتاريخه فورين بوليسي، FP، 1/6/2021
رابط المقال https://bit.ly/2T6tJg5
عدد الكلمات 1293
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

أبريل 2024
س د ن ث أرب خ ج
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist