بعد ضم القرم العام 2014 بدأت روسيا تتحدث عن إمكانية فسخ صفقة مبيع ألاسكا للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وإعادة شبه الجزيرة إلى حضن روسيا. وفي الأسبوع المنصرم ذكّر رئيس مجلس الدوما الروسي (البرلمان) الولايات المتحدة بصفقة ألاسكا. ونقلت عنه نوفوستي في 6 الشهر الجاري قوله بأن “النزاهة ليست ضعفاً، ولتتذكر أميركا دائماً بأن هناك جزءاً من أرضنا ــــ ألاسكا. وحين يبدأون بمحاولة التصرف بمواردنا في الخارج ، فعليهم قبل ذلك أن يفكروا بأن لدينا أيضاً ما نستعيده”.
موقع AiF الذي يصدر بطبعات منفصلة في كافة عواصم المناطق الروسية، نشر العام 2014 نصاً بعنوان “بعد القرم، هل لروسيا الحق في إستعادة ألاسكا؟”. إستعرض الموقع ما يعتبره هفوات قانونية في إتفاقية مبيع ألاسكا العام 1867 في عهد القيصر الإصلاحي ألكساندر الثاني، وقال بأن الإتفاقية لم تنشرها الخارجية الروسية حينها إلا بعد سنة وليس بالروسية، بل بالفرنسية فقط. وقال بأنه يُزعم أن لينين عرض على الولايات المتحدة تخلي روسيا عن المطالبة بألاسكا مقابل رفع الحصار عن بلاد السوفيات. كما يُزعم أيضاً أن ستالين هدد في نهاية الحرب العالمية الثانية باستعادة ألاسكا، لكنه عاد عن تهديده مقابل السماح له بالسيطرة على أوروبا الشرقية. وفي العام 1977 أصدرت الخارجية السوفياتية مذكرة تثبت حق الولايات المتحدة بملكية ألاسكا.
نقل الموقع عن بروفسور روسي في معهد التاريخ العام التابع لأكاديمية العلوم الروسية قوله بأن كل الأساطير عن الصفقة سببه النقص في المعلومات، وذلك لأن قسماً من الأرشيف فُقد، والقسم المتبقي لا يزال تحت الحظر “حتى الآن”. والصفقة عينها تمت في ظل سرية مطبقة، ولم تتلق روسيا المبلغ (7,2 مليون رولار ذهبي) إلا بعد مرور عام. ولم يطلع حينها على الصفقة في روسيا سوى الإمبراطور ألكسندر الثاني وشقيقه ووزيرا المالية والخارجية والسفير في واشنطن الذي تولى التفاوض على سائر التفاصيل، وكما يبدو، أعطى رشاوى للأميركيين الذين لم يكونوا راغبين كثيراً في عقد الصفقة. وأقدمت روسيا على الصفقة لعجزها عن الإحتفاظ بها بوجه أطماع بريطانيا والولايات المتحدة نفسها، حسب البروفسور.
إذا كانت الأمبراطورية الروسية في أوج تألقها في عهد القيصر الإصلاحي عاجزة عن الإحتفاظ بممتلكاتها في ألاسكا، فما الذي أيقظ شهية روسيا بوتين على إستعادتها الآن، وهي المحاصرة والعاجزة عن الحصول على معظم التكنولوجيات الحديثة ومتطلبات التطور الإقتصادي، بل والعديد من السلع الإستهلاكية؟
حنين روسيا بوتين إلى ألاسكا وذكرها لم يتوقف بعد ضم القرم واستفاقة النزعة الإمبراطوريةالروسية. في ربيع العام 2016 نشرت صحيفة gazeta.ru نصاً بعنوان “إعادة ألاسكا سيكون هدية لبوتين”. قالت الصحيفة أن مجموعة حقوقيين دوليين مرتبطة بالحكومة الروسية تعمل حالياً في أرشيف الكونغرس الأميركي، في محاولة للعثور على فرص للطعن في إجراءات بيع ألاسكا من قبل روسيا إلى الولايات المتحدة. وتنقل عن خبراء تأكيدهم وجود إمكانية لكسب الدعوى، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة “الجدي من إحتمال فقدان ألاسكا”.
تقول الصحيفة أن شركة المحاماة الدولية الأميركية يملكها سليل ضابط روسي من قوات البيض، وقد طلبت مجموعة ضخمة من وثائق أرشيف الكونغرس إستعداداً لإقامة معرض في السنوية 150 للصفقة العام 2017. وتنقل عن مصادر في محيط صاحب الشركة كونستانتين شوغاييف قولها بأنه لا يعمل بدوافع قانونية قومية فحسب، بل لقناعته الدائمة بأن “ألاسكا روسية، وسوف تعود إلى روسيا بعد سقوط الشيوعية”. وحسب بروفسور جامعة أميركية يحاول شوغاييف العثور في إتفاقية الصفقة على أخطاء قانونية تتيح له إثبات بطلانها.
الناطق بإسم الكرملين نفى علمه بأبحاث شوغاييف، إلا أن الصحيفة تقول بأن دفع أجور العاملين في البحث عن الوثائق وبدل أتعاب المحامين يتولاه صندوق مقرب من الكرملين. وتنقل عن مستشار سياسي روسي قوله بأن “موجة حنين غامرة نشأت بعد القرم، وهم يصدقون جدياً بأنهم سيعيدون ألاسكا وستكون هدية لبوتين”.
تؤكد الصحيفة أن معظم سكان ولاية ألاسكا هم من الأميركيين البيض الذين يعتنقون الأرثوذوكسية، ولا يخفي الكثيرون منهم تعاطفهم مع روسيا. وتنقل عن الصحافة الأميركية تأكيدها بأنه، بعد القرم، برزت مخاوف جدية في الولايات المتحدة من إمكانية إحتلال روسي “ناعم” لولاية الاسكا، على غرار ما جرى في القرم. وتنقل عن مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي حينذاك غلين سكوت قوله لقناة تلفزة أميركية بأنهم على علم في الولايات المتحدة ببدء الكرملين عملية توزيع جوازات سفر روسية على أحفاد المستوطنين الروس في ألاسكا، “وكان لابد من وقف هذه الممارسة”. وأضاف المستشار بإن إنتقال ألاسكا إلى السيادة الروسية ليس فقط خسارة إقتصادية للولايات المتحدة، بل وخسارة عسكرية إستراتيجية أيضاً. ونقلت الصحيفة عن مصدر في البنتاغون اشترط عدم ذكر إسمه قوله بأن إنتقال ألاسكا إلى السيادة الروسية سوف يكون “كارثة للأمن القومي. ألاسكا يجب الإحتفاظ بها بأي ثمن”.
قالت الصحيفة أن كثيرين من الخبراء يشككون في إمكانية أن تبلغ المحكمة الشكوى من لا عدالة صفقة مبيع ألاسكا، وأن تصدر حكماً لصالح روسيا. ونقلت عن مصدر في البيت الأبيض قوله “لن نعطي بوتين الأرض الأميركية”، وأضاف بأن الرئيس الأميركي قد يوجه خطاباً خاصاً للأمة مكرساً للحديث عن بدء حكم رئاسي مباشر في ألاسكا.
في يوم الذكرى السنوية 150 لاتفاقية مبيع ألاسكا، نشرت نوفوستي في 30 آذار/مارس 2017 نصاً نقلت فيه رأي خبراء روس في “إمكانية عودة ألاسكا إلى روسيا”، وأجمعوا على أن مثل هذه العودة ليست مرجحة من وجهة نظر القانون الدولي. وقال أحد هؤلاء الخبراء بأن لتاريخ مبيع ألاسكا أسراره، فليس من المعروف إن كان الأميركيون سددوا حينها المبلغ المتفق عليه أم لا. ومثل هذا الأسلوب في حيازة الأراضي أصبح من الماضي، ف”لا أحد الآن يتاجر بالأرض”. وتساءل “إذا بعت دراجتك الهوائية لجارك، وقرر حفيدك إستردادها بحالة جيدة بعد 100 عام، فهل هذا ممكن؟” وأجاب هو نفسه بأنه من وجهة نظر المقاربة الحضارية “هذا غير ممكن لأن (الدراجة) إنتقلت إلى ملكية خاصة لشخص آخر، ولن تحصل عليها إلا إذا قرر هو أن يبيعها لك”.
موقع niasam الذي يغطي أنباء منطقة سمارا الروسية نقل العام 2018 عن بوليتولوغ روسي رأيه بأن “روسيا بوسعها تمزيق إتفاقية مبيع ألاسكا”. ورأى أنه يجب التحدث إلى الأميركيين باللغة التي يفهمونها، والرد على تهديدات الرئيس ترامب بالخروج من إتفاقية تدمير الصواريخ متوسطة المدى يجب أن يكون بتذكيره بإمكانية خروج روسيا من إتفاقية مبيع ألاسكا.
موقع otvet الإلكتروني الروسي نشر أول نيسان/أبريل المنصرم نصاً بعنوان تساءل فيه “بعد أوكرانيا سيستعيد بوتين ألاسكا؟”. نقل الموقع عن صاندي تايمز البريطانية قولها أن فلاديمير بوتين ينوي إستعادة ألاسكا بعد أوكرانيا. وقالت الصحيفة أن المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة بسبب “العملية الخاصة” في أوكرانيا خرجت إلى مستوى الصراع المباشر. وترى الصحيفة أن بوتين يتمتع بذاكرة تاريخية جيدة، ويُنسب إليه الحنين إلى ألاسكا التي باعتها روسيا إلى أميركا في القرن التاسع عشر. قليلون هم الأميركيون الذين يذكرون صفقة العام 1867، في حين أن المتعصبين القوميين الروس لا زالوا يتذكروها ويشتكون من أنهم “تعرضوا للغش”.
“المدن”