تضاءل الاهتمام بسوريا منذ تفشي جائحة كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا، ولكن على مدار العقد الماضي ومنذ أن بدأت تلك الحرب الدموية في سوريا، امتد النزاع واتسع. وما تزال الجماعات المسلحة فيه تتسابق على المناصب، أما حصيلة الموتى الذين قتلوا بسبب الطائرات الحربية الروسية، والميليشيات الإيرانية، وقوات بشار الأسد فمستمرة في الارتفاع.
وحتى يبقى جيب الثوار في الشمال السوري في حالة تأهب، يقوم النظام السوري بقصف القرى بالمدفعية والاستعانة بالغارات الجوية الروسية، إذ أن هذا ما يحدث في أغلب الأحوال، فكثيراً ما يموت عدد كبير من المدنيين بسبب الصواريخ والقصف الذي ينزل فوق رؤوسهم وهم في الأسواق.
تكتيكات جديدة
شهد هذا الأسبوع تصعيداً للحرب التي هبطت لمستوى متدن طال المدنيين، إذ في السادس من تشرين الثاني، لم يقصف النظام مدناً كما يفعل عادة، بل استهدف مخيمات النازحين بمحافظة إدلب ويرجح البعض مشاركة سلاح الجو الروسي له في ذلك، ما تسبب بمقتل عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال عمر أصغرهم سنة واحدة.
وفي ذلك جريمة حرب واضحة، إذ لا غرض عسكريا يرجى منها، كما أن مواقع المخيمات التي تؤوي آلاف الناس المستضعفين معروفة للجميع. وقد شملت الهجمات التي استهدفت تسعة مخيمات مساحة واسعة ومن الواضح أنها جرت بعد تنسيق على مستوى عال. ثم إن مقطع الفيديو الذي يوثق بعضاً من تلك الهجمات دفع البعض للتكهن بأن النظام استخدم أسلحة محظورة بينها القنابل العنقودية.
وهذا ما يذكرنا بوحشية الحرب السورية المستمرة التي لم يقطعها شيء ولا حتى أي فترة استراحة. كما يمثل ذلك تقريعاً للدول الأوروبية التي أعلنت بأن الشمال السوري منطقة آمنة حتى تستخدم ورقة التوت هذه لتداري سوأة عمليات ترحيل السوريين التي تمارسها.
تعكس تلك الهجمة شيئاً أقبح وأوسع سبق أن رأيناه مع تكتيكات روسيا في حربها الاستعمارية بأوكرانيا، وهو عنصر سبق الإصرار السادي المغلف بإلقاء اللوم على الآخرين بالنسبة لجرائم الحرب المرتكبة.
تنبؤات روسية
قبل يوم أو أكثر على تلك الهجمة، ذكر اللواء الروسي أوليغ ييغوروف للإعلام الرسمي الروسي بأن موسكو علمت بأمر قيام إرهابيين سوريين بالتخطيط لتصوير مقطع فيديو ملفق في محافظة إدلب ليتهموا النظام السوري والقوات الروسية من خلاله بشن غارات على المدنيين.
كما ذكر الإعلام الروسي بأن المقاتلين بالإضافة إلى ما يعرف “بمنظمة الخوذ البيضاء التي تدعي أنها إنسانية.. يخططون للقيام بعمليات استفزازية في محافظة إدلب”.
تبدو تلك التقارير جزءاً من نزعة قديمة، وهي حقيقة تاريخ روسيا الطويل مع الكذب قبل ارتكابها لفظائع تعترف بقيامها قبل وقوعها، والاستراتيجية بسيطة هنا، إذ تعتمد على إنكار الجريمة وعزوها للآخرين، ثم شن عملية مرعبة في الوقت المحدد.
وبالطبع، كثيراً ما تنبأت روسيا بأمور لم تحدث، إذ خلال حربها في أوكرانيا، حذرت روسيا من قصف مصانع الطاقة الذرية، وتدمير السدود، وإغراق المدن التي تقع على مستوى منخفض، وهجمات كيماوية بالعشرات، وأكثر، بيد أن كل تلك الأمور لم تحدث.
ولكن يجب علينا أن نبقى حذرين، إذ تقول القاعدة العامة: “لا تصدق أي شيء حتى ينكره الكرملين”، لكن الحقيقة أبشع وأشرس بكثير، وذلك لأن روسيا في عهد بوتين أصبحت تهدد بكل الأمور، ولكن على الصحفي الصادق أن يتريث إلى أن تتكشف الفظائع قبل أن يتوصل إلى نتائج حقيقية، وذلك لأننا محكومون بانتظار الجريمة حتى تحدث بدلاً من أن نلعب مع النظام الروسي لعبة “ضرب المندل” العنيفة.
المصدر: The Spectator
“تلفزيون سوريا”