شعب إيران البطل يُعلّم الغرب أغنية نسيها كثيرون جدًا منهم

ترجمة: أحمد عيشة

أظهر الفريق الإيراني تضامنه مع المطالبين بالحريات التي نعدّها أمرًا بديهيًا.. يجب أن تُحْدث شجاعتهم تغييرًا فينا أيضًا.

ليس عليك أن تكون ويلزيًا أو إيرانيًا أو مهتمًا بشكل خاص بكرة القدم، كي تجدَ أسبابًا وجيهة لمشاهدة مباراة كأس العالم اليوم بين البلدين. ليس بسبب ما حدث في المباراة (هدفان إيرانيان متأخران لتحطيم قلوب الويلزيين)، بل بسبب ما سبق المباراة. في اللحظات القليلة التي سبقت انطلاق المباراة، قُدِّمت لمحة مختصرة عن انتفاضة قد تتحوّل إلى ثورةٍ لها آثار هائلة على إيران والمنطقة والعالم الأوسع، وهي أيضًا تذكّر البعض منا بما نرغب في أن نفكر فيه، في الأمور التي نعدّها في الغرب الليبرالي المستنير أمرًا بديهيًا، وربما نسيناها بالكامل.

كان التركيز بشكل خاص على غناء الأناشيد الوطنية التي تسبق المباراة. عندما لعبت إيران أمام إنجلترا، يوم الاثنين، رفض الفريق بوضوح ترديد النشيد الوطني، في بادرة تحدٍ لحكّام بلادهم وتضامنٍ مع شعبهم، الذي مضى عدة آلاف منهم خلال الشهرين الماضيين في ثورة مفتوحة، ضدّ من يرون أنه نظام ثيوقراطي فاسد قمعي، استولى على السلطة في طهران منذ ما يقرب من 43 عامًا. قبل المباراة، كان هناك كثير من الجدل حول قائد منتخب إنجلترا: هل سيضع شارة للاحتجاج على سحق قطر لحقوق مجتمع “الميم”. في النهاية، تخلّى الكابتن هاري كين عن قراره، خوفًا من بطاقة الحكم الصفراء.

مشجعو إيران في مباراة كرة القدم بين ويلز وإيران، الدوحة، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. تصوير: جوزيبي كاكاس/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

من المرجح أن يكون هناك شكل أكثر صرامة من العقوبة في انتظار العرض العلني للمعارضة الذي قدّمه اللاعبون الإيرانيون. والدليل قُدِّم يوم الخميس، عندما ألقِيَ القبض على لاعب سابق في المنتخب الإيراني كان قد تجرأ على التحدث ضد النظام بتهمة “إهانة فريق كرة القدم الوطني، والدعاية ضد الحكومة”. ومع ذلك، على الرغم من المخاطر، عقد كابتن المنتخب الإيراني مؤتمرًا صحفيًا هذا الأسبوع، أرسل فيه رسالة دعم لا لبس فيها إلى المتظاهرين في الوطن، إذ قال: “باسم إله قوس قزح”، وهي العبارة التي استخدمها طفل يبلغ من العمر تسعة أعوام قُتِل في وقت سابق من هذا الشهر.

وأخبر الكابتن عائلاتِ إيران المفجوعة (هناك ما يقدّر بنحو 400 قتيل على يد السلطات، من ضمنهم أكثر من 50 طفلًا، إلى جانب أدلة مفصّلة على الاغتصاب الوحشي وتعذيب المحتجزين): “نحن معكم، وإلى جانبكم، ونشارككم آلامكم”. وعندما عُزِف النشيد الوطني، قبل مباراة ويلز، كرّر أعضاء الفريق الإيراني الاحتجاج، متمتمين على طريقتهم من خلال الأغنية. وتحولت الكاميرا نحو المشجعين، وهم يبكون، لكن قليلًا منهم اعتقدوا أن تلك كانت دموع الفرح الرياضي.

من الواضح أن تأثير كل هذا هو الأهم في إيران نفسها. عادة ما يسأل المنفيون والمحللون الحذرون أنفسهم علانية، بعد أن شهدوا انفجارات سابقة من السخط: هل هذا هو الذي سيطيح أخيرًا الجمهورية الإسلامية نفسها؟ يشيرون إلى وجوه الاختلاف عن التمردات الماضية. كيف تنتشر الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد على نطاق أوسع وأعمق؟ كيف كان المتظاهرون صغارًا جدًا، حيث يبلغ متوسط ​​عمر المعتقلين 15 عامًا فقط؟ كيف أن مطالبهم أساسية وليست قابلة للتسوية: إنهم لا يسعون إلى إصلاح هنا أو هناك، إصلاح قد يتبناه النظام، على مضض، لا يريدون أقلّ من نهاية النظام السائد منذ أربعة عقود. مع وجود مرشد أعلى مريض، وعدم ترتيب أمور الخلافة، تبدو الجمهورية فجأة ضعيفة.

يحلم البعض بانتقال سلمي إلى ديمقراطية علمانية. ويُحذّر آخرون من أن إيران يمكن أن تنزلق بسهولة نحو سورية ثانية. يتوقع البروفيسور علي أنصاري، الذي قال لي، عن الخطوة التالية للسلطات إذا شعرت بأن السلطة تتلاشى من قبضتها: “ما سيفعلونه هو إطلاق النار على مزيد من الناس”، غير أن الناس، هذه المرة، قد يردّون بإطلاق النار. إذا وصلت الأسلحة من كردستان الإيرانية وبلوشستان، فإن الحرب الأهلية هي احتمال حقيقي.

من المؤكد أن أيّ تغيير في طهران سيرسل موجات ارتدادية عبر المنطقة، لأن إيران لاعب أساسي وفتّاك في الحروب في سورية واليمن. طوال أعوام، كانت طهران هي التهديد الذي تجمعت ضده دول الخليج (وإسرائيل). إيران تهمّ العالم الأوسع أيضًا: لا تنظر أبعد من الطائرات الإيرانية من دون طيار القاتلة التي نشرتها موسكو حليفة طهران ضد أوكرانيا. ولا تنس الجهد المستمر، أولًا من قبل باراك أوباما، الرئيس الأميركي ثم جو بايدن، لتأمين صفقة قد تحدّ من طموحات إيران النووية.

ومع ذلك، حتى لو كان مقدّرًا لـلسياسات الإقليمية والدولية أن تكون عاجزة، فلا يزال علينا الانتباه إلى الصرخة التي أثيرت في شوارع إيران. تمامًا كما ذَكّر غزو أوكرانيا الغربَ بأن منهجه -على الرغم من كل عيوبه وإخفاقاته الموثقة جيدًا- هو أفضلُ من البديل: الاستبداد والعُدوان الذي جسّده فلاديمير بوتين. لذا فإن الشعب الإيراني يهزُّ ذاكرتنا حول الأساسيات.

لنتذكر الحادثة التي أطلقت هذه الاحتجاجات. بدأ الأمر بشابّة تُدعى مهسا أميني، أوقفتها “شرطة الأخلاق” الإيرانية، بسبب ظهور بعض خصلات الشعر المنفردة من تحت حجابها، واعتقلتها وتعرضت للضرب حتى الموت.

ولكي نكون واضحين، إن الأمر لا يتعلق بمسألة الحجاب أهو صواب أم لا. إنه أبسط بكثير من ذلك. يتعلق الأمر بالحق في الاختيار، وحق الإنسان في تقرير ما يفعله بجسده. ولهذا السبب تنضمّ حتى النساء المحجبات إلى هذه الاحتجاجات، حيث إن المبدأ واضح جدًا: الوقوف ضدّ إلزام آيات الله في طهران النساءَ بارتداء الحجاب، وبالدرجة نفسها، ضدّ مطالبة الحكومة الفرنسية للنساء بعدم ارتداء الحجاب. إنه أمر يتعلق بحق الإنسان في الاستقلال، وبحريّة الفرد.

تقول الكاتبة الإيرانية مريم نمازي: “هذه معركة من أجل القيم العالمية”. إنها على حق. هذه معركة أساسية للغاية من أجل الحريات، ومعركة مفصلية وضرورية في عصر التنوير، لدرجة أن كثيرًا من الغربيين يعدّون هذه الحقوق بالكامل الآن أمرًا بديهيًا. لكنها بالنسبة إلى الإيرانيين في عام 2022، حقوق جديدة وغالية، كما أنها بعيدة المنال.

لهذا السبب، من المؤثر جدًّا رؤية اللافتات التي تحمل شعار هذه الثورة: المرأة، الحياة، الحرية. أو أن نسمع عن صحفيات هن الآن خلف القضبان، بسبب تغطيتهن أخبار وفاة “أميني”. أو للاستماع إلى النساء اللواتي سئمن من المحاكم التي تعدّ أن شهادتهن تساوي نصف شهادة الرجل بالضبط، أو لقراءة براعة المتظاهرين في تغطية عدسات الكاميرات الأمنية بالفوط الصحية، مع العلم أن معذبيهم لن يجرؤوا على لمسها بالكاد لإزالتها، أو لرؤية الحشود تغني النشيد المرتجَل لحركتهم.

في الوقت الذي يمكن أن يسود في الغرب ارتباكٌ كبيرٌ حول ماهية النسوية أو ما يجب أن تكون عليه، وعندما يكون هناك غالبًا قلق شديد أو حساسية بخصوص تطبيق الحقوق العالمية -المولودة من رغبة مفهومة في أن تبدو محترمة للثقافات المختلفة، حتى عندما لا يظهر سادة تلك الثقافات أي احترام، (على الأقل) لنصف الجنس البشري- من المهم والمفيد أن نتذكّر مرة أخرى الأساسيات.

يُظهر شعب إيران للعالم أن الناس في كل مكان يتوقون إلى أن يحكمهم أولئك الذين يمكنهم اختيارهم كما يمكنهم تغييرهم، بدلًا من رجال دين مفترضين يطالبون بسلطة فريدة لتفسير النصوص المقدسة. يتوق الناس في كل مكان للتحدث أو الغناء عن المشاعر الموجودة في قلوبهم، كما يتوقون إلى أن يكونوا أحرارًا.

*- الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز.

اسم المقالة الأصلي The heroic people of Iran are teaching the west a song too many of us have forgotten
الكاتب جوناثان فريدلاند، Jonathan Freedland
مكان النشر وتاريخه الغارديان، The Guardian، 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022
الرابط https://bit.ly/3Fe6YLi
عدد الكلمات 1291
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

أبريل 2024
س د ن ث أرب خ ج
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist