بيروت – أنطاكيا – «القدس العربي»: تظاهر المئات أمس الثلاثاء في محافظة السويداء السورية استكمالاً لحراك مستمر منذ نحو أسبوعين احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتطور للمطالبة بـ”إسقاط النظام”، وفق ما أفاد ناشطون. وزادت المطالب في محافظة السويداء بفتح معبر حدودي يصل المحافظة الجنوبية السورية التي تشهد احتجاجات مستمرة ضد النظام السوري، لتأمين احتياجات السكان وإنعاش الحركة التجارية.
وحسب مصادر محلية طلب شيخ عقل الدروز يوسف جربوع، من النظام السوري التراجع عن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي أقرتها حكومة النظام وتحديداً رفع أسعار المشتقات النفطية وتقليص حجم الدعم الحكومي للسلع والأسر الفقيرة، وكذلك بفتح معبر مع الأردن.
وأعقبت الاحتجاجات قرار السلطات في منتصف الشهر الحالي رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بعد أكثر من 12 عاماً من نزاع مدمر. وقد انطلقت الاحتجاجات في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين لكن زخمها تواصل في السويداء، ذات الغالبية الدرزية، والتي تشهد منذ سنوات تحركات متقطعة احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية. وقال متظاهر، طلب عدم الكشف عن اسمه، لوكالة “فرانس برس” عبر الهاتف إن “قلّة لا تزال تركز على المطالب الاقتصادية (…) فكثر فهموا أن لا وجود لحل اقتصادي من دون حل سياسي”. وخلال الأيام الماضية، كما أمس الثلاثاء، رفع المتظاهرون شعارات مطالبة بـ”إسقاط النظام” أعادت إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها سوريا في العام 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع دام مستمر حتى اليوم.
احتجاجات ومطالب
وشارك بضع مئات في تظاهرة أمس الثلاثاء في مدينة السويداء، مركز المحافظة، وفق ما أفاد ناشطون لفرانس برس. وأظهر شريط فيديو نشرته شبكة “السويداء 24” المحلية مواطنين يهتفون “يسقط (الرئيس السوري) بشار الأسد”. وخلال أيام الحراك، أقفل المحتجون مكاتب تابعة لحزب البعث الحاكم، وفق ناشطين في المحافظة. ولمحافظة السويداء خصوصيتها، إذ أنه طيلة سنوات النزاع، تمكّن دروز سوريا، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، الى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا اجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة. وتخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الاجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فقط، بينما غضّت دمشق النظر عنهم. وتتواجد الحكومة السورية في محافظة السويداء عبر المؤسسات الرسمية، فيما ينتشر الجيش حالياً على حواجز في محيط المحافظة. ولذلك يرى ناشطون أن النظام السوري لن يتمكن من تحريك عناصره لقمع المحتجين في السويداء. وقال ناشط في المحافظة لفرانس برس عبر الهاتف إن “خصوصية السويداء، وخصوصاً من ناحية الأقلية الدرزية وعدم وجود مراكز أمنية للنظام وعدم الالتزام بالخدمة الإلزامية، منحتها مجالاً أوسع لحرية التعبير”. وأشار إلى أن النظام بعث “وسطاء سياسيين” للبحث مع وجهاء السويداء في كيفية تهدئة الأمور. ويدعم المحتجون مجموعات مسلحة محلية، بينها مجموعة “رجال الكرامة” التي تعد الأكبر في المحافظة. وقال المتحدث باسم المجموعة أبو تيمور “نقف خلف مطالب أهلنا المحقة”، مشيراً إلى مشاركة عناصر غير مسلحة من المجموعة فيها. وأضاف “لن نسمح بأي اعتداء على التظاهرات”. وبعد أكثر من 12 عاماً من نزاع دام، تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة، فاقمها زلزال مدمّر في شباط/فبراير والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية، خسرت معها العملة المحلية أكثر من 99 في المئة من قيمتها. ولطالما اعتبرت دمشق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها سبباً أساسياً للتدهور المستمر في اقتصادها. وقد أودى النزاع بأكثر من نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
ويقول سكان من السويداء إن عدم افتتاح معبر مع الأردن، يأتي ضمن خطة معاقبة المحافظة من جانب النظام السوري، حيث اكتفى الأخير بفتح معبر مع الأردن عبر محافظة درعا المجاورة “نصيب/جابر”. ولم يصدر أي تعليق رسمي أردني حول هذا المطلب، رغم أن المطلب لا يعد بالأمر الجديد، حيث جرى تداول أنباء في العام 2015 عن طلب تقدم به النظام للأردن لافتتاح معبر بري من جهة السويداء، بعد خروج معبر نصيب عن سيطرة النظام في حينها.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي الأردني المختص بالشأن السوري صلاح ملكاوي لـ”القدس العربي”، إن طلب افتتاح معبر مع الأردن من جهة السويداء يتجدد كل فترة.
الموقف الرسمي
وعن موقف بلاده من هذا المطلب، يقول إن “الموقف الرسمي يرفض فتح أي معبر جديد غير نظامي تحت أي ظرف، حيث أغلقت عمان معبر جابر المقابل لمعبر نصيب من جانبها، عند سيطرة المعارضة على المنطقة، وكذلك فعلت مع معبر درعا /الجمرك القديم/، واقتصر عمل المعابر على إدخال المساعدات الإنسانية”. ويشدد ملكاوي على أن بلاده لا تتعامل إلا مع “الدولة السورية”، مؤكداً أن “الأردن لم يتلق طلباً بافتتاح معبر جديد”، علماً أن الحديث يتجدد عن افتتاح معبر جديد من جهة السويداء مع كل حراك أو حدث جديد. ويكشف في السياق ذاته، عن تعطيل من الجانب السوري لزيارة شخصية لم يسمها من السويداء للأردن. ويبدو أن تجدد الحديث عن فتح معبر جديد يصل السويداء بالأردن، يأتي ضمن الأنباء المتداولة عن “مخطط أمريكي” يهدف إلى ربط الجنوب السوري بـ”المنطقة 55″ في التنف الخاضعة لسيطرة “التحالف الدولي “بقيادة واشنطن، لتشكيل منطقة عازلة في الجنوب السوري، وهي الأنباء التي تُشكك غالبية المصادر بدقتها. وفي سياق ثان، وثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، اختفاء 3076 معتقلاً فلسطينياً في سجون النظام السوري منذ عام 2011، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن وناشطون حقوقيون وصحافيون وأطباء وممرضون وعاملون في المجال الإغاثي والإنساني. وأشارت المجموعة في تقرير تسلمته “القدس العربي” إلى وفاة 643 معتقلاً تحت التعذيب في سجون الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري”، مؤكداً أن حوالي 79 في المئة من الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا منذ عام 2011 هم من المدنيين، و21 في المئة هم من العسكريين التابعين للفصائل الفلسطينية الموالية للنظام.
ولفت التقرير إلى أن أكثر من 4214 فلسطينياً سوريا، بينهم 3271 مدنياً و950 عسكرياً لقوا مصرعهم نتيجة مشاركتهم القتال في صفوف المجموعات الفلسطينية المحسوبة على قوات النظام السوري مثل “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” و”حركة فلسطين حرة”. وأكد أن العدد الحقيقي للمعتقلين ولضحايا التعذيب أكبر مما تم توثيقه، وذلك بسبب تكتم النظام عن أسماء ومعلومات المعتقلين لديه، إضافة إلى تخوف عائلات الضحايا من الإعلان عن وفاة أبنائهم تحت التعذيب خشية الملاحقة من قبل أجهزة الأمن والمخابرات
“القدس العربي”