يُعرف بمرض “الخرف” أو “العُته” في لغتنا العربية، ويشتهر باسم “ألزهايمر” نسبة إلى العالِم الألماني (لويس ألزهايمر) الذي اكتشفه سنة 1906. وجاء ذلك الاكتشاف بعدما لاحظ تلفاً في خلايا المخ لدى أحد مرضاه، رغم أنّ المريض لم يكن متقدماً كثيراً في السن، وهذه الحالة نسميها “الخرف المبكر” الذي يجيء قبل أوانه.
ومعها، تبدأ ذاكرة المُصاب تتراجع إلى أن تتلاشى قبل الموت. فالنسيان الذي يُعد “نعمةً” كما تقول ميادة الحناوي في أشهر أغنياتها، ينقلب نقمةً يعاني فيها المريض الأمرين وانعدام الإدراك والملكات العقلية في آخر أيامه.
وفي اليوم العالمي لمرض الألزهايمر، والذي يُصادف اليوم (21 أيلول/ سبتمبر)، نرصد هذا المرض ليس كحالة صحية بل ثقافية وأدبية، باعتبار أنه كان موضوع الكثير من الكتب والروايات الشهيرة، إضافة إلى أنه أصاب عدداً من الأدباء والفنانين والمشاهير حول العالم.
في كتابه الشهير “ألزهايمر”، يقدم غازي عبد الرحمن القصيبي “أقصوصته” بإهداء “إلى أصحاب القلوب الذهبية الإخوة والأخوات أصدقاء مرضى ألزهايمر”، والذي يكتب فيه عن يوميات بطله يعقوب العريان الذي يعجز عن تذكر اسم عطر زوجته المفضل، وتبدو على ملامحه علامات الاضطراب وهو يخرج واعداً البائعة بالعودة مجدداً بعد أن يكون قد تذكر الاسم.
يبدأ بوصف معاناته مع المرض ليروي تفاصيلها إلى حبيبته التي تصغره بخمسة وعشرين عاماً، مع التركيز على الصدمة المتزامنة مع بدايات مرضه قائلاً: “بدأت أراقب نفسي، بدقة شديدة. ولم أشأ أن أزعجك قبل أن يكون هناك مبرر للإزعاج. كانت ذاكرتي، كعهدي بها، وكنت أتذكر ما أريد أن أتذكره. لم أنس، قط، عيد ميلادك. يا الله! أنت تصغرينني بربع قرن!”.
هذا المرض لم يكن حاضراً في أبحاثٍ طبية وأعمال أدبية فقط، بل إنه هاجم العديد من مشاهير الفن والسياسة والأدب، على غرار الممثل الأميركي جون ستيوارت والناشطة الأميركية في مجال حقوق الإنسان روزا باركس، والممثلة إيفلين كيز، بطلة فيلم “ذهب مع الريح”، والموسيقي مالكوم يونغ، وأسطورة كرة القدم المجرية بوشكاش.
وأمام هذا المرض، ينكفئ مرضى الألزهايمر على حيواتهم الخاصة، بعيداً من الأضواء والنجومية التي عرفوها.
لقد عانوا داء “النسيان” وضعف الذاكرة وغياب الصور والوجوه والأشياء من حولهم، فمن كان أبرزهم؟ كيف وصفوا معاناتهم اليومية مع المرض؟
يعتبر الفنان والممثل المصري العالمي عمر الشريف (2015-1932) ممن أصابهم مرض ألزهايمر، ويصف طارق وهو نجل الشريف الوحيد من زوجته الفنانة الراحلة فاتن حمامة (2015-1931) معاناة والده مع المرض في أيامه الأخيرة. وأنه لم يعد يعرف لماذا يحييه الناس، ويُخيل له أنهم معارف أو أصدقاء قدامى نسي وجوههم أو أسماءهم، وأنه كان دائم السؤال عن طليقته فاتن حمامة، ونسيانه التام لوفاتها.
وكلدلالة عن معنى الحب الحقيقي، نرى الآن الكثير من رواد السوشيل ميديا، وهم من الجيل الجديد، يتناقلون حكاية عمر الشريف الذي أصيب بألزهايمر ونسي كلّ شيء إلا اسم زوجته وحبيبته الأولى، فاتن حمامة.
أصيب الممثل العالمي بالمرض الشهير في الثالث والعشرين من أيار/ مايو 2015، وسرعان ما تدهورت حالته الصحية دون أن يكون مُدركاً لوضعه الصحي، كما أنه لا يحاول العمل على التمارين التي يلزمها بها الأطباء للتخفيف من وطأة المرض عليه. “آفة النسيان” وصلت مع النجم الكبير بعد ذلك إلى كونه، رغم إدراكه أنه مثّل دور “دكتور جيفاغو” والذي فاز عنه بجائزة الـ(غولدن غلوب) لفئة أفضل ممثل لفيلم دراما سنة 1966، إلا أنه يخطئ دائماً ويقول عن اسم الفيلم “لورانس العرب”، الذي رُشح عنه لـ(جائزة الأوسكار) لفئة أفضل ممثل مساعد سنة 1962. ليسقط ضحية المرض وتتوفاه المنية في العاشر من حزيران/يوليو 2015.
“هل كان سيتنحى؟”
من أشهر السياسيين الذي أصابهم مرض ألزهايمر الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان ( 2004-1911)، الذي شغل منصب الرئاسية بين عامي (1989-1981) حيث يصف يومياته مع المرض قائلاً: “هذا مرض جميل! تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوهاً جديدة كل يوم”.
بالنسبة إلى ريغان الذي عاش حياة سياسية صاخبة تمكن خلال فترة حكمه من “إنهاء الاتحاد السوفياتي”، إلا أن أنه لم يصمد أمام مرض ألزهايمر الذي أعلن عن إصابته به في رسالة موجهة للأميركيين عام 1994. قائلاً:” أبدأ الآن الرحلة التي ستقودني إلى غروب الشمس من حياتي”.
لكن المفاجأة الكبيرة أعلنها نجل ريغان، رون جونيور، في كانون الثاني/ يناير خلال مقابلة مع تلفزيون ( يو بي أي) الأميركي، كاشفاً عن إصابة والده بألزهايمر خلال فترة رئاسته على عكس ما أشاعه أطباء ريغان عن أن الأمر حدث بعد تركه للبيت الأبيض.
وهو يؤكد رؤيته لعلامات المرض خلال الحملة الانتخابية الثانية 1984، مجيباً عن سؤال لمذيع المحطة فيما لو كان قد أًعلن عن إصابة والده بالمرض سنة 1987، فهل كان سيتنحى؟ قائلاً: “أعتقد أنه كان سيفعل ذلك”.
يبدو أن مرض الرئيس كاد أن يتحول إلى “مادة كوميدية”، حيث كان سيناريو الرئيس ريغان مطروحاً على طاولة ويل فيريل الممثل الشهير بأدائه لشخصية الرئيس جورج دبليو بوش. لكنه امتنع عن ذلك وفقاً لما أعلنته مجلة “فاريتي” الفنية في نيسان/أبريل 2016، بعد اعتراضات من أسرة الرئيس الراحل.