بعض القمم العربية كانت خالية من الأحداث، والقليل منها ترك بصمته. ويمكن أن ينتهي المطاف بالقمة العربية الثالثة والثلاثين في البحرين بأن تكون قمة روتينية أو واحدة ستدفع العالم العربي إلى لعب دور رئيس في تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، ليس هذا وحسب، لكن في تأمين دور فعال للمساعدة على تشكيل النظام الدولي المكتشف أيضا. ولتحقيق ذلك، فهي تحتاج إلى إطلاق عملية يجب أن تؤدي إلى صياغة رؤية عربية مشتركة للمستقبل.
ولكن لماذا قمة المنامة تحديدا؟ يكمن الجواب في أنها تعقد في وقت حرج على الصعيدين الإقليمي والدولي.
كما أنها تنعقد مباشرة بعد القمة العربية الثانية والثلاثين التي عقدت في جدة بالمملكة العربية السعودية العام الماضي والتي أكدت نهاية المشاكل العربية الداخلية الأكثر أهمية، وبالتالي فتحت الباب أمام صياغة تسوية تشتد الحاجة إليها لمواقف وتحركات عربية مشتركة أكثر قوة ونأمل أن تكون أكثر واقعية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
لكن الأهم من ذلك أنها تنعقد في ظل الأزمة التي يعيشها قطاع غزة، بتداعياتها الإقليمية والدولية الواضحة.
لكن لكي نقدر أهمية قمة المنامة تقديرا شاملا، يتعين علينا أن نعترف بأن الدول العربية تواجه عددا غير مسبوق من التحديات الأمنية، على مستويات متباينة ومن شتى الاتجاهات.
بعضها منهجي ويرتبط بنظام دولي: نظام في حالة من الفوضى، والعلاقة غير المستقرة بين القوى العالمية الكبرى- الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي- وجنوب عالمي يتخبط في خضم عملية إعادة تنظيم محاولا العثور على اتجاهاته في بيئة مضطربة. وفي هذا السياق هناك استقطاب سياسي داخل معظم دول الغرب، ولاسيما في الولايات المتحدة، ما يجعل العديد من سياساتها غير متماسكة وغير متسقة؛ إلى جانب تضاؤل اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط؛ وانشغال روسيا بأوكرانيا؛ والصين الصاعدة، والاتحاد الأوروبي الذي يركز على إحياء نفسه.
تتنافس قوى وتجمعات متعددة للتأثير على المسار المستقبلي للنظام الدولي
كما تنبثق تحديات أخرى من قلب منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتتعلق بشكل رئيس بإدارة العلاقات بين إيران وإسرائيل، وتركيا وإثيوبيا.
إلا أن التحدي الأكثر أهمية يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي أكدت قمة جدة من جديد أنها محورية بالنسبة للدول العربية، و”… أنها واحدة من العوامل الرئيسة لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
إضافة إلى التحديات الخارجية، لا ينبغي الاستهانة بالتحديات الداخلية التي تواجهها الدول العربية، والتي ينبع معظمها من التحولات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية التي تعيشها، وعلى الأخص في العقد الماضي.
وفي الوقت نفسه، تتنافس قوى وتجمعات متعددة للتأثير على المسار المستقبلي للنظام الدولي. ولا يمكن للدول العربية، ولا ينبغي لها، أن تكتفي بممارسة نفوذها من خلال المجموعات المختلفة التي حققت عضوية في بعضها، ولا سيما “مجموعة العشرين”، ومجموعة “البريكس”. إلى جانب المصالح التي تتقاسمها الدول العربية مع هذه الجماعات، فإن لديها أيضا مصالح محددة ترتبط مباشرة بمنطقة الشرق الأوسط. وينبغي تحديد هذه المصالح بوضوح والإحاطة بها ضمن رؤية عربية مشتركة للمستقبل. قد يجادل البعض بأن هذه المصالح العربية الطوباوية ليست متقاربة بالضرورة. وهذا صحيح، ولكن هذه المصالح ليست متباينة أيضا. هناك ما يكفي من العناصر التي تجعل الوصول إلى أرضية مشتركة ممكنا. وهذا يتطلب حوارا عربيا صريحا ومفتوحا بمعزل عن التأثيرات الخارجية. ويمكن لقمة المنامة أن تكون الافتتاحية.
لكن وقبل المضي في اقتراح مسار عمل محتمل، قد يكون من المفيد الانعطاف قليلا نحو التاريخ.
حرب أكتوبر 1973 كانت لها تأثيرات تجاوزت منطقة الشرق الأوسط
وفي هذا الصدد، من المفيد إجراء مقارنة بين عام 2024 والأعوام 1967 و1973 و1990 و2003، وهي جميعها نقاط تحول مهمة في العلاقات العربية الداخلية مع انعكاسات على الأمن العربي.
كانت حرب عام 1967 والغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي أعقبه غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، نقاط ضعف بالنسبة للدول العربية، وكان لها عواقب سلبية على مبدأ الأمن العربي الجماعي. أما حرب 1973 فقد كانت نجاحا للتعاون العربي- العربي، لكن من المؤسف أنه لم يستغل بشكل كامل لتعزيز المصالح الأمنية العربية من خلال إقامة سلام شامل ودائم في المنطقة. ونأمل أن تبني قمة المنامة على الدروس المستفادة من تجربة حرب 1973.
إن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 جمعت العرب معا بشكل غير مسبوق. فالخلافات التي أبقت الدول العربية متباعدة في الخمسينات والستينات تنحت جانبا وأفسحت الطريق أمام العمل الموحد. إن الأنظمة الجمهورية والملكية، والأنظمة التقدمية والرجعية، الموالية للسوفيات والمؤيدة لأميركا، على الأقل في لحظة تاريخية عابرة، أجبرت المجتمع الدولي على الاهتمام بواحدة من المظالم العربية الأساسية: الحاجة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في مصر وسوريا، وقبل كل شيء، ضرورة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
أعلام البحرين وعلم يحمل شعار القمة العربية الثالثة والثلاثين قبل القمة التي ستعقد في المنامة
لكن وللأسف، فالموقف الموحد الذي اتخذته الدول العربية سرعان ما تلاشى تحت ضغط الأولويات والخلافات المتنوعة حول كيفية تحويل إنجازات حرب أكتوبر إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحل القضية الفلسطينية.
ولكن من المهم أيضا أن نلاحظ أن حرب أكتوبر 1973 كانت لها تأثيرات تجاوزت منطقة الشرق الأوسط. وفي حسابات ما بعد الحرب، تمكن منتجو النفط العرب، كجزء من العالم النامي، لأول مرة، من الوقوف للدفاع عن مصالحهم وتحدي الدول الصناعية من خلال إثبات أنه يمكنهم أن يمارسوا سيطرة على الإنتاج، ولو للحظة عابرة، لسلعة استراتيجية حاسمة ألا وهي النفط. وقد أعطى هذا زخما للسعي إلى التغيير في النظام الاقتصادي الدولي، الذي تجلى في الدعوة إلى “نظام اقتصادي دولي جديد”.
بات هناك اهتمام دولي على ضرورة حل المشكلة الفلسطينية
في عام 1973، كانت الدول العربية، باستثناء كونها مصدرا مهما للطاقة للأسواق العالمية، منخرطة بشكل هامشي فقط في الاقتصاد الدولي. ولم تكن كل من تركيا وإيران تشكلان أي تهديد مباشر للمصالح العربية. ولكن في ذلك الوقت، لم يكن لدى العرب نهج مشترك لتحقيق السلام مع خصمهم الرئيس إسرائيل.
لكن وضع العالم العربي عام 2024 سيكون مختلفا بشكل ملحوظ. ففي حين أصبحت إسرائيل أقوى اقتصاديا وعسكريا، وتمارس كل من إيران وتركيا نفوذا سياسيا كبيرا في المنطقة، فإن العالم العربي لديه أيضا إمكانات أكبر بكثير في عام 2024 مقارنة بعام 1973 ليس للتأثير على مستقبل المنطقة وحسب، بل على كل النظام الدولي قيد التشكل.
إن الانقسامات الأيديولوجية الحادة بين العرب التي كانت موجودة خلال الحرب الباردة لم تعد موجودة. في الوقت الحاضر، لديهم جميعا علاقات أكثر توازنا مع الجهات الفاعلة الرئيسة على الساحة الدولية بشكل عام. وقد تضاءل اعتمادهم على الولايات المتحدة إلى حد كبير، بما في ذلك الدول العربية في الخليج. فالعلاقات مع الصين تتطور بسرعة. وهناك تعاون كبير مع روسيا، خاصة في مجالات الطاقة وشراء الأسلحة. كذلك هناك تعاون مكثف مع الاتحاد الأوروبي.
أضف إلى ذلك أن العالم العربي يحتل مكانة متزايدة الأهمية في الاقتصاد الدولي. فهو يستحوذ على 46 في المئة من النفط الخام، و30 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي، وهي في ارتفاع مستمر، و30 في المئة من تجارة الحاويات الدولية، و16 في المئة من الشحن الجوي، كما تسيطر صناديق ثرواته السيادية على أصول تزيد قيمتها على ثلاثة تريليونات دولار.
وكانعكاس لثقلهم المتزايد أيضا، أصبحت عدة دول عربية أعضاء أو في طريقها للانضمام إلى تجمعات اقتصادية تمتلك تأثيرا كبيرا على الاقتصاد الدولي. وأبرزها عضوية المملكة العربية السعودية في “مجموعة العشرين”. كما أصبحت كل من مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية أعضاء في مجموعة “البريكس” اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2024.
إضافة إلى ذلك، أصبحت الدول العربية الآن ملتزمة بالسلام مع إسرائيل باعتباره هدفا استراتيجيا كما نصت عليه مبادرة السلام العربية لعام 2002. ومع الأزمة في غزة، هناك بيئة دولية مواتية أكثر لحل القضية الفلسطينية.
هذه هي الخلفية المعقدة التي سوف تنعقد قمة المنامة في ظلها.
يتوجب على الدول العربية أن لا تستهين بقدرتها على ممارسة نفوذها على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن في الوقت نفسه لا بد من استخلاص الدروس المناسبة من عدم استخدام حرب أكتوبر الاستخدام الأمثل لتأمين مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى في إحلال السلام والأمن في الشرق الأوسط.
تتيح قمة المنامة الفرصة للبدء في عملية إرساء رؤية عربية للمستقبل والاتفاق على آليات تنفيذها، وعلى وجه التحديد في مجال الأمن الإقليمي. مثل هذه الرؤية تحتاج إلى مكونات إقليمية ودولية. إن البعد الدولي قد أقرته قمة جدة. وهو يشمل تكثيف الأنشطة في مواجهة التحديات العابرة للحدود الوطنية مثل التحول إلى الطاقة الخضراء، والاستدامة البيئية، والاتصال، والأمن السيبراني، وأخيرا وليس آخرا الإرهاب الدولي.
غير أن الغرض من هذا المقال هو التركيز على البعد الإقليمي لرؤية عربية مشتركة. وكنقطة انطلاق، لا بد من بذل جهد حازم لتسوية الصراعات التي ابتلي بها العالم العربي لفترة طويلة.
لقد ساهم يوم 7 أكتوبر في تركيز الاهتمام الدولي على ضرورة حل المشكلة الفلسطينية. ولكن في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإن احتمالات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تكاد تلامس الصفر. ولا يبدو أن الولايات المتحدة جادة في العمل على تحويل موقفها المعلن المتمثل في إقامة دولة فلسطينية إلى عمل ملموس. ولذلك فلعل أفضل مسار يمكن سلوكه هو تمهيد الطريق لمفاوضات جادة بين العرب وإسرائيل عندما تتوضح الأمور في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
أكدت أزمة غزة أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها المسألة المركزية التي تجتمع حولها المصالح الجماعية العربية
وسيتطلب ذلك متابعة الأهداف المباشرة التالية بطريقة متزامنة:
أولا، التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع دون عوائق، وبدء جهد دولي لإعادة إعمار القطاع.
ثانيا، إنهاء التدخل العسكري الإسرائيلي في غزة وتقليصه بشدة في الضفة الغربية.
ثالثا، بذل الجهود الحثيثة في كافة المحافل الدولية، خاصة من بينها تلك التي تهتم بحقوق الإنسان، لزيادة الضغوط الدولية على إسرائيل لإقناعها بتغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين.
رابعا، استمرار بذل الجهود الحثيثة من أجل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وقبولها الكامل في الأمم المتحدة. ومن المفيد في هذا المجال تذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت قبل أيام بأغلبية ساحقة مكونة من 143 دولة لصالح الدولة الفلسطينية. وينبغي البناء على ذلك في مجلس الأمن وعلى المستوى الثنائي لحمل المزيد من الدول على اتخاذ إجراءات ملموسة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الدخان يتصاعد بعد انفجار في شمال غزة، في خضم الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية، كما يظهر من إسرائيل، 12 مايو/أيار 2024.
وفي السعي لتحقيق هذه الأهداف، من المهم الاستفادة من الموقف الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة، وهناك حجة قانونية قوية– تستند إلى أسبقية حكم محكمة العدل الدولية لعام 1996 في قضية “البوسنة ضد صربيا”، التي تؤكد أن “على الدول الالتزام بالتأثير بشكل فعال على تصرفات الأشخاص الذين يحتمل أن يرتكبوا، أو ارتكبوا بالفعل، أعمال إبادة جماعية”، وهو ما يفرض في هذه الحالة التزامات أكثر صرامة على الدول التي تقدم المساعدة المالية والاستخباراتية والعسكرية لإسرائيل الهمجية على قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الأسهل تركيز الاهتمام الدولي على الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وفي حين تظل القضية الفلسطينية مصدر قلق رئيس للكثير من الدول العربية، فإنها ليست الأزمة الوحيدة التي تتطلب الاهتمام، فثمة دول عربية أخرى تواجه تحديات كبيرة مثل سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال واليمن والصحراء الغربية. ومن الأهمية بمكان أن تشارك هذه الدول بشكل استباقي في الجهود الرامية إلى توجيه هذه الصراعات نحو الحل.
ومع ذلك، فمن الضروري أن ندرك أن الدول العربية لا يمكنها الاعتماد فقط على القوى الخارجية لحل قضاياها.
صحيح أنه لا يمكن حل أي من هذه المشاكل دون التعامل مع القوى الأجنبية. لكن الزمن أثبت أنه من دون أن يأخذ العرب زمام المبادرة، فإن القوى الخارجية قد تقوم القوى الخارجية ببساطة بإدارة هذه الصراعات لمنع التصعيد، كما رأينا في غزة، بدلا من البحث عن حلول شاملة.
يجب على الدول العربية الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك نفوذها الاقتصادي، لإدارة تفاعلاتها مع الجهات الفاعلة العالمية الرئيسة بشكل فعال. ومع ذلك، فإن معالجة هذه الصراعات بشكل مستقل لن تكون كافية لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين. إن مثل هذه النتائج لن تكون ممكنة إلا من خلال جهد عربي موحد لتطوير إطار أمني إقليمي. وهناك حاجة ملحة لأن تقوم الدول العربية بصياغة هذه الرؤية الجماعية وتنفيذها.
وفي هذا السياق، من المهم معرفة وجهات النظر المختلفة حول ما يشكل ترتيبا أمنيا مناسبا للمنطقة. على سبيل المثال، أطلقت إسرائيل والولايات المتحدة “منتدى النقب” كوسيلة لإقامة تحالف سياسي عسكري يهدف إلى تنسيق التعاون الإقليمي لمواجهة إيران. وقد تم الاستشهاد بالتوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل لتبرير جاذبية هذا النهج.
ومن وجهة نظري فإن الوضع يوحي بنتيجة معاكسة. وتؤكد الأزمة في غزة وردود أفعال كل من إسرائيل وإيران على الحاجة إلى استراتيجية مختلفة.
أولا، أكدت الأزمة المستمرة في غزة بشكل لا لبس فيه على أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها المسألة المركزية التي تجتمع حولها المصالح الجماعية العربية، وهو الشعور الذي عززته قمة جدة. ثانيا، أصبح التزام إسرائيل بتعزيز قدرات الردع لديها شديد الوضوح، حتى ولو أثر ذلك في رفع التوتر في العلاقات مع دول مثل مصر والأردن، اللتين أبرمتا معها معاهدتين للسلام. ثالثا، إن التحديات التي تواجه الأمن العربي والتي تفرضها كل من إسرائيل وإيران تسلط الضوء على نقاط الضعف الأمنية الإقليمية الأوسع. رابعا، لاحظت الدول العربية أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على القوى الخارجية لضمان أمنها، كما يتضح من ردود الفعل المتناقضة للولايات المتحدة لاحتياجات إسرائيل بعد 7 أكتوبر وتقاعسها النسبي خلال هجوم عام 2019 على منشآت النفط السعودية.
يتعين على الدول العربية الامتناع عن الدخول في ترتيبات أمنية إقليمية حتى التوصل إلى رؤية مشتركة
وفي ضوء هذه العوامل، فإن النهج الأمثل لمعالجة المخاوف الأمنية العربية يكمن في إنشاء نظام أمني إقليمي شامل وجامع، ينبغي أن يشمل أبعادا سياسية وعسكرية واقتصادية، ويجب أن يجمع دول المنطقة كافة، وبالتالي لا يكون ترتيبا سياسيا عسكريا موجها ضد دولة بعينها. وهذا يتطلب بالضرورة عملية طويلة، ولكن من الممكن أن ينضم البلدان إليه على النحو الذي يرونه مناسبا لمصلحتهم. ولا بد أن تتضمن الخطوة الأولية تشكيل موقف عربي موحد، وتشكل قمة المنامة المقبلة فرصة ممتازة لبدء هذه العملية من خلال إطلاق سلسلة من المشاورات. ولا بد للخطوة الأولى أن تكون بلورة موقف عربي مشترك. وهنا يمكن لقمة المنامة أن تقدم مساهمة من خلال إطلاق مشاورات.
ومع ذلك، لا بد من الالتزام ببعض المبادئ الأساسية في إنشاء نظام أمني إقليمي يعالج بشكل فعال اهتمامات الدول العربية:
أولا، من الأهمية بمكان وضع قواعد سلوك إقليمية تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وينبغي لهذه القواعد أن تؤكد على حق تقرير المصير، وعدم استخدام القوة، واحترام السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وينبغي لهذا الأساس أن يوجه الجهود الرامية إلى معالجة القضايا الإقليمية على كافة المستويات.
ثانيا، ينبغي للمنطقة أن تعمل على تحديد الأسلحة ونزع السلاح، وخاصة بهدف إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ثالثا، لا بد أن يكون النهج في التعامل مع الأمن الإقليمي تدريجيا، ومرنا، وعمليا، حتى يتسنى له استيعاب الظروف والأهداف الوطنية المختلفة.
رابعا، ضمان قدرة الدولة الفلسطينية على البقاء وهو أمر ضروري للسلام والاستقرار الإقليميين.
خامسا، يجب أن يكون الإطار الأمني شاملا، ويشرك جميع دول المنطقة ولا يستهدف أي طرف بعينه.
ويكمن التحدي في التوفيق بين المصالح الخاصة لكل دولة على حدة وبين الرؤية العربية المشتركة للأمن الإقليمي. ولكن يمكن للمناقشات المفتوحة والصريحة، على المستويين الرسمي وغير الرسمي، أن تلعب دورا رئيسا في تحقيق هذا التكامل.
وفوق ذلك، يتعين على الدول العربية الامتناع عن الدخول في ترتيبات أمنية إقليمية حتى التوصل إلى رؤية مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي لإسرائيل أن تندمج في الإطار الأمني للمنطقة إلا بعد التوصل إلى إجماع حول مثل هذا النظام.
الملاحظة الأخيرة التي يجب أخذها بعين الاعتبار هي ضرورة تجنب السابقة التاريخية التي شكلتها مصر بعد حرب 1973، عندما اختارت إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية على المصالح العربية المشتركة، وهو القرار الذي كانت له تداعيات طويلة الأمد لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. وهذا يسلط الضوء على أنه لا ينبغي لأي دولة، بغض النظر عن قوتها في أي وقت، أن تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية دون النظر إلى مصالح أقرب أصدقائها وحلفائها إذا كان الهدف هو تحقيق السلام والأمن الدائمين في الشرق الأوسط.
- المجلة