يمكن اعتبار المقابلة التي أجرتها قناة “فوكس نيوز” الأميركية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالحدث المهم جداً في هذه المرحلة. فكما قال كبير المذيعين السياسيين في القناة بريت باير الذي أجرى المقابلة، إن حديث ولي العهد السعودي تضمن مروحة واسعة من العناوين الرئيسية التي تعتبر كلها أساسية على صعيد العلاقات الدولية في هذه المرحلة. وقد تناول الأمير محمد بن سلمان العديد من المواضيع السعودية الداخلية، سياسياً واقتصادياً وتنموياً. كما تناول جملة من المواضيع المتصلة بالسياسة الدولية وعلاقات المملكة الخارجية. ومن هنا صعوبة تناول كل المقابلة في مقالة رأي واحدة.
لكن يمكن للمراقب المهتم بقضايا الشرق الأوسط أن يتوقف أمام عنوانين مهمين للغاية. الأول، موضوع التطبيع بين السعودية وإسرائيل، حيث إن ولي العهد السعودي، بعدما نفى توقف المحادثات مع واشنطن بخصوص التطبيع، أكد نقطة جوهرية وتتألف من جذرين متصلين: أنه في كل يوم يمر تقترب السعودية وإسرائيل من التطبيع. ومن ناحية ثانية، أن الموضوع الفلسطيني مهم للغاية. وحله جزء من مسار التطبيع. طبعاً لم يخض محمد بن سلمان في تفاصيل الصفقة الكبرى التي يتم التفاوض بشأنها، وتتعلق أساساً بعلاقات السعودية بالولايات المتحدة. وتتضمن سلة مطالب قدمتها الرياض، وسبق أن كشف عنها الإعلام الأميركي بالتفاصيل. من قبيل أن تشارك واشنطن في برنامج نووي سلمي سعودي على مختلف المستويات، وصولاً إلى تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية. أو أن يتم إنجاز معاهدة أمنية بين البلدين تضمن أميركا بموجبها أمن السعودية في حال تعرضها للاعتداء. ولم يفت الأمير أن يؤكد أن حيازة إيران (على الرغم من تحسن العلاقات معها) السلاح النووي سيُستتبع آلياً بسعي سعودي لحيازة سلاح نووي، من أجل ضمان الأمن والتوازن الإقليميين. وموقف الأمير محمد هنا واضح وصريح إلى أبعد الحدود، ما يستدعي من الأميركيين والإسرائيليين والإيرانيين التفكير بعواقب استحواذ طهران على السلاح النووي.
العنوان الآخر الذي يجدر التوقف عنده يتعلق بمسار الاتفاق السعودي – الإيراني، ويبدو أنه يسير بخطى بطيئة لكن في الاتجاه الصحيح. فمن خلال أقوال ولي العهد السعودي، فإن الإيرانيين يبدون جدية في ما يتعلق بمندرجات الاتفاق. والحال أن تزامن المقابلة مع وجود وفد من جماعة الحوثيين في الرياض للتفاوض على مسارات إنهاء الحرب وإطلاق الحل السياسي الشامل، يؤشر إلى أن طهران تتقدم وإن بخطوات صغيرة في الاتجاه المطلوب. طبعاً من غير الجائز تعليق آمال كبيرة على النيات الإيرانية. فالتجارب السابقة غير مشجعة. والنظام قد يغير وجهته في أي وقت. ولا ننسى أن السياسة التوسعية الإيرانية في المشرق العربي لم تشهد تغييرات تُذكر من العراق، إلى لبنان مروراً بسوريا. فالتمدد الإيراني على حاله، لا بل إنه يكبر في كل اتجاه، إلى حد أنه لم تتم ملاحظة أي خطوات جدية في سوريا تعكس تراجع النظام السوري والميليشيات الإيرانية عن إنتاج المخدرات وتصديرها إلى دول الجوار، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. مع ذلك يبدو الأمير محمد بن سلمان واثقاً من تموضعه بالنسبة إلى الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يقوم من الناحية العملية على سياسة الخطوة في مقابل خطوة. لكن ببطء شديد.
في مطلق الأحوال، من المهم بمكان أن يأخذ المجتمع الدولي علماً بأن السعودية مع شركائها الخليجيين لاعب دولي رئيسي، وأن محمد بن سلمان يمثل المستقبل.
“النهار العربي”