يوفال أبراهام* – (مجلة 972+) 2023/11/30
مكنت الغارات الجوية المرخَّصة على أهداف غير عسكرية، واستخدام نظام للذكاء الاصطناعي، الجيش الإسرائيلي من تنفيذ حربه الأكثر دموية على غزة، وفقًا لما كشفه تحقيق أجري بجهد مشترك من “مجلة 972+” وموقع “لوكال كول” Local Call الإسرائيليين.
* * *
قال مصدر استخباراتي كان قد شارك في تنفيذ ضربات سابقة ضد “أهداف القوة” في غزة: “إنهم لن يضربوا أبدًا مبنى شاهقًا ليس فيه شيء يمكننا تعريفه على أنه هدف عسكري. سيكون هناك دائمًا طابق في الأبراج العالية (مرتبط بحماس).
ولكن في الجزء الأكبر، عندما يتعلق الأمر بأهداف القوة، من الواضح أن الهدف لا تكون له قيمة عسكرية تبرر شن هجوم من شأنه أن يُسقِط مبنى فارغًا بأكمله في وسط المدينة، بمساعدة ست طائرات وقنابل تزن عدة أطنان”.
في الواقع، وفقًا لمصادر شاركت في تحديد “أهداف القوة” في الحروب السابقة، فإنه على الرغم من أن ملف الهدف يحتوي عادة على نوع من الارتباط المزعوم بـ”حماس” أو غيرها من الجماعات المسلحة، فإن ضرب الهدف يعمل في المقام الأول كـ”وسيلة تسمح بإلحاق الضرر بالمجتمع المدني”. وكانت المصادر تفهم، بعضها صراحة وبعضها ضمنيًا، أن الضرر الذي يتم إلحاقه بالمدنيين هو الغرض الحقيقي من تنفيذ هذه الهجمات.
في أيار (مايو) 2021، على سبيل المثال، تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة لقصفها “برج الجلاء”، الذي يضم مكاتب لوسائل إعلام دولية بارزة مثل “الجزيرة” و”أسوشيتد برس” و”وكالة فرانس برس”. وادعى الجيش أن المبنى كان هدفًا عسكريا لـ”حماس”. وأخبرت المصادر “مجلة 972+” و”لوكال كول” أنه كان في الواقع “هدف قوة”.
وقال أحد المصادر: “التصور هو أن القصف يضر بـ’حماس‘ حقا عندما يهدف المباني الشاهقة، لأنه يخلق رد فعل شعبيا في قطاع غزة ويخيف السكان”.
وأضاف المصدر: “لقد أرادوا خلق شعور عند مواطني غزة بأن ’حماس‘ لا تسيطر على الوضع. في بعض الأحيان أطاحوا بالمباني وأحيانًا بالخدمات البريدية والمباني الحكومية”.
على الرغم من أن مهاجمة الجيش الإسرائيلي أكثر من 1.000 “هدف قوة” في خمسة أيام هي أمر غير المسبوق، إلا أن فكرة التسبب في دمار شامل للمناطق المدنية لخدمة أغراض استراتيجية هي فكرة مكتسبة من خبرة العمليات العسكرية السابقة في غزة، والتي شحذتها ما تسمى بـ”عقيدة الضاحية” من حرب لبنان الثانية في العام 2006.
ووفقًا لهذه العقيدة -التي كان قد طورها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي إيزنكوت، الذي هو الآن عضو في الكنيست وجزء من حكومة الحرب الحالية- فإنه في حرب تخاضُ ضد جماعات حرب عصابات مثل “حماس” أو “حزب الله”، يجب على إسرائيل استخدام القوة غير المتناسبة والساحقة أثناء استهداف البنية التحتية المدنية والحكومية، من أجل تأسيس الردع وإجبار السكان المدنيين على الضغط على هذه الجماعات لإنهاء هجماتها. ويبدو أن مفهوم “أهداف القوة” قد انبثق من هذا المنطق نفسه.
كانت المرة الأولى التي حدد فيها الجيش الإسرائيلي علنًا “أهداف قوة” في غزة قد جاءت في نهاية عملية “الجرف الصامد” في العام 2014.
وقد قصف الجيش في تلك الحملة أربعة مبان خلال الأيام الأربعة الأخيرة من الحرب -ثلاثة مبان سكنية متعددة الطوابق في مدينة غزة؛ ومبنى شاهق في رفح.
وأوضحت المؤسسة الأمنية في ذلك الوقت أن الهجمات كانت تهدف إلى إيصال رسالة إلى الفلسطينيين في غزة تفيد بأنه “لم يعد هناك شيء محصن”، ولوضع ضغط على “حماس” للموافقة على وقف إطلاق النار.
وجاء في تقرير لـ”منظمة العفو الدولية” صدر في أواخر العام 2014: “تظهر الأدلة التي جمعناها أن التدمير الهائل (للمباني) تم تنفيذه عمدًا، ومن دون أي مبرر عسكري”.
وفي تصعيد عنيف آخر بدأ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، هاجم الجيش مرة أخرى “أهداف قوة”. وفي ذلك الوقت، قصفت إسرائيل المباني الشاهقة، ومراكز التسوق، ومبنى “قناة الأقصى” التلفزيونية التابعة لـ”حماس”.
وقال أحد ضباط القوات الجوية في تصريح في ذلك الوقت: “مهاجمة أهداف القوة تُحدِث تأثيرًا كبيرًا جدًا على الجانب الآخر، وقد فعلنا ذلك من دون قتل أي شخص وتأكدنا من إخلاء المبنى والمناطق المحيطة به”.
أظهرت العمليات السابقة أيضًا كيف أن ضرب هذه الأهداف لا يهدف فقط إلى الإضرار بالروح المعنوية للفلسطينيين، ولكن أيضًا إلى رفع الروح المعنوية داخل إسرائيل.
وكشفت صحيفة “هآرتس” أنه خلال عملية “حارس الأسوار” التي شُنت في العام 2021، نفذت وحدة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي عملية نفسية ضد المواطنين الإسرائيليين هدفت إلى زيادة الوعي بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة والأضرار التي ألحقتها بالفلسطينيين.
وقام الجنود، الذين استخدموا حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لإخفاء أصل الحملة، بتحميل صور ومقاطع فيديو من ضربات الجيش في غزة على “تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” و”تيك توك” من أجل إظهار براعة الجيش للجمهور الإسرائيلي.
وخلال هجوم العام 2021، ضربت إسرائيل تسعة أهداف تم تحديدها على أنها “أهداف قوة” -وكلها أبراج شاهقة. وقال مصدر أمني لـ”مجلة 972+” و”لوكال كول”: “كان الهدف هو جعل المباني الشاهقة تنهار من أجل الضغط على حماس، وأيضًا حتى يرى الجمهور (الإسرائيلي) صورة النصر”.
ومع ذلك، كما تابع المصدر: “لم ينجح ذلك. بصفتي شخصا يتابع ’حماس‘، فإنني سمعت مباشرة ورأيت مدى عدم اهتمامهم بالمدنيين والمباني التي تم هدمها.
في بعض الأحيان وجد الجيش شيئًا ما في مبنى شاهق مرتبط بـ’حماس‘، ولكن كان من الممكن أيضًا ضرب هذا الهدف المحدد بأسلحة أكثر دقة. خلاصة القول هي أنهم كانوا يهدمون برجًا من أجل هدم برج فقط”.
”كان الجميع يبحثون عن أطفالهم في هذه الأكوام”
لم تشهد الحرب الحالية مهاجمة إسرائيل لعدد غير مسبوق من “أهداف القوة” فحسب، بل شهدت أيضًا تخلي الجيش عن السياسات السابقة التي كانت تهدف إلى تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
وفي حين كان الإجراء الرسمي للجيش في السابق هو أنه لا يمكن مهاجمة “أهداف قوة” إلا بعد إخلاء جميع المدنيين منها، تشير شهادات السكان الفلسطينيين في غزة إلى أنه منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، هاجمت إسرائيل المباني الشاهقة التي ما يزال سكانها بداخلها، أو من دون اتخاذ أي خطوات مهمة لإخلائها، مما أدى إلى مقتل الكثير من المدنيين.
وكثيرًا ما تسفر هذه الهجمات عن مقتل أسر بأكملها، كما حدث في الهجمات السابقة؛ ووفقًا لتحقيق أجرته “وكالة أسوشيتد برس” بعد حرب العام 2014، فإن حوالي 89 في المائة من القتلى في القصف الجوي لمنازل العائلات كانوا من السكان المدنيين العزل، ومعظمهم من الأطفال والنساء.
في الحرب الحالية، أكد تيشلر، رئيس أركان القوات الجوية، حدوث تحول في السياسة، وقال للصحفيين إن سياسة “طرق الأسطح” التي كان ينتهجها الجيش -حيث يقوم بتوجيه ضربة أولية صغيرة على سطح مبنى لتحذير السكان من أنه على وشك أن يتعرض للقصف- لم تعد قيد الاستخدام “حيث يوجد عدو”. وقال تيشلر إن طرق السطح هو “مصطلح وثيق الصلة بجولات (قتال) وليس بحرب”.
وقالت المصادر التي عملت سابقًا على “أهداف قوة” إن الاستراتيجية المتطرفة للحرب الحالية يمكن أن تكون تطورًا خطيرًا، موضحة أن مهاجمة “أهداف القوة” كانت تهدف في الأصل إلى إحداث “صدمة” في غزة، ولكن ليس بالضرورة إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين.
وقال مصدر لديه معرفة عميقة بالتكتيك: “تم تصميم الأهداف على افتراض أنه سيتم إخلاء الأبراج من الناس، لذلك عندما كنا نعمل على (تجميع الأهداف)، لم يكن هناك أي قلق على الإطلاق بشأن عدد المدنيين الذين سيتعرضون للأذى. كان الافتراض أن الرقم سيكون دائمًا صفرًا”.
وأضاف المصدر: “هذا يعني أنه سيكون هناك إخلاء كامل (للمباني المستهدفة)، الأمر الذي يستغرق ساعتين إلى ثلاث ساعات تتم خلالها دعوة السكان (عبر الهاتف للإخلاء)، وإطلاق صواريخ تحذيرية، كما نتحقق من لقطات الطائرات من دون طيار من أن الناس يغادرون المباني الشاهقة حقًا”.
ومع ذلك، تشير الأدلة القادمة من غزة الآن إلى أن بعض المباني الشاهقة -التي نفترض أنها كانت “أهداف قوة”- قد أُسقطت من دون سابق إنذار.
وقد حددت “مجلة 972+” و”لوكال كول” حالتين على الأقل خلال الحرب الحالية تم فيهما قصف مبانٍ سكنية شاهقة بأكملها وإسقاطها من دون سابق إنذار، وحالة واحدة، وفقًا للأدلة، تم فيها إسقاط مبنى شاهق على المدنيين الذين كانوا بداخله.
وفي 10 تشرين الأول (أكتوبر)، قصفت إسرائيل “مبنى بابل” في غزة، وفقًا لشهادة بلال أبو حصيرة، الذي أخرج الجثث من تحت الأنقاض في تلك الليلة.
وقُتل عشرة أشخاص في الهجوم على المبنى، بينهم ثلاثة صحفيين.
وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر)، قُصف “مبنى التاج” السكني المكون من 12 طابقًا في مدينة غزة وسُوي بالأرض، مما أسفر عن مقتل العائلات التي تعيش داخله من دون سابق إنذار. وتم دفن حوالي 120 شخصًا تحت أنقاض شققهم، وفقًا لشهادات السكان.
وكتب يوسف عمار شرف، أحد سكان “التاج”، على موقع “إكس”، أن 37 من أفراد عائلته الذين كانوا يعيشون في المبنى قتلوا في الهجوم: “أبي وأمي العزيزان، وزوجتي الحبيبة، وأبنائي، ومعظم إخوتي وعائلاتهم”.
وذكر السكان أنه تم إلقاء الكثير من القنابل على المبنى، مما ألحق أضرارًا ودمر شققًا في المباني المجاورة أيضًا.
وبعد ستة أيام، في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، تم قصف “مبنى المهندسين” السكني المكون من ثمانية طوابق من دون سابق إنذار.
وبحسب ما ورد، تم انتشال ما بين 30 و45 جثة من تحت الأنقاض في اليوم الأول. وتم العثور على طفل واحد على قيد الحياة، من دون والديه. وقدر الصحفيون أن أكثر من 150 شخصًا قتلوا في الهجوم، حيث ظل الكثيرون مدفونين تحت الأنقاض.
وكان المبنى يقع في مخيم النصيرات للاجئين، جنوب وادي غزة -في “المنطقة الآمنة” المفترضة التي وجهت إليها إسرائيل الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم في شمال ووسط غزة- وبالتالي كان بمثابة مأوى مؤقت للنازحين، وفقًا للشهادات.
ووفقًا لتحقيق أجرته “منظمة العفو الدولية”، قصفت إسرائيل في 9 تشرين الأول (أكتوبر) ما لا يقل عن ثلاثة مبان متعددة الطوابق، فضلاً عن سوق مفتوح للسلع المستعملة في شارع مزدحم في مخيم جباليا للاجئين، مما أسفر عن مقتل 69 شخصا على الأقل.
وقال والد طفل قُتل في القصف: “كانت الجثث محترقة… لم أكن أريد أن أنظر، كنت خائفًا من النظر إلى وجه عماد. كانت الجثث متناثرة على الأرض.
وكان الجميع يبحثون عن أطفالهم في هذه الأكوام. تعرفتُ على ابني فقط من سرواله. أردتُ دفنه على الفور، فحملت ابني وأخرجته”.
ووفقًا لتحقيق “منظمة العفو الدولية”، قال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم على منطقة السوق كان يستهدف مسجدًا “حيث كان هناك نشطاء من حماس”، كما قال. ومع ذلك، وفقًا للتحقيق نفسه، لا تُظهر صور الأقمار الصناعية مسجدًا في المنطقة المجاورة.
ولم يردّ الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على استفسارات “مجلة 972+” و”لوكال كول” حول هجمات محددة، لكنه ذكر بشكل عام أن “الجيش الإسرائيلي قدم تحذيرات قبل الهجمات بطرق مختلفة وعندما سمحت الظروف بذلك، وقام أيضًا بإيصال تحذيرات فردية من خلال المكالمات الهاتفية إلى الأشخاص الذين كانوا في الأهداف أو بالقرب منها (كانت هناك أكثر من 25.000 محادثة مباشرة خلال الحرب، إلى جانب ملايين المحادثات المسجلة والرسائل النصية والمنشورات التي تم إسقاطها من الجو لتحذير السكان). بشكل العام، يعمل الجيش الإسرائيلي على تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين كجزء من الهجمات قدر الإمكان، على الرغم من التحدي المتمثل في محاربة منظمة إرهابية تستخدم مواطني غزة كدروع بشرية”.
”أنتجت الآلة 100 هدف في يوم واحد”
وفقًا للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بحلول 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، خلال الأيام الخمسة والثلاثين الأولى من القتال، هاجمت إسرائيل ما مجموعه 15.000 هدف في غزة.
واستنادًا إلى مصادر متعددة، يعد هذا الرقم مرتفعًا جدًا مقارنة بالعمليات الرئيسية الأربع السابقة في القطاع.
خلال عملية “حارس الأسوار” في العام 2021، هاجمت إسرائيل 1.500 هدف في 11 يومًا. وفي عملية “الجرف الصامد” في العام 2014، التي استمرت 51 يومًا، ضربت إسرائيل ما بين 5.266 و6.231 هدفًا.
وخلال حملة “عمود السحاب” في العام 2012، تعرض حوالي 1.500 هدف للهجوم على مدى ثمانية أيام. وفي عملية “الرصاص المصبوب” في العام 2008، ضربت إسرائيل 3.400 هدف في 22 يومًا.
كما أخبرت مصادر استخباراتية شاركت في العمليات السابقة “مجلة 972+” و”لوكال كول” بأنه لمدة 10 أيام في العام 2021، وثلاثة أسابيع في العام 2014، أدى معدل هجوم يتراوح بين 100 و200 هدف يوميًا إلى وضع لم يتبق فيه لدى سلاح الجو الإسرائيلي أي أهداف ذات قيمة عسكرية لقصفها. فلماذا إذن، بعد ما يقرب من شهرين، لم ينفَد الجيش الإسرائيلي بعد من الأهداف في الحرب الحالية؟
ربما تكمن الإجابة في بيان صدر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث يتم استخدام نظام الذكاء الاصطناعي “حبسورا”، الذي يقول المتحدث إنه “يتيح استخدام الأدوات الآلية لإنتاج أهداف بوتيرة سريعة، ويعمل من خلال تحسين المواد الاستخباراتية الدقيقة وعالية الجودة وفقًا للاحتياجات (العملياتية)”.
ونُقل عن مسؤول استخباراتي كبير قوله إنه بفضل “حبسورا”، يتم إنشاء أهداف لضربات دقيقة “مع التسبب في أضرار كبيرة للعدو والحد الأدنى من الضرر لغير المقاتلين. إن نشطاء ’حماس‘ ليسوا محصنين -بغض النظر عن المكان الذي يختبئون فيه”.
ووفقًا لمصادر استخباراتية، فإن “حبسورا” يُصدِر، من بين أمور أخرى، توصيات تلقائية لمهاجمة المساكن الخاصة التي يعيش فيها أشخاص يشتبه في أنهم من “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”. وعندئذٍ تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال واسعة النطاق من خلال القصف العنيف لهذه المنازل السكنية.
وأوضح أحد المصادر أن “حبسورا” يعالج كميات هائلة من البيانات التي “لم يكُن عشرات الآلاف من ضباط المخابرات يتمكنون من معالجتها”، ويوصي البرنامج بقصف المواقع في الوقت الفعلي. ولأن معظم كبار مسؤولي “حماس” يتوجهون إلى الأنفاق تحت الأرض مع بدء أي عملية عسكرية، كما تقول المصادر، فإن استخدام نظام مثل “حبسورا” يجعل من الممكن تحديد مواقع منازل نشطاء صغار الرتبة نسبيًّا ومهاجمتها.
وأوضح ضابط مخابرات سابق أن نظام “حبسورا” يمكِّن الجيش من إدارة “مصنع للاغتيالات الجماعية”، حيث “ينصب التركيز على الكمية وليس على النوعية”. وستقوم عين بشرية “باستعراض الأهداف قبل كل هجوم، لكنها لا تحتاج إلى قضاء الكثير من الوقت عليها”. وبما أن إسرائيل تقدِّر أن هناك ما يقرب من 30.000 من أعضاء “حماس” في غزة، وجميعهم مؤشَّرٌ عليهم بالموت، فإن عدد الأهداف المحتملة هائل.
في العام 2019، أنشأ الجيش الإسرائيلي مركزًا جديدًا يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع توليد الأهداف. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، في مقابلة معمقة مع موقع “واي-نت” Ynet في وقت سابق من هذا العام: ”’الشعبة الإدارية للأهداف‘ هي وحدة تضم مئات الضباط والجنود، وتستند إلى قدرات الذكاء الاصطناعي”.
وتابع كوخافي: “هذه آلة تعالج، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، الكثير من البيانات بشكل أفضل وأسرع من أي إنسان، وتقوم بترجمتها إلى أهداف للهجوم. وكانت النتيجة أن هذه الآلة ولَّدت في عملية ’حارس الأسوار‘ في العام 2021، منذ اللحظة التي فيها تنشيطها، 100 هدف جديد كل يوم. كما ترى، في الماضي كانت هناك أوقات في غزة عندما كنا ننشئ 50 هدفًا في السنة. وهنا أنتجت الآلة 100 هدف في يوم واحد”.
وقال أحد المصادر، والذي عمل في القسم الإداري الجديد للأهداف لـ”مجلة 972+” و”لوكال كول”: “نحن نُعِدُّ الأهداف بشكل أوتوماتيكي ونعمل وفقًا لقائمة مرجعية. إنه حقا مثل مصنع. نحن نعمل بسرعة وليس هناك وقت للغوص عميقًا في تحلي الهدف. والفكرة هي أنه يتم الحكم علينا وفقًا لعدد الأهداف التي ننجح في توليدها”.
وقال مسؤول عسكري كبير مسؤول عن بنك الأهداف لصحيفة “جيروزالم بوست”، في وقت سابق من هذا العام، إنه بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الجيش، أصبح بإمكان الجيش لأول مرة أن يولِّدَ أهدافا جديدة بمعدل أسرع من الهجمات التي يشنها. وقال مصدر آخر إن الدافع إلى توليد أعداد كبيرة من الأهداف أوتوماتيكيًا هو تطبيق “عقيدة الضاحية”.
وهكذا سهلت الأنظمة الآلية مثل “حبسورا” إلى حد كبير عمل ضباط المخابرات الإسرائيلية في اتخاذ القرارات أثناء العمليات العسكرية، بما في ذلك حساب الخسائر المحتملة. وأكدت خمسة مصادر مختلفة أن عدد المدنيين الذين قد يقتلون في هجمات على مساكن خاصة يكون معروفًا مسبقًا للمخابرات الإسرائيلية، ويظهَر بوضوح في ملف الهدف تحت فئة “الأضرار الجانبية”.
ووفقًا لهذه المصادر، فإن هناك درجات من “الأضرار الجانبية”، والتي بموجبها يحدد الجيش ما إذا كان من الممكن مهاجمة هدف داخل مسكن خاص. وقال أحد هذه المصادر: “عندما يصبح التوجيه العام ’الأضرار الجانبية 5‘، فهذا يعني أننا مخولون بضرب جميع الأهداف التي ستقتل خمسة مدنيين أو أقل -أي أنه يمكننا أن نعمل على جميع ملفات الأهداف التي هي خمسة أفراد أو أقل”. (يُتبع)
*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية.
وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية فلسطينية ثنائية اللغة.
درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: ‘A mass assassination factory’: Inside Israel’s calculated bombing of Gaza
“الغد”