لندن- “لقدس العربي”: قالت صحيفة “الغارديان” في مراجعة قام بها جيسون ويلسون لكتابات بيتر هيغسيث، مرشح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمنصب وزير الدفاع، إنها تظهر الخطاب المعادي للإسلام، فيما يحفل كتابه “الحرب الصليبية الأمريكية” بتصوير الإسلام على أنه عدو الغرب.
وقالت الصحيفة إن هيغسيث رسم وشما صليبيا على ذراعه “دايوس فولت” (إن شاء الله)، ووضع كراهية الإسلام في مركز كل نشرياته.
ويصور هيغيسث في كتابه “الحرب الصليبية الأمريكية” الصادر عام 2020، الإسلام على أنه العدو الطبيعي والتاريخي للغرب، ويقدم فيه صورة مشوهة عن العقيدة الإسلامية من خلال “نظرية الاستبدال العظيم”- وهي نظريات مؤامرة، تربط بين المسلمين والمعسكر اليساري وأنهم يشتركون في هدف واحد: تدمير أمريكا.
يصور هيغيسث في كتابه “الحرب الصليبية الأمريكية” الإسلام على أنه العدو الطبيعي والتاريخي للغرب
كما أنه يتعامل مع الحروب الصليبية في القرون الوسطى بدرجة تصل إلى حد العبادة. ويقول الخبراء إن رؤية هيغيسث حافلة بالأكاذيب والمفاهيم الخاطئة ونظريات المؤامرة التي تنتشر بين اليمين المتطرف. ومع ذلك، فإن هيغيسث، سيقود، لو تم المصادقة على ترشيحه، أقوى جيش في العالم في مرحلة من النزاعات وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وكشفت الصحيفة في السابق أن كتاب هيغيسث في عام 2020 “الحرب الصليبية الأمريكية” استهدف فيه الأعداء الداخليين والخارجيين وكذا أعداء إسرائيل. وكتب قائلا: “لدينا أعداء محليون وحلفاء دوليون، وقد حان الوقت للتواصل مع الناس الذين يؤمنون بنفس القيم ونفس المبادئ ويتعلمون الدروس منها ومن الراوبط القوية”.
ويقدم هيغسيث في كتابه الحروب الصليبية في العصور الوسطى كنموذج للعلاقات المسيحية – الإسلامية، لكن أحد المؤرخين المختصين في تلك الفترة يرى أن تناول هيغيسث لتاريخ تلك الفترة “خاطئ تماما”. ففي فصل بعنوان “جعل الحملة الصليبية عظيمة مرة أخرى”، يكتب هيغسيث: “بحلول القرن الحادي عشر، كانت المسيحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الأماكن المقدسة في القدس، محاصرة بالإسلام لدرجة أن المسيحيين كان لديهم خيار صعب: شن حرب دفاعية أو الاستمرار في السماح للإسلام بالتوسع ومواجهة حرب وجودية في وطنهم في أوروبا”، مضيفا: “كان اليساريون اليوم ليجادلوا لصالح “الدبلوماسية” ونحن نعلم كيف كانت ستنتهي”. ويتابع هيغسيث: “لقد اختار البابا والكنيسة الكاثوليكية والمسيحيون الأوروبيون القتال – وولدت الحروب الصليبية”، و”حث البابا اربان الثاني المؤمنين على قتال المسلمين بشعاره “داس فولت” أو “إن شاء الله”.
ويحمل هيغسيث وشما لنفس الشعار الصليبي، والذي يرتبط أيضا بالقومية المسيحية والتفوق العرقي الأبيض وغيرها من الاتجاهات اليمينية المتطرفة.
ويرى هيغسيث أن الانتصارات قصيرة الأمد، التي حققها الصليبيون في الأرض المقدسة تعني أنه يمكن أن ينسب إليهم الفضل في حماية القيم الحديثة و”التمتع بالحضارة الغربية؟ الحرية؟ العدالة المتساوية أمام القانون؟ اشكروا الصليبي” وذلك بعد أن كتب نفس الشيء مرة أخرى في وقت سابق من الفصل.
يرى هيغسيث أن الانتصارات قصيرة الأمد، التي حققها الصليبيون في الأرض المقدسة تعني أنه يمكن أن ينسب إليهم الفضل في حماية القيم الحديثة والتمتع بالحضارة الغربية
ويقول ماثيو غابرييل، أستاذ دراسات العصور الوسطى في قسم الدين والثقافة في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، ومؤلف كتاب مشترك مع ديفيد بيري بعنوان “العصور المشرقة: تاريخ جديد لأوروبا في العصور الوسطى” إن الصليبيين “خسروا، وخسروا كل شيء”، مضيفا “الفكرة بأنهم خرجوا منتصرين لا أساس لها مطلقا”. وقال إن “هذه الرواية التي تتبنى فكرة أن الحروب الصليبية كانت حربا دفاعية، ولو لم يقم المسيحيون بهجومهم على القدس فإن أوروبا كانت ستتعرض للاجتياح، هي رواية مبتذلة من جانب اليمين المتطرف: وهي الرواية التي تبناها أندريس بريفيك، القاتل النرويجي السفاح الجماعي، في عام 2011، ومطلق النار في كرايستشيرش بنيوزلندا، قبل سنوات”.
وعن قيام هيغيسث بالمقارنة المباشرة بين الحروب الصليبية والغرب الحديث، يقول غابرييل إنه “أسوأ أنواع التفكير التبسيطي” و”أي شخص يخبرك بهذه القصص البسيطة يحاول تسويق شيء”.
وفي مكان آخر من كتاب “الحملة الصليبية الأمريكية”، يتحدث هيغسيث في أكثر من موضع عن الهجرة الإسلامية إلى أوروبا بأنها “غزو” بطريقة تحاكي نظريات المؤامرة العنصرية على غرار “الاستبدال العظيم” حول المهاجرين الذين يحلون محل السكان البيض.
وفي مرحلة ما، يحاول ربط ــ كما يقول أحد الخبراء زورا ــ جانبا من جوانب التاريخ الإسلامي بـ”الاستيلاء” المزعوم على أوروبا. ويكتب قائلا: “في دوائر الإسلاميين، هناك مبدأ يعرف باسم الهجرة”، زاعما أن “هذا المصطلح يشير إلى الاستيلاء غير العنيف على بلد غير مسلم”. ويكتب قائلا: “الهجرة هي استيلاء ثقافي وجسدي ونفسي وسياسي وديني في نهاية المطاف. والتاريخ مليء بأمثلة على هذا، ولأن التاريخ لم ينته بعد فإنه يحدث في أكثر الأماكن التي لا يمكن تصورها الآن”.
يتحدث هيغسيث في أكثر من موضع عن الهجرة الإسلامية إلى أوروبا بأنها “غزو” بطريقة تحاكي نظريات المؤامرة العنصرية على غرار “الاستبدال العظيم” حول المهاجرين الذين يحلون محل السكان البيض
ويقدم هيغيسث أمثلة عن هذه الهجرة في الولايات المتحدة زاعما أنه “يسمح للمساجد والمدارس المتطرفة بالعمل. وتسيطر الشرطة الدينية على أقسام معينة من العديد من المدن وتنتشر مجالس الشريعة في الظل. وتمنع الكياسة السياسية المذعنة، أي معارضة للسياسات الكارثية مثل الحدود المفتوحة وعدم الاستيعاب”.
ويستشهد هيغسيث بأدلة غريبة مشيرا إلى بريطانيا “خذ المدن البريطانية لندن وبيرمنغهام وليدز وبلاكبيرن وشيفيلد وأكسفورد ولوتون وأولدهام وروشدايل. ما هو القاسم المشترك بينها جميعا؟ لقد أصبح لها جميعا رؤساء بلديات مسلمون”.
وبالنسبة لهيغسيث: “فقد تعرض البريطانيون للغزو، بدون أن يعرفوا هذا. وفي غضون جيل واحد، وفي غياب تغيير جذري في السياسة، لن تكون المملكة المتحدة موحدة ولا مملكة غربية. لقد انتهى أمرها” كما يقول.
ويضيف قائلا: “يمكن الحديث عن الأمر نفسه في جميع أنحاء أوروبا، وبخاصة بعد سياسات الحدود المفتوحة الكارثية المؤيدة للمهاجرين في العقود القليلة الماضية. فقد فتحت دول مثل ألمانيا وفرنسا والنرويج والسويد وهولندا أبوابها أمام “اللاجئين” المسلمين ولن تعود أبدا لما كانت عليه بسبب ذلك”.
وبناء على رؤية هيغسيث فإن الدول الأوروبية التي لا تقيد الهجرة تتجاهل أن “الإسلام نفسه غير متوافق مع أشكال الحكم الغربية. ومن جانب آخر فالدول التي تريد البقاء حرة تقاتل مثل الجحيم لمنع انتشار الإسلام”.
وترى جاسمين زين، أستاذة علم الاجتماع والدراسات الإسلامية في جامعة ويلفريد لورير، ومؤلفة تقرير بحجم كتاب “صناعة الإسلاموفوبيا الكندية: رسم خريطة لنظام الإسلاموفوبيا في الشمال الأبيض العظيم”، فسرد هيغيسث هو على ما يبدو وكأنه “نظرية مؤامرة معادية للإسلام تشوه ممارسة هجرة الرسول والمسلمين الأوائل من مكة إلى المدينة في عام 622 بعد الميلاد طلبا للأمن من الاضطهاد”. وقد تحولت الفكرة في سرده إلى طريقة لنشر التخويف من الأجانب وفكرة محاولة المسلمين “الاستيلاء على الغرب”. وأضافت زين أن “هذه الأفكار مرتبطة بمؤامرات الاستبدال الديموغرافي للقومية البيضاء ومعدلات المواليد المسلمين في الغرب (المعروفة أيضا باسم “الجهاد الديموغرافي”) والقصص المخيفة حول “الشريعة الزاحفة”، والتي أدت إلى ظهور روايات “صليبية” انتقامية في الثقافات الهامشية اليمينية المتطرفة”.
وفي نقاط أخرى حول الحملة الصليبية الأمريكية، يبدو هيغيسث وهو يحاول جعل المسلمين كبش فداء للمظالم المعروفة لدى المحافظين، وعبر سرد يحاول اقتراح أن المسلمين واليساريين يتعاونون لتقويض أمريكا.
وعندما فاز جو بايدن في عام 2020، توقع هيغيسث بتبني الإدارة سياسة خارجية معادية لإسرائيل ومؤيدة للإسلاميين. إلى جانب إدخال قواعد الخطاب بدلا من حرية التعبير، وداعا للتعديل الثاني” في الدستور الأمريكي. وكذا إدخال “الإشتراكية العارية والحكومة التي تدير كل شيء والتعليم الأساسي للجميع، وجيش الصغير، والإجهاض عند الطلب – حتى بعد الولادة”.
ويبدو هيغيسث مفككا في رؤيته، إذا إنه يعرب عن إعجاب بالتعصب الديني والحماس لدى المسلمين مقارنة مع الغرب العلماني. وقال : “ينشأ كل طفل مسلم تقريبا وهو يستمع إلى القرآن ويتعلم القراءة منه. قارن هذا بمدارسنا الأمريكية العلمانية، حيث لا يوجد الكتاب المقدس في أي مكان، وستدرك لماذا تكون نظرة المسلمين للعالم أكثر تماسكا من نظرتنا”.
وفي محور آخر من الكتاب ينشغل الكاتب بخطبة مطولة حول مجلس العلاقات الأمريكية- الإسلامية (كير)، الذي ظل مصدر إزعاج للمحافظين الأمريكيين منذ “الحرب على الإرهاب”، ويزعم هيغيسث أن الديمقراطيين يساعدون المجلس على ترسيخ أجندة “إسلامية” متطرفة.
ويقول هيغسيث إن “جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين و[كير] قد روجت للمهمة الإسلامية المتطرفة و لعقود من الزمن”، مضيفا: “في العامين الماضيين فقط، وقع أكثر من مئة عضو في الكونغرس – بمن فيهم إلهان عمر وآدم شيف ورشيدة طليب وإليزابيث وارن إيمي كلوبوشار على رسائل تؤيد كير”.
ولم ينس هيغيسث بيرني ساندرز، السناتور عن ولاية فيرمونت الذي زعم أنه “المفضل لدى المسلمين الأمريكيين بسبب دعمه للقضايا الفلسطينية وكراهيته لإسرائيل”. مع أن ساندرز دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، حتى بعد بدء الحرب الحالية في غزة، بينما قال أيضا: “للفلسطينيين الأبرياء أيضا الحق في الحياة والأمن”، ودعا إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وفي الأسبوع الماضي قاد جهودا لتقييد بيع الأسلحة الهجومية لإسرائيل على أساس أنها تنتهك القوانين الدولية للحرب. وقد أثارت بعض مواقف ساندرز منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، انتقادات في معسكر اليسار، الذي رأى أنها لا تنتقد إسرائيل بشكل كاف ولا تدعم فلسطين بما فيه الكفاية.
وفي الوقت نفسه، وكما ورد سابقا في صحيفة “الغارديان”، يدعم هيغسيث إسرائيل دون قيد أو شرط، ويزعم، على ما يبدو أن الجيش الأمريكي يجب أن يتجاهل اتفاقيات جنيف لصالح “الفوز بحروبنا وفقا لقواعدنا الخاصة”. ويقول هيغيسث في كتابه “الحملة الصليبية الأمريكية” إن قادة كير يتحدثون بشكل إيجابي عن ساندرز لأن “يساريته المتشددة توفر أفضل بوابة لإسلاميتهم”.
- القدس العربي