ترجّل الحلم.. بعدما أصاب حيناً، ونبا عن الهدف حيناً.. شأن كلّ حلم، يصيب ويخيب.. يُوارى الثرى بعد ساعات، ولكنه لن يغيب.. فقد تمرّد على ثابت اللغة في حياة السوريين؛ طوّعها لتكون حكاية سورية أقرب للعقول والقلوب، لأنه أحد كبار الحالمين، بل أجمل ما تنطق به ألسنتهم في سورية الحلم..
فليسِرْ حالمو سورية خلف نعشك اليوم.. شامخين، ومحزونين.. يستلهمون مسيرة نضالك الطويلة..
ويجلّ الخطب بفقدك لتجدهم في سرادق بحجم البلاد التي عملت لها جلّ حياتك، وعانيتَ الاعتقال ومرارة البعد عن الوطن، وما وهنت.. وليكبر حلمهم ويتبرعم في الشتات، عزاؤهم أن كلماتك لن تموت، ووصاياك التي استُجمعت حين أزف الرحيل، ستكون هادياً في شِعاب الطريق الوعرة، ومنارة أشرعة الظافرين في خضمّ بحار التيه..
كسرتَ برحيلك لغة العزاء.. فما عادت للتباكي والبكاء.. وَسْمُك وصدى حكاياتك، نفضَ عنها “غبار التعب”.. استنهض روحها، وشرّد حزنها ودموعها لتتّسق همّةً تعرف هدفها، وإصراراً لا تثنيه الصعاب..
ميشيل كيلو.. من أجل سورية الحرّة الديمقراطية المدنية التعددية لم تثقل كاهلك الثمانون، وبقيت مثالاً للعزم الذي لا يلين، والحيوية التي تعافُ الركون.. سياسياً ومفكّراً وكاتباً ومحاوراً.. فكنت في كلّ المواقع والوقائع فاعلاً ومفعّلاً.. اختلفت مع كُثر، واتفقت مع كثر.. ولك من الخصوم أكثر مما لك من الحلفاء.. وما كنت تحمل للجميع إلا الودّ والاحترام وأخوّة الطريق ووحدة الهدف إلى سورية المشتهاة.. تلتقيهم وتبادلهم قناعاتك ورؤاك، وما استعديت أحداً أو أقصيتَ أحداً.. فلا عجب اليوم من وقوف الجميع استعداداً لوداعك.. وتكريمك والاحتفاء بك، ككلّ رموزنا، يتمّ في غيابك، وبعدك عن سورية التي أفنيت عمرك منافحاً عن حرّيتها في وجه الطغاة والمستبدّين أعداء الحياة..