يرى الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض والمجلس الوطني السوري، جورج صبرا، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن التصريحات التركية الأخيرة بشأن المصالحة لم تكن أمرا مفاجئا، معتبرا أنّ الحديث عن المصالحة يُعدّ انتهاكا خارقا للعملية السياسية التي أقرّتها القرارات الأممية.
س-ما قراءتك السياسية للتغيّر في الموقف التركي خاصة بعد تصريح وزير الخارجية حول “المصالحة”؟
ج – لم تكن التصريحات التركية الأخيرة بخصوص الشأن السوري مفاجئة، فقد جاءت في مسار انسيابي ومتدرج، ووضوحه أكبر من أن يغطى ، وليس غير الواهم من يعتقد بثبات الدول على سياساتها مع تغير الظروف، فالمصالح الدائمة هي الثابت الأكبر في سياسات الدول .وفي هذه الانعطافة التركية تثمير لمسار أستانا – سوتشي الذي سيق إليه السوريون دون أن يكون لهم في جولاته المكوكية الفارغة ناقة ولا جمل ، ومن يتصور غير ذلك من مسار اخترعه الروس وأداروه بمشاركة الإيرانيين لتعطيل مسار جنيف التفاوضي وللتطاول على العملية السياسية وحرفها عن مسارها، هو واهم .
-لكن المفاجئ حقاً كان الذهاب فوراً إلى ” المصالحة ” فيه انتهاك فاضح للعملية السياسية وفق القرارات الأممية التي كانت موضع توافق وإجماع دوليين . من هنا يمكن فهم الانتفاضة الشعبية والمظاهرات التي واجهت هذا الطرح ، وتفسير سرعة انطلاقها في 25 مدينة وبلدة وحسمها للموقف الرافض لطروحات كهذه بغض النظر عن مصدرها ، ولاحظ الجميع أن السياسة التركية في الفترة الأخيرة تعرضت للعديد من التحولات والتغيرات لدرجة الاستدارة، فتركيا دولة هامة من دول الشرق الأوسط تلعب أدواراً ملحوظة في العديد من قضايا المنطقة، وتقف في الوقت نفسه على تقاطع الطرق بمسارات الصراع الدولي . وموقفها الجديد فيما يتعلق بسورية والسوريين هو حصيلة الضغوط الداخلية الاقتصادية والسياسية والانتخابية ، ومن دوافع الاصطفاف الجديد ما فرضته الحرب الأوكرانية على العديد من الدول . فالاستقطاب الحاد قائم والتبدلات في السياسات والمواقف لا بد منها وتركيا من أكثر الدول عرضة لذلك .
س-بعد كل هذا التخريب والدمار والثمن الذي دفعه الشعب السوري، هل يمكن الحديث عن مصالحة مع النظام خاصة بعد تعنته ورفضه الامتثال القرارات الدولية وخاصة القرار 2254؟
ج – بوجود القرارات الأممية وبغير وجودها ليس في الحديث عن ” المصالحة” منطق أو سياسة ، فحجم الانتهاكات التي قام بها النظام خلال أحد عشر عاماً ، وتلك الجرائم الموثقة بالصوت والصورة التي صارت بحوزة المجتمع الدولي مثل استخدام الكيماوي والبراميل المتفجرة وملف قيصر ومجزرة ” التضامن ” تجعل الحديث عن المصالحة مدعاة إلى السخرية والاستهتار بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وبمنظومة حقوق الإنسان بكاملها، فليس غير إنصاف الضحايا وضمان عدم الإفلات من العقاب للمجرمين يمكنه أن يحقق الأمن والاستقرار والديمومة التي تنشدها أي عملية سياسية، فالمحنة السورية كبيرة والجرائم الموصوفة والمرتكبة لا سابق لها ، والحديث عن المصالحة استخفاف بحياة الناس وهدر لحقوق الشعوب، فتنفيذ العملية السياسية بمندرجاتها في القرارات الأممية وحده ما يمكنه أن يحمل السلام إلى سورية .
س-تتبادل قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية في شمال سورية القصف منذ أيام بعد شبه هدنة.. هل تقدر تركيا على شن عملية عسكرية شمال سورية في ظل الرفض الروسي-الأمريكي- الايراني ، وبأي ضمانات، سيما وأنها تتوعد بعملية مفاجأة؟
ج- – من الواضح أن إيقاع العملية التركية الموعودة في شمالي سورية قد انخفض إعلامياً وسياسياً وعملياتياً في الميدان، وبدا ذلك واضحاً بعد قمة طهران بين الرؤساء بوتين ورئيسي وأردوغان ، وتأكد ذلك بعد القمة الثنائية الروسية – التركية التي أعقبت قمة طهران بأيام قليلة، وحلفاء الرئيس التركي في الناتو معارضون لها وكذلك شركاؤه في مسارات أستانا وسوتشي، ويبدو أن مقايضةً ما ( وما أكثر المصالح المتبادلة والمقايضات ) قد تحل محل هذه العملية العسكرية .
س- سيد جورج.. بات مخيم الهول الذي يضم عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشمال الشرقي بمثابة القنبلة القابلة للانفجار في أي وقت خاصة مع تقاعس المجتمع الدولي في حث الدول وإجبارها على استعادة رعاياها من هناك .. كيف يمكن تكثيف الضغط والتحرك إقليميا ودوليا لحلحلة أزمة المخيّم وإفراغه برغم وجود مبادرة لمسد لذلك الهدف؟
ج- ليست قضية مخيم الهول وحدها التي تضغط وتستوجب التحرك، فهناك مخيم الركبان أيضاً عند نقطة التقاء الحدود العراقية الأردنية السورية الذي تحول إلى جحيم يفتقر إلى أبسط أسباب الحياة . ومن الغريب أن المؤسسات الأممية ومنظمات الإغاثة وحقوق الإنسان لا تعطي الأهمية اللازمة لإنقاذ الناس في كلا المخيمين ، وهذا ما يستوجب إثارة موضوع المخيمين وخاصة مخيم الهول الذي يعني الأوروبيين بشكل خاص سياسياً وإنسانياً بسبب رعاياها المتواجدين أولاً ، ثم من أجل جميع السكان في المخيمين . والخشية كل الخشية أن تصبح هذه المخيمات وبسبب الإهمال والأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس أرضاً خصبة للمنظمات الإرهابية لتعيد بناء نفسها وأساليب عملها باستغلال الظروف المريرة في المخيمين.
جورج صبرا : فشل المسارات السياسية في سورية كان واضحا منذ البداية والبديل موجود
جورج صبرا: الخلل بالائتلاف عاهة ولادية وهو مشروع دولي صُنع بمشاركة بعض السوريين لإنهاء المجلس الوطني السوري
ينتقد الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض والمجلس الوطني السوري جورج صبرا، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، مشروع الائتلاف الذي يعتبره من صنع جهات دولية، مقرّا بفشل مختلف المسارات السياسية التي شوّهتها روسيا، لافتا إلى أنّ البديل موجود يتمثّل في مباشرة العملية السياسية بتنفيذ القرارات الأممية من بيان جنيف 1 .
س- ترأستم الائتلاف الوطني المعارض عام2013، ما الخلل في هذا الجسم المعارض الأكبر، وهل تتمثل أولى عوائق نجاح الثورة في غياب وجود قيادة حقيقية لإنجاح الثورة؟
ج- الخلل بالائتلاف عاهة ولادية ترافقه منذ يوم نشأته، فهو مشروع دولي صنعته الدول بمشاركة بعض السوريين بهدف إنهاء المجلس الوطني السوري الذي تمتع بدعم الثورة ونشاطاتها في الداخل عبر مظاهرات جمعة ” المجلس الوطني يمثلني” مما دفعه إلى التشدد في المواقف والتمسك بأهدافها محافظاً على القرار الوطني المستقل.
وزادت في تشوه بنية الائتلاف الكيفية والاستنسابية التي تمت بموجبها التوسعات المتتالية التي غيرت بنيته وأدت إلى نزيف الانسحابات منه فخسر نخبة من المثقفين والسياسيين ونشطاء الثورة مما غير بنيته السياسية والثورية وحوله إلى منصة بأيدي الدول، وإلا كيف نفهم أنه رفض الذهاب إلى سوتشي والمشاركة في مؤتمرها، لكنه التزم بتنفيذ مخرجاتها والعمل في إطار اللجنة الدستورية، وهي أبرز مخرجات سوتشي ؟
-من دون شك كان فشل الثورة في تشكيل قيادة حقيقية لها من الأسباب الجوهرية لما وصلت إليه، ومن المؤسف أن المنظمات الشبابية التي قادت المظاهرات وفعاليات الثورة المختلفة مثل ” لجان التنسيق المحلية – الهيئة العامة للثورة – المجلس الأعلى لقيادة الثورة ” تعرضت سريعاً للخلافات الحادة والانقسامات وبالتالي للعطالة والخروج من دائرة الفعل، وهي المعول عليها في تشكيل قيادة للثورة ومؤسساتها، دون أن نعفي السياسيين في المجلس الوطني والائتلاف والضباط المنشقين من مسؤولياتهم عن هذا العجز .
س-هل فشلت المعارضة في منع التوريث ؟
ج-أذكر عندما تم توريث السلطة من حافظ إلى بشار عام 2000 ، أن التجمع الوطني الديمقراطي وهو أكبر تحالف لأحزاب المعارضة في ذلك الوقت ، أصدر بياناً قال فيه : برغم رفضنا للطريقة التي تم فيها انتقال السلطة وتوريثها ، إلا أننا مستعدون لتفهم ذلك إذا كان بسياق عملية تغيير ديمقراطي في حياة البلاد، خاصة أن الرئيس الجديد أشار في خطاب القسم إلى ضرورة الانتباه إلى ” الرأي الآخر ” ، واعتبرت هذه الفكرة إيجابية، فاندفع المعارضون في نشاطات ” ربيع دمشق ” والمنتديات ، لكن سرعان ما كشف النظام عن وجهه الحقيقي بأنه استمرار للدولة التسلطية الأمنية التي استقرت عبر وظيفتها الإقليمية لثلاثة عقود.
واستمر التجديد لبشار الأسد في أربعة مواسم انتخابية . فوظائف النظام وأدواره كانت عند الدول أثمن من حق الشعب السوري في حياة حرة ديمقراطية عبر دولة مواطنة وسيادة القانون يتساوى فيها الجميع كما أرادته الثورة في شعارها الأول “سورية بدّا حرية ” .
س-مسارات كثيرة شهدتها الأزمة السورية كلها آلت إلى الفشل وآخرها مسار اللجنة الدستورية المعطلة أعمالها.. لماذا فشلت مختلف المسارات، وهل من الممكن اليوم بعد 11 عاما إيجاد بديل لها؟
ج-البديل موجود بالتأكيد ، وهو مباشرة العملية السياسية بتنفيذ القرارات الأممية من بيان جنيف 1 لعام 2012 حتى القرار 2254 عام 2015 . ففشل تلك المسارات كان واضحاً منذ البداية لأنها – وكما أرادها الروس – تمت خارج العملية السياسية، فهي لم تحصل على ثقة السوريين في مساراتها، ولم تحصل على التوافق الدولي المطلوب لإقرار أي عملية سياسية وتنفيذها ، وبقيت اللجنة الدستورية تطحن الهواء منذ تشكيلها عام 2019 .
س-السيد جورج .. كنتم من بين المعتقلين.. من يتحكم في خيوط هذا الملف الشائك، وماحقيقة الحديث عن مبالغ ضخمة- أي فدية- مقابل الإفراج عن معتقلين في سجون النظام؟
ج- مكتب الأمن القومي والأجهزة الأمنية المتعددة والمنتشرة في جميع المحافظات والمناطق.. بدأت عمليات ابتزاز الأهالي منذ بداية الثمانينات عندما غصت السجون بالمعتقلين، حيث كان سجن تدمر رمزاً للمحرقة المستمرة أو المقبرة الجماعية لنزلائه الذين اعتبروا أحياءً وأمواتاً في الوقت نفسه . فالداخل مفقود والخارج مولود . وكانت سبائك الذهب تصل إلى بيوت ضباط الأمن من أجل توفير زيارة أو مراعاة في أثناء التحقيق . وأذكر عام 1987 عندما كنت في فرع الأمن الداخلي بدمشق ، كان بالفرع مهجعا لسجناء قدامى أبقاهم محمد ناصيف سنوات في الفرع ولم يرسلهم إلى طاحونة الموت في سجن تدمر حفاظاً على حياتهم ، وضماناً لاستمرار ابتزاز الأهل الذين قبلوا شاكرين افتداء أبنائهم بأي ثمن لإنقاذهم من موت محقق ، غير أن للسجن في زمن الثورة طعماً آخر، فكل أنواع الانتهاكات قائمة واحتمالات الموت واردة دائماً ، وفي سجون المخابرات الجوية أبشع صورة لأبشع ممارسات .
“المرصد السوري”