تتوسع الهوة بين الإدارة الجديدة في دمشق التي يقودها أحمد الشرع من جهة ومحافظة السويداء من جهة أخرى، والتي بدأت في الهجوم على عبيدة أرناؤوط المتحدث باسم الإدارة السياسية عندما أطلق تصريحات اعتبرها عشرات آلاف السوريين بانها غير لائقة. وما كاد السوريون ينسون تلك التصريحات حتى أعلنت وزارة التربية تغييرات كارثية على كتب التعليم في الوزارة، ما دفع الحكومة إلى التراجع عنها، وعاد السخط على الحكومة بسبب قرار نقابة المحامين بتوقيف إصدار عدد من الوكالات.
في ساحة الكرامة بالسويداء، خرج المئات من أهالي المدينة يوم الجمعة الفائت، في مظاهرة احتجاجية على عدة قرارات أصدرتها حكومة تصريف الأعمال التابعة للإدارة السورية الجديدة، وحمل المتظاهرون لافتات تطالب بحقوق المرأة وتشيّد بدورها، ولافتات أخرى مطالبة بعدم إجراء تعديلات غير مدروسة وواعية للمناهج الدراسية، وكتب على إحدى اللافتات «لا لتديين وتطييف المناهج الدراسية وخاصة العلمية»، كما طالب المتظاهرون الإدارة الجديدة بالتعددية، واحترام التنوع الديني والعرقي في سوريا، وعدم إعادة تدوير الزعامات الدينية والشخصيات العشائرية التي استخدمها سابقا نظام الأسد المخلوع.
وعلى الصعيد النقابي، رفض فرع نقابة المحامين في السويداء قرارات النقابة المركزية في سوريا، الصادرة في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، القاضية بـ«وقف سند التوكيل العام والوكالات القضائية بكافة أنواعها، عدم منح صورة طبق الأصل عن الوكالة القضائية والاكتفاء بالوكالة الأصلية» وأثار القرار جدلا واسعا وانتقادات من قبل عموم المحامين في سوريا، وبعد نشر نقابة المحامين في سوريا القرار على صفحتها على «فيسبوك» علق مئات المحامين اعتراضا على القرار، وما أثار الغضب هو رد مدير الصفحة على المنصة وسخريته من المحامين واتهامهم بتفضيل العودة «لعهد الفساد والرشاوى».
وأعلن فرع نقابة المحامين في السويداء «عدم قبوله بكل القرارات الصادرة عن مجلس نقابة المحامين المؤقت» وإعلام المحامين في الهيئة العامة لفرع نقابة المحامين في السويداء «بتنظيم أي سند توكيل وعلى المسؤولية الشخصية لأعضاء مجلس الفرع». وأضاف الفرع أنه سيعمل على «تسليم موظفي النقابة رواتبهم وتسليم الزملاء المحامين حصصهم من صندوقي التعاون والإسعاف وحصة المحامي من الحد الأدنى للوكالات القضائية» في حال الإفراج عن الحسابات المصرفية. كما رفض فرع السويداء أن يكون مصدر رزق المحامين «رهينة قرارات عشوائية وجائرة وغير مدروسة ومخالفة لقانون تنظيم المهنة». حسب نص البيان. وأشار مجلس فرع نقابة المحامين في السويداء إلى أن مجلس النقابة المؤقت «لا يملك اتخاذ القرار بحل وإلغاء أي من مجالس الفروع ولا تعيين بدلاء عنها، كما لا تملك هذا الحق الحكومة المؤقتة باعتبارها حكومة تصريف أعمال».
وفي سياقٍ متصل، أعادت فصائل السويداء المسلحة ليلة رأس السنة، رتلاً عسكريًا تابعًا لهيئة تحرير الشام، و«جهاز الأمن العام» كان قد توجه من دمشق ووجهته إدارة شرطة محافظة السويداء، وحسب ما أفاد به مصدر محلي، فإن الرتل عاد من حيث أتى بدون أي اشتباكات، وتجاوب مع مطالب فصائل السويداء بكل هدوء، وأضاف المصدر أن قرار رفض دخول الرتل صدر عن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، والذي يرفض تسليم سلاح فصائل السويداء للإدارة الجديدة حسب ما أعرب عنه في لقاء تلفزيوني عقب إعادة رتل إدارة العمليات، وقال الهجري في اللقاء، «الحديث عن تسليم السلاح مبكر جدًا، وهو مرفوض في المرحلة الحالية حتى كتابة دستور جديد ضامن لحقوقنا».
وكان وفد إدارة العمليات التابع للإدارة الجديدة قد التقى الرئيس الروحي للموحدين الدروز الثلاثاء الماضي، للتنسيق والعمل على ضبط السلاح المنفلت، والحد من حالات السرقة والنهب في المدينة، إلا أن الشيخ الهجري أعرب للوفد عن رفضه لتدخلات الإدارة الجديدة في الفترة الحالية، وقال حسب ما نقله مركز إعلام السويداء، «نحن مسؤولون عن ضبط الأوضاع العسكرية أو الإدارية أو المدنية، في مناطق الموحدين الدروز، ريثما يتم بناء دولة بشكل تشاركي تضم كل ألوان وأطياف الشعب السوري».
وأشار الرئيس الروحي للموحدين الدروز إلى أن زمن التعيينات كما كان في عهد النظام قد انتهى، مؤكدا على أن السويداء لديها كوادر وكفاءات قادرة على إدارة المدينة.
ولفت الهجري إلى أن بناء الدولة الجديدة يجب أن يكون تشاركيا، بناء على أن سوريا ليست لونًا واحدًا وكافة الألوان تتواصل، ومع مباركته للإدارة الجديدة، أكد على انه لم يتم الوصول إلى سلطة الدولة.
إلى ذلك، لا تزال الفصائل المسلحة في السويداء على تواصل مع الإدارة الجديدة فيما يخص تعيين محسنة المحيثاوي كمحافظة للمدينة، إلا أن الإدارة الجديدة لم ترد على المطالبات على الرغم من إجراء مشاورات عدة بين الزعامات الدينية والوجهاء من جهة، والإدارة في دمشق من جهة أخرى.
وتعتبر السويداء بما تحمله من خصوصية مرتبطة بطائفة الموحدين الدروز، من أبرز الملفات المعقدة التي ستتعامل معها الإدارة السورية الجديدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى مشابهة من حيث التعقيد والخصوصية ولا سيما سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على شمال شرق البلاد.
بموازاة ذلك، أطلقت إدارة العمليات بمشاركة قوات «الأمن العام» الخميس الفائت حملة أمنية في مدينة حمص تستهدف من وصفتهم إدارة العمليات بمجرمي حرب وفلول النظام السابق، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن إدارة العمليات ألقت يوم الخميس القبض على ما يقارب من 25 شخصا منهم عناصر سابقين في قوات النظام وهم مطلوبون لمراكز التسوية التي أطلقتها الإدارة الجديدة لعناصر الجيش والأمن التابعين للنظام المخلوع.
وحسب مصادر مقربة من إدارة العمليات فإن الحملة أسفرت عن إلقاء القبض على عدد من الأشخاص المتورطين في مجزرة حي «كرم الزيتون» التي وقعت في آذار (مارس) 2012، وأضافت المصادر أن قوات الأمن العام تمكنت من إلقاء القبض على محمد شلهوم المتهم بسرقة ملفات سجن صيدنايا، وتعطيل كاميراته قبيل إعلان سقوط النظام، وهروب رئيسه بشار الأسد، كما اعتقل إثر الحملة الضابط أحمد زكريا عبد القادر، أحد ضباط سجن دير الزور العسكري.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» قد نقلت عن مصدر عسكري في الإدارة الجديدة أن الحملة «تستهدف بشكل رئيسي مجرمي الحرب والفارين من قبضة العدالة، بالإضافة للبحث عن الأسلحة والذخيرة المخبأة»، وأضاف المصدر أن الحملة أتت «استكمالاً لحملة تمشيط حمص، ودخلت أحياء السبيل والزهراء والعباسية والمهاجرين».
الجدير بالذكر، أن الحملة الأمنية للإدارة الجديدة ضد فلول قوات النظام المخلوع بدأت عقب مقتل ما يقارب 14 عنصرا من قوات الأمن العام بكمين لفلول النظام في «خربة المعزة» بريف طرطوس في 25 من الشهر الماضي.
من جهة أخرى، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي فجر الجمعة الماضي، مستودعات لمعامل الدفاع، والبحوث العلمية في منطقة الواحة بريف السفيرة شرق حلب، وأكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عملية القصف وذكرت أن غارة جوية استهدفت معامل الدفاع في السفيرة بريف حلب الشرقي، وقالت مصادر محلية من المنطقة أن سبعة انفجارات قوية جدا هزت المنطقة فجر الجمعة جراء استهداف طائرات لمعامل الدفاع في السفيرة.
بالمقابل قالت وكالة «الأناضول» نقلا عن مصادر محلية، إن عملية إنزال جوي نفذته القوات الإسرائيلية على منطقة السفيرة، ترافق مع سماع أصوات اشتباكات، وتحدثت عن سقوط قتلى وجرحى من دون ذكر أي تفاصيل إضافية.
وكان سلاح الجو الإسرائيلي قد استهدف قبل يوم واحد من قصف معامل الدفاع والبحوث العلمية في السفيرة، مقر اللواء 90 في منطقة سعسع بريف دمشق.
وكشف الجيش الاسرائيلي النقاب عن تفاصيل الانزال الجوي (الأبرار) الذي نفذه جنوب مدينة مصياف في أيلول (سبتمبر) 2024، وزاد المتحدث باسم الجيش «داهم ودمر أكثر من 100 مقاتل من وحدة شلداغ الخاصة قبل أربعة أشهر موقعا تحت الأرض لإنتاج الصواريخ الدقيقة في عمق سوريا».
ووصف رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هليفي، العملية العسكرية بانها «بطولية» واعتبرها جزءا من العمليات الممتدة من غزة إلى لبنان مرورا بسوريا وصولا إلى إيران.
وبث الجيش الإسرائيلي مقاطع مصورة لمروحيات إسرائيلية لحظة اقلاعها وتحركها باتجاه مصياف، إضافة إلى لقطات للجنود في محيط المنشأة التابعة للبحوث العلمية السورية والتي كانت مخصصة لإنتاج الصواريخ الدقيقة بواسطة خبراء إيرانيين. كما نشر جيش الدفاع مقاطع مصورة داخل المنشأة ولحظة عثورها على خلاط الوقود وأربع محركات للدفع.
وحسب الشريط المصور فإن قوات النخبة الإسرائيلية تجولت في المكان بشكل كامل وعثرت على وثائق ورقية جرى نقلها إلى تل أبيب.
وأكد الناطق العربي باسم الجيش الإسرائيلي أن المركز وضع تحت المراقبة منذ العام 2017 حيث بدأت أعمال الحفر والبناء والتي انتهت عام 2021. واستغرق تجهيزه ثلاث سنوات أخرى، ما يعني أن خطوط الإنتاج ما زالت قيد التجريب أو أنها حديثة للغاية. وشدد على أن هذا المجمع كان «مخصصا لتسليح حزب الله بمئات الصواريخ والقذائف الصاروخية سنويا».
إلى ذلك يضاف توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متعددة في محافظة القنيطرة جنوب غرب سوريا، وإذا ما ربط التحرك البري مع القصف الجوي المستمر ضد مستودعات الصواريخ ومراكز البحوث العلمية ومستودعاتها فذلك يعني أن العدوان الإسرائيلي لن يتوقف ضد سوريا بحجة وجود السلاح الكيميائي، وهذا ما يجب أن يدفع بالإدارة السياسية مخاطبة منظمة حظر السلاح الكيميائي والطلب منها إرسال بعثتها الخاصة بسوريا وفتح كل مستودعات الأسلحة والمراكز التي جرى تدميرها أو تلك المستثناة من القصف الإسرائيلي حتى اليوم، عدا عن ذلك فإن القصف الجوي لن يتوقف وما تزال الدبابات تتحرك على سلاسلها.
- القدس العربي