لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته ناتالي إليسون، قالت فيه إن مقترح الرئيس دونالد ترامب للسيطرة على غزة أحبط مؤيديه العرب الأمريكيين.
وسواء كان ترامب قادرا على الاحتفاظ بهؤلاء المؤيدين الجدد أم لا، فقد تكون له تداعيات على السباقات الرئيسية ليس على مستوى الولاية، ولكن أيضا على الائتلاف الهش الذي جمعه الحزب الجمهوري لكسب الأصوات العربية الأمريكية.
فقد تجمعت مجموعة من اللبنانيين الأمريكيين المتقاعدين في نفس المكان الذي يجلسون فيه بعد ظهر كل يوم، كراسي مركز التسوق في أرضية فيرلين تاون سنتر بديربورن. وكان علي حمود، 77 عاما، لا يزال غاضبا مما قاله الرئيس ترامب قبل أيام عن سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وطرد سكانه المتبقين وتسهيل إعادة تطويره باعتباره “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وكان حمود من بين الديمقراطيين القدامى الذين ساعدوا ترامب على الفوز بهذه المدينة ذات الأغلبية العربية الأمريكية خارج ديترويت، ودعموه لأول مرة في تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب استيائهم من دعم جو بايدن وكامالا هاريس للحرب واستمرارهم في تقديم المساعدات لإسرائيل. والآن، يتساءل بعض الناخبين العرب الأمريكيين هنا الذين ساعدوا ترامب في استعادة ميشيغان عما إذا كانوا قد خدعوا بوعوده بإنهاء للحرب التي خلفت دمارا هائلا في غزة.
يتساءل بعض الناخبين العرب الأمريكيين الذين ساعدوا ترامب في استعادة ميشيغان عما إذا كانوا قد خدعوا بوعوده بإنهاء للحرب التي خلفت دمارا هائلا في غزة
وقال حمود، وهو واحد من أكثر من 12 شخصا أجريت معهم المقابلات، في حالة من الذهول: “بدلا من مساعدتهم في بلدهم، يريد أن يجعل منها “ريفييرا” ويطرد جميع الفلسطينيين”، قبل أن يستدرك ويقول إن خطة ترامب “لن تتحقق أبدا”، وأضاف: “مستحيل”.
ومع ذلك ليس نادما على التصويت لترامب العام الماضي. وأضاف “ما زلت أحبه بطريقة ما” و”هو جيد لأمريكا، ولكنه رديء في سياسة الشرق الأوسط”.
ومع ذلك اعتقد الذين تحدثت إليهم “واشنطن بوست” بأن ترامب أطلق تصريحاته كحيلة تفاوضية وإن كانت خالية من الحساسية وغير مستساغة.
أما الآخرون فيرون أنه خدع أنصاره العرب الأمريكيين الجدد، عندما أغراهم بضمانات السلام واحترام الفلسطينيين، فقط لتنفيذ أوامر إسرائيل. وعلى نطاق واسع، حتى أولئك غير الراضين عن إعلانه الأخير ما زالوا يعطون ترامب الفضل في تحقيق وقف إطلاق النار، وأصروا على أن انتخابه عجل بعملية كانت لتستغرق وقتا أطول لولا ذلك.
ووصل ترامب إلى البيت الأبيض بتعهد أنه سيكون نصيرا لإسرائيل وأكثر من سلفه جو بايدن. ولكنه حث في الوقت نفسه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف النزاع. وهدد حماس بأنه سيكون هناك ثمن باهظ لو لم تطلق سراح الأسرى المتبقين في الأسر قبل يوم تنصيبه.
وعمل مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف مع فريق بايدن المنتهية ولايته للمساعدة في التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار الذي هدأ القتال في 19 كانون/يناير، قبل يوم من عودة ترامب الثانية.
وجلس سام هاشم، 85 عاما، بجوار حمود على أريكة المركز التجاري، وحرك حبات مسبحته البرتقالية بين أصابعه. هاشم، الديمقراطي مدى الحياة، صوت أيضا لصالح ترامب لأول مرة في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكنه لا يشعر بالارتياح حيال ذلك الآن. وقال هاشم: “أنا لا أحبه. لقد تحدث بشكل لطيف قبل أن يدخل. قال الجميع إنه يصنع السلام، ولا يريد المزيد من الحروب، ولا المزيد من المشاكل. لكنه كاذب”. وعلى مقعد قريب، كاس هاشم، 60 عاما وهو نقابي طوال حياته وديمقراطي ولم يصوت لهاريس بل ومنح صوته إلى زعيمة حزب الخضر جيل ستين.
وفي غرفة الاجتماعات في الطابق الرابع من مجمع مكاتب في ديربورن، قالت فاي نمر، 39 عاما، إن موقف ترامب بشأن غزة لم يكن متوافقا مع وعود “السلام والكرامة” التي قطعها لمجتمعها في الخريف. وصوتت هي أيضا له في تشرين الثاني/نوفمبر ولأول مرة، مع أنها دعمت بايدن والديمقراطيين في الماضي.
وبصفتها الرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي مجموعة أعمال مقرها ديربورن تسعى إلى تعزيز التعاون بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والولايات المتحدة، فقد ساعدت على تنظيم اجتماعات لحملتي هاريس وترامب مع قادة الأعمال العرب الأمريكيين المحليين.
وصل ترامب إلى البيت الأبيض بتعهد أنه سيكون نصيرا لإسرائيل وأكثر من سلفه جو بايدن. ولكنه حث في الوقت نفسه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف النزاع
وقالت نمر: “الأمر أشبه بالقول: اقتلع 2.9 مليون شخص في كييف، أوكرانيا، لمجرد وجود دمار هناك” أو “ضحايا إعصار كاترينا، تخيل إخبار الأمريكيين أنه لا يمكنكم العودة إلى مجتمعكم لأن إعصارا دمر منازلكم أو دمر البنية التحتية”.
كانت نمر لا تزال تأمل في أن يتراجع ترامب عن الاقتراح. وزعمت أنه إذا فازت هاريس، “لن يتبقى أي فلسطينيين للطرد” لأنها ستواصل دعم الإبادة الجماعية.
وتساءلت عن سبب قيام إدارة ترامب “بتقويض ورفض الزخم الذي بنته” مع الأمريكيين العرب. وقالت نمر: “إذا استمروا في هذا المسار المتمثل في تنفير هذا الجزء من القاعدة الانتخابية، أعتقد أنه سيعود ليطاردهم خلال دورة الانتخابات المقبلة”.
وتقول إن الصراع في غزة ليس مسألة جدلية للعديد من العرب الأمريكيين في ديربورن. كما عانت عائلة نمر في لبنان، التي هاجرت منها إلى الولايات المتحدة في سن العاشرة، من الخسارة. فقد قتل طفل ابنة عمها البالغ من العمر 6 سنوات خلال الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان. وقالت نمر إن الفلسطينيين وسيادة لبنان أصبحا “خطا أحمر” في الانتخابات.
وفي أيلول/سبتمبر استقبلت مجموعة نمر مستشارين من فريق هاريس في نفس قاعة الاجتماعات التي استقبلت فيها مراسلة “واشنطن بوست”. وقالت نمر إن ممثلي الحملة بدأوا الاجتماع بالقول بصراحة إنهم لا يستطيعون الالتزام بإجراء أي تغييرات على سياسة هاريس بشأن إسرائيل وغزة. وكانت المشاعر متوترة، ففي الليلة السابقة، أيدت ليز تشيني، التي كان والدها من أبرز المؤيدين للغزو الأمريكي للعراق، هاريس. وكان أحد قادة الأعمال الذين حضروا الاجتماع قد فقد أفرادا من أسرته المباشرة في ذلك الصباح في غزة. وقالت نمر إن زعيمة أخرى أغلقت دفتر ملاحظاتها ونهضت للمغادرة بعد الملاحظات الأولية من فريق هاريس، وتم حثها على البقاء.
وبعد شهر ونصف، كان الاهتمام بعقد اجتماع مع فريق ترامب ضروريا للغاية، لدرجة أنهم اضطروا إلى نقله إلى غرفة أكبر، كما قالت نمر. حضر حوالي 40 من القادة العرب الأمريكيين المحليين للاستماع إلى مسعد بولس، رجل الأعمال الأمريكي اللبناني ووالد زوجة أصغر ابنة ترامب، تيفاني. بعد فترة وجيزة، وقبل أيام قليلة من الانتخابات، وعد ترامب مرة أخرى بتأمين السلام الدائم خلال زيارة لمطعم مملوك للبنانيين في ديربورن. وقالت نمر إن هذا الجهد أثار إعجاب العرب الأمريكيين في المنطقة. فقد فاز ترامب بديربورن وديربورن هايتس بعد خسارتهما في عامي 2016 و2020، وشهد مكاسب في مجتمع هامترامك العربي الأمريكي المجاور.
وقالت نمر: “قد يكون هناك انفصام بيننا، ما هي رؤيته للسلام مقارنة برؤية مجتمعنا للسلام؟ إن رؤية مجتمعنا للسلام هي أنه لا يوجد طريق للسلام ما لم تكن هناك دولة فلسطينية ذات سيادة”.
ولا يزال القادة العرب الأمريكيون المحليون الذين التقوا بفريق ترامب أثناء الحملة يعملون على نقاط الاتصال الخاصة بهم بقدر ما يستطيعون، على أمل أن تأخذ إدارة ترامب تحذيراتهم على محمل الجد.
ولم يستجب رؤساء البلديات المسلمون في ديربورن هايتس وهامترامك، الذين أيدوا ترامب وشاركوا في حملته الانتخابية هذه، لطلبات التعليق. ولم يستجب أيضا عمدة ديربورن، الذي رفض إصدار تأييد في الانتخابات وكان ينتقد سياسات بايدن بشأن الحرب.
ترامب لا تزال لديه فرصة لتغيير المسار والحفاظ على دعمه من العرب الأمريكيين في ميشيغان
وقال ألبرت عباس، الذي استضاف ترامب في ديربورن في تشرين الثاني/نوفمبر في مطعم عائلته اللبنانية، إن تعليقات ترامب الأخيرة كانت “مثيرة للقلق”، لكنه يعتقد أن ترامب لا تزال لديه فرصة لتغيير المسار والحفاظ على دعمه من العرب الأمريكيين في ميشيغان. وقال عباس: “فاز بسبب الشعبية وليس الغالبية وستعتمد الانتخابات المقبلة، سواء كانت انتخابات نصفية أم رئاسية وبشكل كبير على الخطوات المقبلة التي يتخذها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في غزة ولبنان”.
وقد صدم عندما رأى ترامب يتلقى بكل سرور لوحة ذهبية لجهاز البيجر من نتنياهو هذا الأسبوع، في إشارة إلى انفجارات أجهزة البيجر بعد استهداف إسرائيل لمسؤولي حزب الله في لبنان، والتي أدت أيضا إلى تشويه وقتل مدنيين أبرياء. وقال عباس إن ترامب كان ينبغي أن يرفضها وإن “قبول مثل هذه اللوحة أمر غير حساس للغاية تجاه الحياة البشرية”.
وكان المجتمع العربي الأمريكي يعتقد سابقا أن ترامب هو “الوحيد” الذي سيقف في وجه إسرائيل ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية. و”في الوقت الحالي، لا تتوافق التصريحات الحالية مع ذلك. ولكن، هناك المزيد من الوقت لتصحيح ذلك”، كما يقول عباس.
ولم يصوت سامر إبراهيم، وهو مهندس يبلغ من العمر 42 عاما، في انتخابات العام الماضي. كان من مؤيدي باراك أوباما سابقا وأثار ترامب اهتمامه عام 2016 بدرجة دفعته للتصويت له، وهو القرار الذي أثار دهشة بعض أصدقائه العرب الأمريكيين في ذلك الوقت.
لكن إبراهيم قال إن التصويت هذه المرة “بدا وكأنه سخافة”، مضيفا أن “كلا الخيارين كان سيئا حقا”. ويعتقد أن ترامب، بعد أن غادر السلطة منذ أربع سنوات، بدا وكأنه سيبالغ ويفرط هذه المرة. وأثناء تصفح فيسبوك الأسبوع الماضي ورؤية المنشورات حول أحدث تعليقات ترامب بشأن غزة، شعر إبراهيم بالرضا لعدم دعمه مرة أخرى.
وهو لا يمانع من إعادة أفراد مجتمعه المسلم النظر في مواقفهم من الحزب الديمقراطي. فقد قام ولاؤهم الطويل على شعورهم بأن الديمقراطيين كانوا أكثر انفتاحا وقبولا لثقافات وأديان الأقليات. وقال: “لو أردت أن تنظر عميقا، فيجب أن أكون قريبا من الجمهوريين”، وأشار إلى موقفهم من المتحولين جنسيا.
وفي النهاية سيجد الديمقراطيون صعوبة في استعادة ثقة الناخبين الذين خسروهم. ويقول سام بيضون، وهو ديمقراطي ومفوض مقاطعة وين ودعم هاريس إنه وعلى الرغم من شعور الكثيرين في المجتمع بتخلي الحزب الديمقراطي في العام الماضي، إلا أنه متأكد من أن هاريس لم تكن لتدعم التطهير العرقي للفلسطينيين و”حتى جو بايدن، ومهما كان دعمه الحماسي للحرب التي شنت ضد الفلسطينيين لم يدع كما تعلم لطرد 2 مليون فلسطيني من أرضهم”.
وقال خالد توراني، وهو فلسطيني أمريكي ومؤسس حملة التخلي عن بايدن (ولاحقا هاريس) وحركة غير ملتزم، إنه يعتقد أن تصريحات ترامب بشأن غزة كانت مجرد “ستار دخاني” و”صرف للانتباه” عن أفعاله المثيرة للجدل على المستوى المحلي. وقال توراني: “لن يتمكن ترامب من القيام بأي من الأشياء التي قال إنه يريد القيام بها” و”نحن نحاول معرفة ما هي خطته، لكننا نعرف بالضبط ما فعله بايدن وهاريس”. والسؤال: “هل نحن نادمون؟ لا”.
- القدس العربي