أعلنت واشنطن، يوم الأربعاء الماضي، أنه «بسبب التوتّر الإقليمي المتنامي»، عن استعدادات لإخلاء منظّم لموظفين من السفارات الأمريكية في بغداد والمنامة والكويت (أتبعتها بتقييد تنقلات موظفيها في إسرائيل) وفي اليوم التالي، أمس الخميس، صدّقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على قرار قدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ووصف بـ«التاريخي»، كونه، ولأول مرة منذ 20 عاما، يدين «عدم امتثال إيران لالتزاماتها النووية»، مما فتح الباب لتداعيات خطيرة.
انتهزت إسرائيل القرار لدعوة المجتمع الدولي إلى «الرد بحزم» على «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها النووية، ولمّح وزير التراث عميحاي إلياهو إلى أن هجوم تل أبيب على إيران «سيكون مفاجئا»، فيما تتابعت ردود المسؤولين الإيرانيين على الوكالة الدولية، فقال الرئيس مسعود بزشكيان إن طهران ستعيد بناء منشآتها النووية إذا دمرت، فيما اعتبر وزير خارجيتها عباس عراقجي أن القرار يعقّد الجولة القادمة من المفاوضات، فيما هدد قائد الحرس الثوري حسين سلامي بأن يكون الرد على «أي عدوان إسرائيلي أقوى وأكثر تدميرا» من الهجمات السابقة (في إشارة إلى تبادل الضربات مع إسرائيل العام الماضي).
في الأثناء، أكدت وسائل إعلام أمريكية على أن إسرائيل تدرس اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، لكنّها رجّحت أن ذلك لا يتم بالتنسيق مع أمريكا، وهو ما يؤكده تسريب وسائل إعلام إسرائيلية لمضمون المكالمة الأخيرة التي جرت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. حسب هذه التسريبات فإن ترامب طالب نتنياهو بـ«إزالة شن هجوم من جدول الأعمال» لأنه يعتقد بأنه سيتوصل إلى اتفاق في النهاية لأن «الإيرانيين سيقدمون ردا سيئا لكنهم لن يغلقوا الباب».
رد نتنياهو، حسب التسريبات نفسها، كان أنه «يجب إبقاء تهديد عسكري حقيقي على إيران طوال الوقت»، وهو الأمر الذي يأخذه الإيرانيون، كما تظهر تصريحاتهم، على محمل الجد، وأحد الردود المهمة على هذا التهديد كان إعلان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي عن إدخال منشأة تخصيب يورانيوم جديدة الخدمة (وهي الثالثة بين المنشآت) وأن هذه المنشأة تم تشييدها مسبقا في «مكان آمن لا يمكن الوصول إليه»، وأن أجهزة الطرد المركزي ستبدأ العمل فيها فور تركيبها، وبالتزامن مع ذلك، أعلنت القوات المسلحة الإيرانية إطلاق مناورات عسكرية قبل موعد مزمع لها تركّز، كما قالت، على «تحركات العدو».
تظهر تحرّكات إسرائيل، بداية، اتجاها كبيرا لدى ائتلافها الحكوميّ ليس لإنهاء المشروع النووي الإيراني فحسب، بل لتقويض مجمل قدراتها العسكرية، وعلى رأسها أسلحة الصواريخ والمسيّرات والبحرية، ولإضعاف نفوذ طهران الإقليمي، وهو اتجاه إسرائيلي راسخ في سعيه لإضعاف كل بلدان المنطقة، وخلق أسباب الحروب والتوتّرات والتآكل في بنى دولها، وإضافة إلى هدف إبقاء الهيمنة الإسرائيلية على حيّز جغرافي متّسع بين القارات، فإن هذا الاتجاه يغذّي تيارات التطرّف اليميني الأقصى داخل إسرائيل نفسها، ويضمن بقاءها في سدّة السلطة.
تفاوض إدارة ترامب لتحقيق المطالب الإسرائيلية نفسها: وقف المشروع النووي، وإضعاف قدرات إيران العسكرية، وتقليص نفوذها الإقليمي، وواضح أنها لا تمانع توظيف التهديدات الإسرائيلية في مفاوضاتها مع طهران. حكومة نتنياهو، التي تجد في الحرب حلا لمشاكل داخلية وخارجية، تعرف أن تهديداتها ترفع سقف المطالب الأمريكية، وتأمل، في الوقت نفسه، في رفع أجواء التوتّر الأمريكية ـ الإيرانية إلى حدّ تصبح فيه الحرب خيارا ممكنا!
ضمن هذه المعادلة الثلاثية، تلعب الأطراف الثلاثة لعبة حافة الهاوية، وإذا كان هذا دليلا على اقتراب احتمال الحرب، فإنه دليل أيضا على أن المفاوضات اقتربت من ذروتها. الباب إلى الحرب والسلام، بهذا المعنى، هو نفسه.
- القدس العربي