لم تكد الحكومة السورية تتنفس الصعداء بمرور ليلة الاحتفال بميلاد السيد المسيح ونهارها من دون حوادث، بعد أن أدى جندها مهامهم في حراسة الكنائس وحماية الأشجار المزيّنة وتوصيل بابا نويل إلى مقاصده وترفيقه من العابثين؛ حتى جاءت الضربة في مكان وزمان غير متوقعين، في أثناء صلاة الجمعة التي كان يؤديها علويون من سكان حيّ وادي الذهب بحمص في مسجد الإمام علي، حيث انفجرت عبوات ناسفة أدت إلى مقتل عدد منهم وإصابة آخرين.
فور الإعلان عن الحادثة تداعت أجهزة السلطة، وممثلوها، إلى استنكار ما جرى بأشد العبارات، تتقدمهم وزارة الخارجية، وفق عادة مفهومة لكنها غير منطقية، وصولاً إلى الناطق باسم وزارة الداخلية الذي أكد على جدية الحكومة في ملاحقة الفاعلين الذين تركوا وراءهم “رأس خيط مهماً” ربما يكشفهم.
لكن طرفاً ليس جديداً أعلن مسؤوليته بصراحة، هو جماعة “سرايا أنصار السنّة” التي نشرت، عبر قنواتها على تلغرام، تبنياً رسمياً للعملية التي نفذها عناصرها “بالتعاون مع مجاهدين من جماعة أخرى” لم يُذكر اسمها، داخل “معبد” علي بن أبي طالب “التابع للنصيرية” على حد قولها، مما أدى إلى مقتل وإصابة أربعين وفق تقديراتها، وفي الختام تذكّر الجماعة بأن هجماتها “سوف تستمر في تزايد، وتطول جميع الكفار والمرتدين”.
هذا البيان لم يؤخذ على محمل الجد بسبب اعتقاد كثيرين بأنّ “السرايا” جماعة وهمية، فهي، عند السلطة كما صرحت سابقاً، واجهة لـ”داعش”، وعند بعض معارضيها مجرد تسمية لمتشددين من الأمن العام..
تأتي هذه العملية بعد مدة من تراجع نشاط “سرايا أنصار السنّة” فسّره قسمها الشرعي بحملات الاعتقال والملاحقة التي شنتها السلطة الحالية بالتعاون مع التحالف “الصليبي”، وربما أمكن تنفيذ هذه العملية لوقوعها في حمص، حيث لوحظ النشاط الأكبر لهذه “السرايا” سابقاً، كما تدل الحاجة إلى التعاون مع جماعة أخرى على ضعف الإمكانات.
والحال أن هذا البيان لم يؤخذ على محمل الجد بسبب اعتقاد كثيرين بأنّ “السرايا” جماعة وهمية، فهي، عند السلطة كما صرحت سابقاً، واجهة لـ”داعش”، وعند بعض معارضيها مجرد تسمية لمتشددين من الأمن العام، وإذا كانت هذه الجماعة الصغيرة قد وصلت إلى الإيمان بما يشبه موقف “داعش” من الحكم الحالي، وإن حوت -سراً- مقاتلين من وزارتي الدفاع أو الداخلية، فالمعلومات المتوافرة تدل على أنها مستقلة عن الجهتين.
في مساء يوم الجمعة نفسه كان موعد نشر مقابلة أجرتها مجلة “The Cradle” الإلكترونية الأميركية مع الشيخ غزال غزال، الاسم الأبرز في الاحتجاجات العلوية حالياً، وفيها جدّد غزال طرح مطلب الفدرالية.
وأكّد أن السلطة لم تعرض على العلويين حواراً سياسياً بل إملاءات تُفرض بـ”هدف جعل المكوّن العلوي خاضعاً طائعاً لأوامرهم بما يساهم في تحسين صورتهم لدى المجتمع الدولي”، الذي يطالبه غزال بدعم اللامركزية السياسية حلاً للمشكلات السورية ولتسريع “عجلة الخلاص بشكل آمن ومسؤول”، ملمّحاً بالقول: “ما زلنا نعتمد على الطرق السلمية والحراك الشعبي حتى تحقيق الأهداف السياسية المعلنة”.
أجري اللقاء قبل حادثة التفجير في المسجد ومبادرة “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى”، الذي يترأسه غزال من المهجر، إلى إصدار بيان شديد اللهجة يحمّل المسؤولية لسلطة الأمر الواقع على حد تعبيره، معتبراً العملية استكمالاً لأعمال “الإرهاب التكفيري”، ومطالباً بوضع الساحل تحت الحماية الدولية.
والحق أن بروز الشيخ غزال، في الأشهر القليلة الأخيرة، قد لا يعود إلى شعبية كبيرة سابقة له رغم انتمائه إلى عائلة مشايخ معروفة، ولا إلى صعود نزعة دينية تتجاوز الحالة الرمزية لدى العلويين، بقدر ما يكمن في جملة كررها مجدداً في مقابلته: “يا أبنائي؛ لكم القرار، ولكم المصير، وأنتم من يحدّد المطالب”.
فبالمقارنة مع ناشطين علويين بادروا إلى تشكيل مجلس سياسي وتوجيه “الجماهير” قبل أن تشتعل بينهم خلافات ذات ملمح شخصي، ومع مشايخ محليين لا يبدو أنهم مؤهلون للعب دور مركزي، ومع بعض المشاهير السابقين من الطائفة الذين يشعرون بالوصاية عليها، يبدو غزال ناطقاً حذراً باسم درجة الحرارة التي وصلت إليها.
وحتى الآن لم يطالب سوى باحتجاجات سلمية (مظاهرات، اعتصام، إضراب) يستطيع سامعوه تنفيذها بقدر منخفض من المخاطرة، ورغم التلويح، المتوافق كذلك مع حدّ غضب جمهوره، فإنه لا يبدو في وارد الدعوة إلى عمل مسلّح لطائفة أثخنتها الدماء لأكثر من عقد، بل يراهن على أن المطالبات السياسية من الخارج، المدعومة بتأييد واسع على الأرض، ستدفع المجتمع الدولي إلى التحرك لدعم العلويين، وهي فكرة رائجة بينهم بغض النظر عن مدى واقعيتها.
وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء لا يشتهر بالاتزان فإنّ تقديراتهم الخيالية المسرّبة أُخذت على محمل الجد من قبل هذه التقارير التي ذكرت، بناء على ذلك، أرقاماً مهولة من المقاتلين المستعدين في الساحل..
في الأسابيع الأخيرة نشرت منابر إعلامية عالمية معلومات عن استعدادات كبيرة، ينظّمها بعض الضباط السابقين في نظام الأسد، لتحريك تمرد في مناطق العلويين، وفي هذا السياق تردّدت أسماء سهيل حسن وغياث دلا وكمال حسن ومحمد جابر وآخرين.
وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء لا يشتهر بالاتزان فإنّ تقديراتهم الخيالية المسرّبة أُخذت على محمل الجد من قبل هذه التقارير التي ذكرت، بناء على ذلك، أرقاماً مهولة من المقاتلين المستعدين في الساحل، بأسلحتهم، لخوض معركة حاسمة مفترضة.
وذلك على الرغم من تراكم المؤشرات على تهالك قوة “الفلول”، كما بدا عند مداهمة بيت كان أربعة منهم يقيمون فيه في قرية بعبدة مؤخراً، وأدت إلى مقتل أكثرهم، فضلاً عن أنّ الضباط لا يجمعهم داعم واحد، ولا خيار ميداني متفق عليه، ولا رؤية سياسية مشتركة للمستقبل، ولا سيما مع الغياب الفعلي لبشار الأسد الذي لم يعد يحظى باحترام كثيرين من مواليه.
الآن، على الأقل، لا يريد العلويون القتال، لكن حشر الطائفة في الزاوية ليس مضمون النتائج.
- تلفزيون سوريا



























