يرى معهد إسرائيلي أن أزمة روسيا- أوكرانيا والغرب من شأنها أن تترك تبعات هامة على النظام العالمي وتترك مفاعيلها في الشرق الأوسط وتدفع بتحديات وفرص أمام إسرائيل مسديا لها عدة توصيات.
وقال باحثون في معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتزليا ضمن ورقة عمل مشتركة إن التوترات في أوكرانيا تزداد حدة بينما تواجه الساحة الدولية أزمة هي الأخطر منذ الحرب الباردة.
وحسب المعهد الإسرائيلي تعمل موسكو على زعزعة النظام العالمي المتبلور بقيادة أمريكية وصوغ هندسة أمنية تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في أوروبا وتمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو زاعما أن هذا التحدي الاستراتيجي للولايات المتحدة يجري بالتنسيق مع الصين، ولهذا له تداعيات بعيدة المدى على إسرائيل.
ويتابع معهد السياسات والاستراتيجيا الإسرائيلي “لا يزال ميزان القوى غير واضح، فالأوراق في هذه المرحلة هي في يد بوتين الذي يستطيع الاختيار بين حل يستجيب لمطالبه الأمنية في أوكرانيا (عدم انضمامها إلى الناتو) وشرق أوروبا (الرقابة على السلاح)، وبين غزو محدود لشرق أوكرانيا وصولا إلى احتلال واسع لكل أجزاء الدولة وتغيير النظام”.
التداعيات في الشرق الأوسط
ويقول المعهد الإسرائيلي في هذا المضمار أيضا إن زعزعة النظام العالمي وصعود روسيا والصين كقوتين عالميتين تتحديان الهيمنة الأمريكية سينعكس على موازين القوى في الشرق الأوسط وعلى قدرة إسرائيل على المناورة بين واشنطن وبيجين وموسكو. كذلك فإن صعود النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط سيكون له تأثيرات مباشرة في السباق الإقليمي على التسلح وفي التفوق النوعي العسكري لإسرائيل. وفي الاستنتاجات يرى معهد السياسات والاستراتيجيا الإسرائيلي أنه في ظل هذا الواقع يتعين على إسرائيل تعزيز حلفها مع الولايات المتحدة والمحافظة على تفوقها العسكري والأمني.
وبرأي هذا المعهد الإسرائيلي أثبتت الأزمة في أوكرانيا أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى واشنطن في المنافسة الاستراتيجية العالمية في مواجهة الصين وروسيا، إذ يُعتبر سوق الطاقة في الشرق الأوسط مصدرا إضافيا لتحدي الاحتكار الروسي في أوروبا. كما تعزز الأزمة أهمية طرق الملاحة البحرية والموقع الجيو-استراتيجي للشرق الأوسط في رقعة الشطرنج العالمية وتؤكد الحاجة باستمرار الولايات المتحدة بالاستثمار والاهتمام بالمنطقة على الرغم من حاجتها إلى التركيز على الصين وروسيا وإعطائهما الأولوية في الساحة الدولية. كما يرى أن هذا الوضع يزيد من فرص إسرائيل لاستخدام التحديات الإقليمية كرافعة من خلال استخدام الدعم الأمريكي الشامل (العسكري والسياسي) لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع العالم العربي.
أزمة اقتصادية
ويعتقد المعهد أنه من شأن معركة عسكرية في أوكرانيا أن تؤدي إلى نشوب أزمة اقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة في العالم بصورة ستنعكس مباشرة على استقرار الأنظمة في الشرق الأوسط.
كما أن الدول التي ترزح تحت دين قومي كبير وتعتمد على تصدير الطاقة والقمح، يمكن أن تواجه أزمة حادة في مواجهة ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي وهو ما سينعكس على استقرارها، وذلك وفقا للمعهد الذي يرى أنه يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها موجة أُخرى من الاضطرابات الإقليمية.
ضرب إيران في سوريا
كما يتعين على إسرائيل، بحسب المعهد، مواصلة العمل ضمن “المعركة بين الحروب” لضرب التمركز الإيراني في سوريا، وكي تثبت للمنظومة الإقليمية إصرارها على لجم الخطوات الإيرانية التي تقوض الاستقرار الإقليمي.
ويعتقد أن التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ينطوي على رصيد مركزي يجب المحافظة عليه وتطويره حتى لو وقعت واشنطن اتفاقا نوويا جديدا. كما يعتقد أنه يجب على إسرائيل استخدام الاتفاق لتعزيز تفوقها النوعي بواسطة بناء متسارع للقوة، والحصول على تأييد أمريكي (سياسي وعسكري) لترسيخ تحالفات إسرائيل الإقليمية مع المعسكر العربي السني.
القضية الفلسطينية
ويزعم معهد السياسات والاستراتيجيا الإسرائيلي أن القضية الفلسطينية أصبحت على هامش الخطاب إزاء الأحداث في الساحة الدولية، ومع ذلك تزداد قابلية الوضع في الضفة الغربية للانفجار مع تصاعد الانتقادات الشعبية.
ويعلل ذلك بالقول “من جهة أُخرى تواصل “حماس” التوظيف لتعزيز مكانتها السياسية في الساحة الفلسطينية من خلال تطوير شبكة “إرهاب” في الضفة الغربية وتأجيج التحركات الشعبية ضد إسرائيل”.
ويشير إلى أنه في المقابل تستمر مساعي إعادة إعمار غزة بقيادة مصر وقطر وإسرائيل، ولا يزال الهدوء النسبي سائدا وبينما تعمل إسرائيل لترسيخ تسوية طويلة الأمد مع “حماس” من خلال تقديم حوافز اقتصادية مهمة، لم يُطلب من “حماس” تقديم تنازلات أساسية وهي تواصل التوظيف في قوتها العسكرية وفي توجيه “الإرهاب” في الضفة الغربية وانتهاج سياسة صارمة في موضوع الأسرى والمفقودين، كما تتحضر للصراع على قيادة الساحة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن، وإزاء المعركة المقبلة مع إسرائيل.
دعم السلطة الفلسطينية
وفي الاستخلاصات يرى المعهد الإسرائيلي أنه على إسرائيل الاستمرار في تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال التوظيف في الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى الحياة الفلسطينية، إلى جانب الاستمرار في ضرب شبكات “الإرهاب”.
مع ذلك برأي المعهد يتعين على إسرائيل أن تدرك أن تأثير هذا التكتيك مؤقت ولا يمكن الاستمرار في إدارة النزاع من دون بلورة استراتيجية بعيدة الأمد، واتخاذ قرارات حاسمة والعمل بصورة ناجعة من أجل بلورة الظروف التي تحافظ على وجهة نظر الفصل بين الشعبين وتشكل أساسا لخطة سياسية مستقبلية.