يرى المحلل الأمريكي جون هيربست أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مأزق الآن ، فبعد مرور قرابة ثمانية أشهر على شن غزو كبير تقليدي للاطاحة بحكومة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبسط السيطرة السياسية في أوكرانيا ،لم يتحقق ذلك وأصبحت حكومته هي التي تبدو عليها دلالات الإجهاد.
وأضاف هيربست ، سفير الولايات المتحدة سابقا بأوكرانيا وأوزبكستان، وكبير مديري مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية ، أن الوضع قد تفاقم جراء قرارات بوتين الأخيرة لإدارة مشاكله السياسية التي شهدتها روسيا ، نتيجة هجوم أوكرانيا الناجح المضاد في الشرق والجنوب.
وبدأ ذلك الهجوم المضاد في أوائل شهر آب/أغسطس بعدما أوقفت أوكرانيا حملة موسكو للاستيلاء على كل منطقة دونباس ، وحقق نجاحات كبيرة حيث تم استعادة أراض بحلول منتصف شهر أيلول/سبتمبر أكثر مما استولت عليها موسكو منذ شهر نيسان/أبريل الماضي.
وأدى نجاح أوكرانيا إلى إطلاق دعوات من مسؤولي البلديات في جميع أنحاء روسيا تطالب بوتين بالاستقالة وانتقاد حاد للمجهود الحربي من جانب القوميين المتطرفين الذين أصروا على التصعيد حتى النصر.
وأدى هذا أيضا إلى انتقاد لسياسة بوتين بشأن أوكرانيا من جانب أشخاص غير متوقعين وهما رفيقاه في مجموعة بريكس ، الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة سمرقند في اوزبكستان.
وتابع هيربست أنه في مواجهة ذلك قام بوتين بثلاثة إجراءات محفوفة بالمخاطر ، وهى تعبئة جزئية لسد النقص في قواته في أوكرانيا، وتنظيم استفتاءات مشكوك فيها في أربع مناطق أوكرانية تخضع جزئيا فقط للسيطرة الروسية، أسفرت كما كان متوقعا عن تصويت لصالح الانضمام إلى روسيا أعقبها ضم هذه المناطق ، وتصريحات أقل دقة من مسؤولين روس كبار بأنه إذا استمرت الهجمات الأوكرانية ، فإنه يمكن الدفاع عن هذه المناطق بكل الوسائل المتاحة لدى الكرملين بما في ذلك استخدام أسلحة نووية.
كان بوتين قد شن غزوه لأوكرانيا على أساس أنه “عملية عسكرية خاصة”وليس حربا لأنه أراد على وجه التحديد أن يتجنب تجنيد الروس للمشاركة في القتال.
ورغم استطلاعات الرأي التي أجراها مركز ليفادا والتي تظهر دعم أغلبية كبيرة لحربه ضد أوكرانيا ، كان بوتين يعلم يقينا أن الشعب الروسي ليست لديه رغبة كبيرة في خوضها.
وبثت عملية التعبئة الخوف في نفوس مئات الآلاف من الرجال في سن التجنيد مما دفعهم للهروب من البلاد ، وأثارت مظاهرات في 50 مدينة واحتجاجات عنيفة في داغستان التي جندت منها موسكو بالفعل عددا كبيرا من الجنود لإرسالهم إلى أوكرانيا ،و أدت لشن هجمات على مراكز التجنيد في عشرين مدينة وعلى الضباط القائمين بعملية التجنيد وأعقبها تقارير كثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مجندين جدد مجهزين بعتاد سيء اضطروا لشراء متطلباتهم من مالهم الخاص.
وأصبح من المقلق للغاية للكرملين ، ظهور انتقادات لقرار التعبئة من جانب شخصيات رفيعة المستوى، مثل رئيس مجلس الدوما فياشيسلاف فولودين ، ورئيسة مجلس الاتحاد (الغرفة العليا فالنتينا ماتفيينكو ورئيسة قناة روسيا اليوم مارجريتا سيمونيان.)
وكان بوتين يأمل أن يقنع بالتلويح باستخدام الأسلحة النووية الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة بالضغط على زيلينسكي لحمله على وقف الهجوم المضاد في الأراضي التي تدعي روسيا ملكيتها الآن.
ووجه الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيرا قويا عاما وخاصا لموسكو بأن استخدام الأسلحة النووية ،حتى التكتيكية ذات التأثير المنخفض، سوف يكون له عواقب مدمرة بالنسبة لروسيا.
وبدأت لعبة القاء اللوم الآن على مستويات عليا تدعو لتفسير سبب اخفاقات موسكو في أوكرانيا، وكان ذلك موجها أساسا لوزير الدفاع سيرجي شويغو، ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري جيراسيموف، والكولونيل جنرال الكسندر لابين ،قائد المنطقة العسكرية المركزية الروسية.
وهناك الآن تقارير مفادها أن مسؤولين رفيعي المستوى يواجهون بشكل مباشر بوتين بالمخاوف إزاء سياسته الفاشلة بشأن أوكرانيا.
واستطرد هيربست أن هذا لا يعني بالضرورة أن بوتين سوف يسقط قريبا، ولكن بدأت تصدعات خطيرة تظهر في صرح نظام بوتين وأن هذه بوضوح الفترة الأكثر غموضا في عهد الرئيس الروسي .
ويوضح التاريخ الروسي أن خسارة الحروب ليست شيئا جيدا بالنسبة للملوك أو السلطويين ، ويؤدي ذلك في الغالب إلى تغيير لفترة زمنية على الأقل مثلما حدث في أعوام 1905، و1917، و1989.
ويأمل بوتين في تجنب الهزيمة في أوكرانيا وهذا المصير من خلال توجيه تحذيرات شديدة على نحو متزايد بأنه سوف يستخدم الأسلحة النووية ما لم توقف أوكرانيا هجومها المضاد الحالي في المناطق الأوكرانية التي تم ضمها مؤخرا والتي لا يسيطر الكرملين عليها بشكل كامل.
واختتم هيربست تقريره بالقول إنه طالما يقف الغرب قويا ضد هذا التهديد المشكوك فيه ويواصل تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها لدحر عدوان موسكو وإجبارها على التقهقر ، فإنه لن يكون أمام القيادة الروسية أي بديل سوف التخلي عن خططها الإمبريالية بشأن أوكرانيا وغيرها من الدول المجاورة .
(د ب أ)