"يستطيع الفلسطينيون أن يدعوا بأن المستوطنين ليسوا سكاناً شرعيين، ويمكنهم طردهم من أرضهم. بالنسبة إليهم (أي إلى الفلسطينيين)، حكمهم (المستوطنون) كحكم المقيمين غير القانونيين". ربما تبدو هذه العبارة أشبه بفيلم علمي خيالي، لكن إذا ما تحققت تهديدات الفلسطينيين ـ في خلاف تام لموقف إسرائيل، الولايات المتحدة، والدول العربية ـ وأعلنوا بصورة احادية الجانب عن استقلالهم، فسيكون في وسعهم تجاهل القانون الدولي والتعامل مع المستوطنين في أراضي الضفة الغربية، كما تتعامل إسرائيل اليوم مع الفلسطينيين الموجودين على أرضها (المقصود بذلك فلسطينيي الضفة الغربية، الذي يُعتبرون وفق القوانين في إسرائيل مقيمين غير قانونيين).
في هذا المجال، توضح عميدة كلية الحقوق في جامعة بار إيلان، البروفيسورة يافا زيلبرشتس، الصورة التي سيبدو عليها الشرق الأسوط في اليوم الذي يُعلن فيها الفلسطينييون عن استقلالهم بصورة أحادية الجانب. وتقول زيلبرشتس إنه "في مثل هذه الحالة، سيتحول المستوطنون إلى أقلية بحيث تكون الدولة السليمة ملزمة باحترامهم. ممنوع طردهم ويتعين على الدولة التأكد من أنهم يتمتعون بالمواطنة، ومنحهم خيار الاختيار لأي دولة يريدون الانتماء".
بحسب كلامها، على الرغم من أنه لا يوجد اليوم قانون يلزم الدولة بمنح المواطنة، أو على العكس، قانون يُرغم السكان على قبول المواطنة، إلا أن الميل المرتسم والمتبلور هو على هذا النحو. "فوفقا للميل في أحكام وقوانين المواطنة التي يتضمنها القانون الدولي، في اللحظة التي تقوم فيها دولة جديدة تتضمن أغلبية وأقلية، يتعين السماح للأشخاص بالبقاء في أماكنهم وحتى أنه ثمة دعوة إلى منحهم المواطنة. لا يوجد قانون دولي حازم في هذا الشأن، لكن ثمة قرارات ومسودات مواثيق دولية".
لكن في ظل فوضى الشرق الأوسط، الواقع أكثر تعقيدا مما يعكسه القانون الدولي. "يستطيع الفلسطينيون طرح الادعاء القائل بأن المستوطنين ليسوا سكانا شرعيين، أي أنهم يقيمون في المكان انطلاقا من مخالفتهم للقانون الدولي. وذلك لأنهم (اي المستوطنين) سكان دولة مسيطرة، وكان ممنوع عليهم الانتقال للسكن في أرض تخضع للسيطرة. على أساس هذا الادعاء، يستطيع الفلسطينيون طرد السكان من المكان. بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن الحكم الذي ينطبق على المستوطنين هو ذاك الذي ينطبق على المقيمين غير القانونيين".
في جميع الأحوال، تشدد زيلبرشتس، على أنه من الصعب مناقشة وبحث التداعيات القانونية للإعلان الأحادي الجانب عن الدولة الفلسطينين، لأن الأمر يتعلق بحالة تمثل سابقة. " هذا الوضع ليس مشابها أبدا للإعلان الأحادي الجانب عن إقامة دولة على أساس انتهاء الاستعمار، لأنه في هذا الوضع لم يغادر المحتلون المكان. نشأ فراغ والقضية بقيت مفتوحة. هذا ليس مثل إعلان الأمم المتحدة في العام 1948، فحينها، عندما أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب، لم تكن توجد في إسرائيل أية دولة".
إسرائيل هي التي تقرر في المجال الرمادي
الدكتور روبي سيبل، الذي عمل سابقا مستشارا قانونيا لوزارة الخارجية، يقول أن مصير المستوطنين بشكل عام لن يتحدد أبدا على يد الفلسطينيين، بل على يد إسرائيل نفسها. "سكان رامات أشكول سيواصلون كونهم مواطني إسرائيل لأن إسرائيل هي صاحبة القرار في نهاية المطاف. معظم دول العالم تنظر أيضا إلى المستوطنات اليوم باعتبارها غير قانونية. بالنسبة اليهم، يقيم المستوطنون في أرض لم يُعلن إلى من تتبع، ولذلك مكانتهم رمادية بالنسبة إلى القانون الدولي. وعليه، فإن إسرائيل هي التي تحدد طبيعة القرار الذي سيُحدد ما إذا كانوا سيُعتبرون مواطنين إسرائيليين أم لا".
ويدعي سيبل أنه بسبب حقيقة أن القانون الدولي لا يعترف بالإعلانات الأحادية الجانب، فإن الأمر لا يقتصر على أن الفلسطينيين غير قادرين على تحديد مكانة المستوطنين، بل إنهم لا يستطيعون أيضا تحديد حدود دولتهم. "من أجل تحديد الحدود، ثمة حاجة إلى طرفين لأداء رقصة التانغو. فالحدود ينبغي أن تكون متفقاً عليها بين الدول ذات العلاقة. ولا يستطيع طرف واحد أن يقوم ويحدد واقعا من جانب واحد. هذا الأمر يمكن حله بالمفاوضات أو من خلال الاحتكام إلى الهيئات القضائية".
في مقابل ذلك، تعتقد زيلبرشتس، ان الوضع اكثر تعقيدا. "لا يوجد جواب واضح جدا إزاء السؤال المتعلق بما إذا كان القانون الدولي يعترف بقرارات أحادية الجانب. ثمة قرارات أحادية الجانب اتُخذت وحظيت بقوة وصلاحية قانونية، مثل إعلان بلفور الصادر عن بريطانيا، أو إعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس ـ لكن في كثير جدا من الحالات لم ينجح الأمر. هذا أحد أكثر المواضيع غموضاً في القانون الدولي".
بدوره، يعتقد العقيد احتياط، دنيئل رايزنر، الذي شغل سابقا منصب رئيس قسم القوانين الدولية في النيابة العامة العسكرية، أن الدولة الفلسطينية لن تغير شيئا من ناحية مكانة المستوطنين. "سيكونون كما هم اليوم ـ مواطنين إسرائيليين يعيشون في أرض محتلة. ثمة اجماع في الرأي بالعالم بأن هذه الأرض تُعتبر محتلة كلها اليوم أيضا. إذا نشأت الدولة، فلن تُعتبر هذه الأرض محتلة بعد اليوم".
بحسب كلامه، إذا اتُخذ قرار بالإعلان عن إقامة الدولة من جانب واحد، فهذا يعني ان السلطة الفلسطينية تقوم عمليا بسحب البساط من تحت أرجلها. "الاتفاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تمت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. السلطة الفلسطينية أُقيمت بموجب هذه الاتفاقات. لذلك، ما سيحصل في حال اتُخذ قرار بإقامة دولة فلسطينية بشكل منقطع عن الاتفاقات التي حصلت، هو أن الاتفاقات السابقة ستُصبح باطلة من الناحية الرسمية".
("يديعوت أحرونوت" 17/11/2009)
ترجمة: عباس اسماعيل
"المستقبل"