وترى أوساط سياسية أن الهدنة في غزة الآن هي المخرج الوحيد لحزب الله، لذلك قد تتحرك إيران في محاولة لإحياء المحادثات المتوقفة والضغط على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية والتوصل إلى اتفاق ينقذ حزب الله من مصير مشابه.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأحد إنه يخطط لتوظيف الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة في استئناف وتعميق الحوار مع الغرب، بينما يتوقع محللون أن يسعى للتأكيد على أن إيران لا تهدف إلى التصعيد في الأزمة الحالية بالشرق الأوسط.
وتستبعد الأوساط التوصل إلى هدنة خاصة مع صمت الوسيطين قطر ومصر، وتخطي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إسرائيل خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، وهو ما يعكس الجمود في المحادثات حول وقف إطلاق النار في غزة لاسيما مع عدم الإعلان عن المقترح الأميركي المعدل.

وكانت واشنطن قد أكدت الأسبوع الماضي أنها تعمل على “تقديم اقتراح منقح قادر على دفع الأطراف إلى اتفاق نهائي” قبل أن يشهد لبنان انفجار الآلاف من أجهزة البيجر والووكي توكي خلال يومين متتاليين، بالإضافة إلى شن إسرائيل غارات جوية استهدفت قيادات في حزب الله أبرزها إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان. وبلغ العدد الإجمالي لقتلى التصعيد الإسرائيلي الأخير على لبنان 70 شخصا وجرح الآلاف، بحسب إحصائيات السبت.
والأحد أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين خلال غارات جوية إسرائيلية متجددة على قريتين في جنوب لبنان، وهو ما يبدو أنه رد على هجوم حزب الله.
وتوعد المسؤولون الإسرائيليون الأحد حزب الله، بعد أن قصف مواقع عسكرية في مدينة حيفا شمال إسرائيل بصواريخ فادي 1 و2، للمرة الأولى منذ بدء المواجهات الحدودية مع تل أبيب قبل نحو عام، وذلك في إطار “الرد الأولي” على تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكية التي ضربت مناطق مختلفة في لبنان.
وأكد نتنياهو الأحد أن إسرائيل وجهت إلى جماعة حزب الله اللبنانية سلسلة من الضربات القاسية، لم يكن بمقدور الجماعة أن تتخيلها من قبل، مضيفا أن إسرائيل ستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية لاستعادة أمنها.
وقال نتنياهو “في الأيام القليلة الماضية وجهنا إلى حزب الله سلسلة من الضربات لم يكن بمقدوره أن يتخيلها. إذا لم يفهم حزب الله الرسالة، فأنا أعدكم بأنه سوف يفهم الرسالة”.
وذكرت تقارير إعلامية عبرية السبت نقلا عن مصادر عسكرية أن إسرائيل تدفع حزب الله نحو خيارين: التفاوض والتوصل إلى تسوية تفضي إلى تراجعه وفك ارتباطه بقطاع غزة، أو الحرب الشاملة.
وتريد إسرائيل الآن دفع حزب الله إلى الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني جنوب لبنان وتفعيل القرار الأممي رقم 1701.
ويقول مراقبون إنه لا شك أن شروط انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني تهدف إلى تدمير الحزب معنويا، حيث يبقى لديه الكثير من الأسلحة من صواريخ ومسيرات يمكن أن تكتسح مديات بعيدة، غير مستبعدين فرض إسرائيل شروطا لتقييده.
لكن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أكد خلال مراسم تشييع عقيل الأحد أن الحزب دخل في “مرحلة جديدة” من القتال مع إسرائيل، عنوانها معركة “الحساب المفتوح”، مشددا على “أننا مستعدون لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية”.
◄ وسائل إعلام عبرية تؤكد أن إسرائيل تدفع حزب الله نحو خيارين: التفاوض والتسوية أو الحرب الشاملة
وترى الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة رابحة علام أن حزب الله يرفض فصل المسارات بين قطاع غزة والجنوب اللبناني، بينما تمضي إسرائيل في توسيع الجبهات عبر محاولة إقحام الضفة الغربية في الحرب وترفض وقف القتال في غزة أو الانسحاب من محور فيلادلفيا، وتسعى للتخلص من عبء الشمال من خلال الضغط على حزب الله، الذي يواجه ذلك بإصراره على الربط بين الجبهات.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الخطط الإسرائيلية الساعية لتحقيق انتصارات سريعة في جبهة الشمال غير مفهومة، خاصة وأنها كانت بحاجة إلى عام كامل لكي تدمر قطاع غزة من دون أن تحقق أهدافها كاملة على مستوى إنهاء خطر حماس أو استعادة رهائنها. وحزب الله في المقابل لا يرغب في التصعيد لأنه رغم مساندته لجبهة غزة تبقى هذه الحرب ليست حربه وهي بتوقيت حركة حماس ولم يحدد بوصلتها، وبالتالي يُصر على الربط بين الجبهات بعد أن حافظ على الإسناد لمدة عام كامل”.
وبدوره قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إن “تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تشير إلى أن ضرباته العسكرية على إسرائيل لا ترتبط فقط بعمليات الاغتيال الأخيرة وإنما ترتبط أيضا بما يحدث في قطاع غزة، ورغم صعوبة الضربات التي تلقاها مازال يصر على موقفه المتمثل في ضرورة وقف حرب غزة أولاً باعتبار ذلك مدخلاً للتهدئة في جبهة الشمال الإسرائيلي”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الأمور في جبهة غزة والشمال الإسرائيلي قابلة للعودة إلى طاولة المفاوضات ولم تخرج بعد بشكل نهائي عن السيطرة، ومازالت الآمال معلقة على إمكانية الوصول إلى هدنة، لكن إسرائيل تُصر على رفضها”، مشيرا إلى أن مطلع أكتوبر قد يشهد الوصول إلى هدنة تستمر ستة أسابيع إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية، والأيام المقبلة ستحسم مسألة ما إذا كان الاستمرار في الحرب وتوسيع الجبهات أمرا واقعا أم أنه يمكن اتخاذ خطوات إلى الخلف من جانب الأطراف المتصارعة.
والأحد توعد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالعمل على دفع حزب الله إلى الانسحاب من شمال نهر الليطاني، “في حال فشل العالم” في فعل ذلك.
وقال كاتس في بيان “في أعقاب الهجوم واسع النطاق الذي شنه حزب الله على المراكز السكانية المدنية في إسرائيل، اتصلت بالعشرات من وزراء الخارجية، وقمت بحثّ جميع السفارات الإسرائيلية في العالم على إيصال رسالة واضحة”.

وفحوى هذه الرسالة التي تحدث عنها كاتس أن “إسرائيل ستفعل كل ما هو ضروري لحماية مواطنيها من حزب الله”.
وأضاف كاتس أن “حزب الله منظمة تهاجم إسرائيل دون توقف منذ 8 أكتوبر (الماضي)، وقتلت العشرات من الإسرائيليين، وأدت إلى تهجير حوالي 70 ألف إسرائيلي من منازلهم”.
وأكد أن “إسرائيل عملت ومازالت تعمل على منع المزيد من الأذى لمواطنيها، ولن نتوقف حتى نعيد الأمن لمواطنينا وسكان الشمال إلى منازلهم”.
وتابع “يتعين على أي شخص مهتم بإحلال الاستقرار في المنطقة ووقف التصعيد في الشمال أن يفعل شيئا واحدا: ضمان التنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 1701 وانسحاب قوات حزب الله من شمال الليطاني”.
وختم بالقول “إذا لم يسحب العالم حزب الله من شمال الليطاني بموجب القرار 1701، فإن إسرائيل ستفعل ذلك”.
وفي 11 أغسطس 2006 تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل.
ودعا القرار أيضا إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من المسلحين والمعدات الحربية والأسلحة، ما عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وبدوره توعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأحد بـ”ضرب أي طرف يهدد” الإسرائيليين، معتبرا أن العملية العسكرية المستمرة ضد حزب الله اللبناني تشكل “رسالة” إلى أعداء البلاد في المنطقة وخارجها.
وقال الليفتنانت جنرال هرتسي هاليفي في تصريح مصور إن “هذه العملية ضد الهرمية القيادية في حزب الله هي رسالة واضحة إلى حزب الله، ولكنها أيضا رسالة إلى الشرق الأوسط وخارجه: سنضرب أي طرف يهدد مواطني دولة إسرائيل”.
- العرب