من المتوقع أن يعيد السمات المميزة لولايته الأولى
يأتي فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في الانتخابات، ليمثل موجة أخرى من التقلبات العنيفة والفجائية في السياسة الخارجية الأميركية، فمن المنتظر أن يعيد الرئيس المنتخب السمات الرئيسة التي ميزت ولايته الأولى: حرب تجارية مع الصين، وتشكك عميق، بل عداء، نحو التعددية، وولع بالرجال الأقوياء، وأسلوب خارج على الأعراف والمعايير الدبلوماسية، والاعتماد على تغريدات ارتجالية على “تويتر”. ويقول مستشارو ترمب: “إن نهجه القائم على (السلام عبر القوة) هو ما تحتاج إليه البلاد في هذه اللحظة الحرجة”.
ولكن ولايته الثانية هذه، تأتي وسط تحديات جديدة، أبرزها الحربين اللتين تشارك فيهما الولايات المتحدة مشاركة عميقة في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا. وقد وعد ترمب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يتولى منصبه، ولكنه لم يقدم بعد أي خطة تفصيلية، كما أن خططه لإحلال السلام في الشرق الأوسط غامضة بالقدر نفسه.
ومع أن خطط ترمب قد لا تكون واضحة، فقد تفحصت “فورين بوليسي” سجل أفعاله السابقة وكذلك تصريحاته العلنية وتصريحات مستشاريه، كي تتنبأ بمنحى السياسة الخارجية الأميركية وكيف ستكون في المستقبل؟ وكما أظهرت فترة ولاية ترمب الأولى، فإن أهواءه الشخصية غالبا ما تتناقض مع أجندة مستشاريه، أما هذه المرة، فقد تكون قبضته على عجلة القيادة أكثر إحكاما كرئيس للمرة الثانية، من المرجح أن تكون دائرة مستشاريه أكثر ولاءً.
وهذه لمحة عن ولاية ترمب الثانية:
الصين
أما سياسته مع الصين، فسوف يمررها إليه الرئيس جو بايدن ثانية، الذي ورثت إدارته الحالية الكثير مما انتهجه ترمب في ولايته الأولى، وتميزت بأنها أكثر صرامة تجاه الصين. ومن المرجح أن يستمر ترمب في ولايته الثانية، في النظر إلى الصين بوصفها التحدي الأكبر لأمن الولايات المتحدة القومي، إلا أن ولاية ترمب الثانية، سوف تحمل معها تغييرات معتبرة حيال قضايا محددة، وبالتأكيد في أسلوب التعامل معها عموما.
مع وعده بفرض تعريفات جمركية لا تقل عن 60 في المئة على جميع الواردات من الصين، سيقترب ترمب من الفصل الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم كما يتبناه بعض أقرب مستشاريه
يضع ترمب التجارة نصب عينيه، أولا وقبل أي شيء، كما في ولايته الأولى. فقد قال في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في أكتوبر/تشرين الأول إن: “التعريفة الجمركية هي الكلمة الأجمل في القاموس، وإن أوضح أولوياته إزاء الصين، هي إعادة إطلاق الحرب التجارية التي بدأها معها عام 2018”.
يدعو موقع حملة ترمب الإلكتروني إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة على الصين في جميع السلع الأساسية، وهذه ليست سوى البداية، فقد أبقى بايدن على التعريفات الجمركية الأصلية التي فرضها ترمب وأضاف المزيد، ويستعد ترمب للمضي أبعد من ذلك بكثير، فمع وعده بفرض تعريفات جمركية لا تقل عن 60 في المئة على جميع الواردات من الصين، سيقترب ترمب من الفصل الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم كما يتبناه بعض أقرب مستشاريه.
إلا أن خطوة كهذه ستزيد العلاقات الثنائية المتوترة بالأصل سوءا، وستكلف الأسر الأميركية آلاف الدولارات سنويا، وتكلف المصدرين الأميركيين خسارة واحدة من كبرى أسواقهم. ولكن التأثيرات غير المباشرة لسياسة تجارية عدوانية تجاه الصين، ستفضي أيضا إلى إضعاف أصدقاء وحلفاء محتملين آخرين للولايات المتحدة.
لا تزال الصين تعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات لدفع نموها، والتدابير المصممة لإضعاف هذا المحرك الرئيس للنمو، كالرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، ستضعف أيضا الطلب الصيني على مدخلات التصنيع، بما فيها الطاقة والمعادن، وستكون هذه أخبار سيئة لجيران الولايات المتحدة مثل بيرو وتشيلي والمكسيك (وجميعها من كبار المصدرين للنحاس إلى الصين)، ولأستراليا حليفة الولايات المتحدة (وهي مصدر كبير لخام الحديد والفحم)، وللمملكة العربية السعودية الصديق اللدود لأميركا، ومصدر الصين الكبير للنفط الخام.
الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل اجتماع ثنائي على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا، في 28 يونيو 2019
وقد أدى ثقل التدابير الجمركية التي فرضت على الصين، في ولاية ترمب الأولى، إلى دفعها لعقد اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة، رآه ترمب “أكبر صفقة شهدها أحد على الإطلاق”. وكان من المفترض أن يعزز هذا الاتفاق صادرات أميركا من المنتجات الزراعية وصادراتها من الطاقة إلى الصين، غير أنه لم يقترب قط من تحقيق أهدافه. ويرى معهد “سياسة أميركا أولا”، وهو مركز أبحاث يدور في فلك ترمب، أن إحياء اتفاق المرحلة الأولى ذاك قد يكون نقطة البداية لاتفاق جديد في ظل إدارة ترمب الجديدة.
إذا كانت الغايةمن فرض ضرائب مرتفعة للغاية على واردات الصين، هو إجبارها على إصلاح ممارساتها التجارية والاقتصادية، وهو الهدف الظاهري للحرب التجارية الأولى مع الصين ولم يتحقق، فإن سياسات ترمب التجارية الأخرى ستجعل هذا الأمر أكثر صعوبة. حيث إن هذا الضغط الشديد على الصين سيقوضه ضغط مماثل آخر، سيفرضه ترمب على الأصدقاء والحلفاء، كما حدث في ولايته الأولى. فقد وعد بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 20 في المئة على جميع البلدان الأخرى، بما فيها الاتحاد الأوروبي. ولن يؤدي هذا فقط إلى ردود أفعال انتقامية فورية ومدروسة جيدا، تفرض على الصادرات الأميركية، مما يؤدي إلى إضعاف الآفاق الاقتصادية الأميركية، ولكنه سيثبط أيضا احتمال قيام تحالف كبير من الاقتصاديات الكبرى، يكون بوسعه أن يفرض ضغوطا منسقة على بكين، لكبح انتهاكاتها التجارية أكثر فظاعة.
وبعيدا عن التجارة، لعل أكبر نقطة افتراق لترمب عن إدارة بايدن هي تايوان. فقد شكك ترمب أكثر من مرة في أثناء حملته الانتخابية، في حجم الدعم الذي ستقدمه أميركا لهذه الجزيرة في المستقبل، مستندا بذلك إلى تطبيق النهج نفسه الذي اتبعه في تعامله مع كثير من البلدان الأخرى. وقال في مقابلة له في يوليو/تموز مع مجلة “بلومبيرغ بيزنس ويك”: “يجب على تايوان أن تدفع لنا مقابل دفاعنا عنها، وكما تعلمون، فنحن لا نختلف في شيء عن أي شركة تأمين، وتايوان لا تعطينا شيئا”.
مع أن ترمب قد يقود صفقة صعبة مع الصين، فليس من المرجح أن يتخلى فعليا عن دعم تايوان
وقد دفعت تصريحات كهذه بعض الخبراء في الشأن الصيني إلى الاعتقاد بأن ترمب سيسعى إلى إبرام نوع من الاتفاق مع تايوان، في مقابل تقديم مزيد من الدعم الدفاعي الأميركي لها. ويبلغ الإنفاق العسكري في تايوان نحو 2.6 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي اليوم؛ وقد يطلب ترمب من هذه الجزيرة زيادة هذا الرقم، كما يقترح مستشار الأمن القومي السابق لترمب، روبرت أوبراين، ومسؤول الدفاع الكبير إلبريدج كولبي. وقال خبراء في الشأن التايواني لمجلة “فورين بوليسي” إن “شركة (تي إس إم سي)، عملاق أشباه الموصلات التايوانية، استثمرت بالفعل أكثر من 65 مليار دولار في مصانع جديدة في ولاية أريزونا، لكن ترمب قد يدفع نحو مزيد من الاستثمار المحلي”.
ومع أن ترمب قد يقود صفقة صعبة، فليس من المرجح أن يتخلى فعليا عن دعم تايوان. فمن بين كبار مستشاريه المحتملين وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، المؤيد القوي لتايوان والداعي إلى الاعتراف رسميا باستقلالها. ويتمسك ترمب في المقابلات، بسياسة الغموض الاستراتيجي التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ أمد بعيد، عندما يسأل هل سيدافع الجيش الأميركي عن تايوان في حال هاجمتها الصين أو حاصرتها. كما أن عدم القدرة على التنبؤ بشخصية ترمب يوفر له طبقة من الغموض الشخصي، سواء كان هذا الغموض استراتيجيا أم لا. وعندما سألته صحيفة “وول ستريت جورنال”، ذلك السؤال في مقابلتها معه في شهر أكتوبر الماضي، أجاب ترمب: “لن أضطر إلى ذلك، لأن (الرئيس الصيني شي جين بينغ) يحترمني ويعرف أنني متهور لعين”.
كما أن ما سيؤثر أيضا على سياسة إدارة ترمب تجاه الصين، هو أي الأصوات التي ستهيمن في نهاية المطاف على حكومته. وكما ذكرت مجلة “فورين بوليسي” سابقا، فإن مسألة إلى أي مدى ينبغي أن تخاض المنافسة الوجودية مع الصين، تقسم صقور الجمهوريين إلى قسمين، كما تقسمهم أسئلة رئيسة أخرى، بما فيها كم ينبغي فصل الاقتصادين بعضهما عن بعض. وكما حدث في ولاية ترمب الأولى، فإن خطوط المعركة هذه ستنتقل بالتأكيد إلى البيت الأبيض.
ومن المؤكد أن علاقات ترمب الشخصية ستؤدي دورا في تشكيل سياسته أيضا. فقد أعرب الرئيس المنتخب أكثر من مرة عن إعجابه بالرئيس الصيني شي. وقال لمجلة “بيزنس ويك”: “أنا أحترم الرئيس شي كثيرا. تعرفت إليه جيدا، وأعجبت به كثيرا. فهو رجل قوي، لكنني أعجبت به كثيرا”. وقد أظهرت ولاية ترمب الأولى استعداده لمقاومة سياسة إدارته لصالح سياسته الشخصية مع الرئيس شي؛ وقد يحدث هذا مرة أخرى في سعيه إلى إبرام صفقة تجارية ثانية. (بقلم: ليلي بايك وكيث جونسون).
الشرق الأوسط
ما لم تُحل النزاعات الإسرائيلية مع “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان بالكامل قبل تنصيب ترمب– وهو أمر مستبعد– فسيظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط من القضايا الأكثر إلحاحا على أجندة السياسة الخارجية. تحدث الرئيس المنتخب عن ضرورة إنهاء الحرب في غزة، وصرّح في أغسطس/آب بأنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “احصل على انتصارك لأن القتل يجب أن يتوقف”.
فلسطينيون يقفون أمام منازلهم المدمرة بعد عملية عسكرية إسرائيلية شرق دير البلح، في وسط قطاع غزة، 29 أغسطس 2024
ولا يزال من غير الواضح الدور الذي ستلعبه الإدارة القادمة في السعي لإنهاء هذه الحرب. وقد انتقد ترمب دعوة فريق بايدن لوقف إطلاق النار، واصفا إياها بأنها محاولة “لتقييد يد إسرائيل”، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى إعطاء “حماس” الوقت لإعادة تنظيم صفوفها.
خلال ولايته الأولى، دعم ترمب حل الدولتين كسبيل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع إظهار تفضيل واضح لإسرائيل. فقد منحها سلسلة من المكاسب الدبلوماسية التي طالما سعت إليها، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وكذلك عكس سياسات أميركية دامت لعقود باعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وإعلانه أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي.
وقد صرح ترمب في وقت سابق بأنه: “حارب من أجل إسرائيل كما لم يفعل أي رئيس من قبل” ويُعتبر دوره في التوسط في اتفاقات أبراهام، وهي سلسلة من الاتفاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من أهم إنجازاته في السياسة الخارجية؛ وقد واصلت إدارة بايدن جهودها في تلك الاتفاقات.
بينما كانت علاقة نتنياهو وترمب دافئة خلال فترة ولايته الأولى، توترت بعد أن قام الزعيم الإسرائيلي بتهنئة بايدن على فوزه في انتخابات 2020 بعد يوم واحد من إعلان النتائج، مما أثار غضب ترمب. وفي الأشهر الأخيرة، أصبح ترمب أكثر انتقادا لإسرائيل، محذرا في أبريل/نيسان من أن الدولة “تخسر حرب العلاقات العامة” في غزة.
اتخذت إدارة ترمب الأولى موقفا متشددا تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي واتبعت سياسة “الضغط الأقصى” على النظام، كما نفذت عملية اغتيال قاسم سليماني عام 2020
يعود ترمب إلى البيت الأبيض في فترة يشهد فيها الشرق الأوسط تصاعدا في الاشتباكات بين إسرائيل، ووكلاء إيران في لبنان واليمن ومناطق أخرى. وقد شهد هذا العام أول تبادل مباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وبينما سعت إدارة بايدن إلى تهدئة التوترات، داعية إسرائيل إلى تجنب استهداف المنشآت النووية، ومنشآت الطاقة الإيرانية في موجة الضربات الانتقامية الأخيرة، يبدو أن ترمب سيكون أقل حذرا، إذ قال في أكتوبر: “إنه على إسرائيل أن تضرب المنشآت النووية أولا وتهتم بالباقي لاحقا”.
اتخذت إدارة ترمب الأولى موقفا متشددا تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي واتبعت سياسة “الضغط الأقصى” على النظام، كما نفذت عملية اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية في يناير/كانون الثاني 2020.
وفي تصريح له للصحافيين في سبتمبر/أيلول، قال ترمب إنه منفتح على عقد صفقة جديدة مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي. وأضاف: “علينا عقد صفقة لأن العواقب لا تُحتمل. علينا عقد صفقة”. دون أن يقدم تفاصيل إضافية حول شكل هذه المفاوضات.
ورغم سعي ترمب إلى إنهاء التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، فإنه لم يكن معارضا تماما لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف واضحة، وفقا لما ذكره روبرت غرينواي، الذي شغل منصب مدير مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط في عهد ترمب. وقد يشمل ذلك منع إيران من الانضمام إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك أسلحة نووية. وقال غرينواي: “قد يكون الخيار العسكري هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لمنع إيران من تطوير سلاح نووي”.
كما أضافت أجهزة الاستخبارات الأميركية بُعدا جديدا، إذ حذرت من أن إيران خططت لاغتيال ترمب، وربما تواصل مساعيها في هذا الصدد بعد يوم الانتخابات. وعلّق غرينواي قائلا: “الأمر أصبح شخصيا الآن. لن أستبعد ذلك”. (بقلم: إيمي ماكينون).
روسيا- أوكرانيا وحلف “الناتو”
انتقد ترمب تمويل الولايات المتحدة للجهود الحربية الأوكرانية، داعيا أوروبا إلى تحمل المزيد من عبء دعم كييف. ووصف الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأنه “أعظم بائع في العالم” لحصوله على مبالغ طائلة من إدارة بايدن لصالح أوكرانيا، مع توضيح موقفه قائلا: “هذا لا يعني أنني لا أريد مساعدة زيلينسكي، لأنني أشعر بشفقة كبيرة تجاه هؤلاء الناس”. ومع ذلك، أعرب عن شكوكه في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا.
وادعى ترمب أنه سيحتاج إلى أربع وعشرين ساعة فقط للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأنه سينجز ذلك قبل تنصيبه في يناير. لكن ما زالت التفاصيل حول كيفية تحقيقه لهذا الهدف غير واضحة.
وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” في يوليو/تموز 2023، اقترح ترمب أنه سيجبر زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات عبر إبلاغ زيلينسكي بأن كييف لن تحصل على مزيد من المساعدات الأميركية، بينما سيهدد بوتين بزيادة الدعم الأميركي لأوكرانيا بشكل كبير إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
ولم يقدم ترمب الكثير عن الشكل النهائي للتسوية التفاوضية، مكتفيا بالتعبير عن رغبته في “رؤية اتفاق عادل يتم التوصل إليه”.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك بعد قمتهما في 16 يوليو 2018 في هلسنكي، فنلندا
إلا أن نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس قدم بعض التفاصيل الإضافية حول ما قد يشمله هذا الاتفاق، مشيرا إلى أن ترمب سيترك تفاصيل اتفاق السلام للبلدين المتحاربين وأوروبا. وأوضح فانس أن الاتفاق قد يتضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح على خطوط القتال الحالية، بما يضمن لأوكرانيا الاحتفاظ بسيادتها مع إجبارها على التنازل عن بعض الأراضي التي تسيطر عليها موسكو حاليا، فضلا عن ضمان بقاء أوكرانيا محايدة، ما يعني عدم انضمامها إلى “الناتو” أو غيره من المؤسسات “الحليفة”.
وأشار المحللون إلى أن هذه الشروط تشبه إلى حد كبير المطالب التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار، والتي رفضتها أوكرانيا ودول داعمة لها- من بينها الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا.
ترمب ليس من أكثر المؤيدين لحلف “الناتو”، ولا يحتفظ الحلف أيضا بمشاعر ودية تجاهه. فقد وبّخ ترمب الدول الأعضاء التي لا تفي بالحد الأدنى للإنفاق الدفاعي، وشجع روسيا على “التصرف كما تشاء” مع الدول التي لا تحقق نسبة الـ2 في المئة المطلوبة من الإنفاق الدفاعي. ومن بين 32 دولة عضوا في الحلف، هناك ثماني دول لا تستوفي هذا الشرط.
قبيل الانتخابات، سعى “الناتو” لتحصين نفسه ضد احتمال رئاسة جديدة لترمب. خوفا من أن يؤدي فوز ترمب بولاية ثانية إلى تقليص أو وقف المساعدات لأوكرانيا، كثّف الحلف من إنتاج الأسلحة والمعدات الأساسية، وعمل على تعزيز سيطرته على التدريبات والإمدادات إلى أوروبا. وفي قمة “الناتو” لهذا العام في واشنطن، أكد الحلف مجددا على أن “مستقبل أوكرانيا في الناتو” لكنه امتنع عن تقديم دعوة مباشرة لكييف للانضمام أو تحديد جدول زمني للعضوية.
من منظور روسيا، قد يمهد فوز ترمب بولاية ثانية الطريق لعلاقات أكثر ودية بين واشنطن وموسكو، حيث فضّل الكرملين الزعيم الجمهوري على منافسيه الديمقراطيين. ومع ذلك، يُبدي الروس ترددا بشأن وعود ترمب بإنهاء الصراع فورا. وعلق المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في سبتمبر بأن هذا التفكير ينتمي إلى “عالم الخيال”.
ومنذ مغادرته المنصب، أفادت تقارير بأن ترمب تحدث إلى بوتين نحو سبع مرات. ولم يؤكد ترمب هذه المحادثات، لكنه علّق قائلا: “إنه إذا كانت قد حدثت، فإن ذلك يعتبر شيئا ذكيا”. وفي سبتمبر التقى ترمب مع زيلينسكي في نيويورك. لدى الرئيس المنتخب تاريخ معقد مع زعيم أوكرانيا، حيث جرى عزل ترمب في عام 2019 بسبب الضغط على زيلينسكي للحصول على معلومات سياسية ضد بايدن والديمقراطيين لمساعدته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020؛ في ذلك الوقت، كان ترمب يحتجز حوالي 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لأوكرانيا. (بقلم: ألكسندرا شارب).
زاد وضع ترمب لسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا ضمن إطار التنافس الأكبر مع الصين، في استياء القادة الأفارقة الذين ضاقوا ذرعا بمعاملتهم كمجرد فكرة ثانوية في السياسة الأميركية
أفريقيا
لم تنل السياسة الأميركية تجاه أفريقيا اهتماما يُذكر خلال الحملة الانتخابية لهذا العام؛ فلم يقدم كل من ترمب أو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تفاصيل تُذكر حول خططهما المستقبلية تجاه القارة. ولكن ولاية ترمب الأولى تقدم بعض المؤشرات على الشكل المحتمل لنهجه المقبل.
تركزت مبادرة ترمب المميزة في القارة، والمعروفة باسم “ازدهار أفريقيا”، على تعزيز التجارة وتعميق العلاقات التجارية للشركات الأميركية في القارة. ومع ذلك، اتسم حديثه عن السياسة الأميركية تجاه أفريقيا في كثير من الأحيان بنبرة ازدرائية، بل وحتى عنصرية، حيث وصل به الأمر إلى وصف بعض الدول بأنها “دول قذرة” رغم أنه لم يزر القارة ولو لمرة واحدة.
وما زاد من تعقيد الأمور، هو وضع ترمب لسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا ضمن إطار التنافس الأكبر مع الصين، مما أثار استياء القادة الأفارقة الذين ضاقوا ذرعا بمعاملتهم كمجرد فكرة ثانوية في السياسة الأميركية أو بيادق في لعبة الجغرافيا السياسية.
ووفقا لكاميرون هدسون، زميل بارز في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، فإن ترمب”أطّر مصالح أميركا في أفريقيا كجزء من المنافسة مع الصين، وبدرجة أقل مع روسيا. وقد تعلمت إدارة بايدن عدم تأطير مصالحها بهذه الطريقة، مدركة أن ذلك لا يخدم العلاقات مع الحكومات الأفريقية”.
وقد ورد ذكر انخراط الولايات المتحدة في أفريقيا ضمن “مشروع 2025”- الكتاب الذي يتضمن 900 صفحة من السياسات المحافظة، والصادر عن مؤسسة “هيريتيج” والمرتبط بفريق ترمب- على الرغم من محاولة الأخير النأي بنفسه عنه في حملته الانتخابية. ومع ذلك، فإن الكثير من المصالح المتعلقة بالسياسة الخارجية التي أبرزها الكتاب- بما في ذلك النمو السكاني المتزايد في أفريقيا، ووفرة المعادن الحيوية، والقرب من طرق الشحن الرئيسة، إلى جانب مكافحة الإرهاب هناك- تتلاقى مع أولويات إدارة بايدن، وفقا لتقرير صادر عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” أشار إليه هدسون. كما شدد المشروع على أهمية التصدي “للنشاط الصيني الخبيث في القارة” عبر تفعيل الدبلوماسية العامة.
ويظل التساؤل الأساسي بحسب هدسون هو قدرة ترمب على ضبط نفسه، ومقاومة الإدلاء بذات التصريحات المهينة التي أدلى بها خلال فترة ولايته السابقة حول أفريقيا، والتي أدت سابقا إلى توتر العلاقات وعطلت الجهود الدبلوماسية. وقال هدسون: “هل سيتمكن من تجنب التصريحات المسيئة التي عُرف بها؟ ذلك أمر لا يمكن التنبؤ به”. (بقلم: كريستينا لو).
الهجرة
تميزت فترة ترمب الأولى بسياسة هجرة صارمة تضمنت إجراءاته المثيرة للجدل، مثل فصل العائلات، وحظر السفر على دول ذات أغلبية مسلمة. ووعد ترمب، في حال فوزه بولاية ثانية، بإجراء إصلاح جذري لسياسة الهجرة الأميركية، يتضمن “أكبر حملة ترحيل في تاريخ أميركا”.
مهاجرة مكسيكية وعائلتها ألقي القبض عليهم من قبل ضباط الجمارك وحماية الحدود الأميركية بعد عبورهم إلى الولايات المتحدة في 25 يونيو 2024 في روبي، أريزونا
وقد وضع مستشارو الرئيس المنتخب خطة تقوم من خلالها “وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك” بتنفيذ حملة مداهمات واعتقالات واسعة النطاق، في أماكن العمل لترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين سنويا. ووفقا لستيفن ميلر، قيصر الهجرة السابق، والمستشار الحالي لترمب، فإن إدارة ترمب تخطط لإنشاء “مرافق احتجاز ضخمة” ربما في تكساس، بالقرب من الحدود الجنوبية، لاستيعاب العدد المتوقع من المحتجزين بانتظار الترحيل.
كما يتصور ترمب وقف “برنامج اللاجئين الأميركي” وإعادة فرض بعض السياسات الأكثر إثارة للجدل من فترته الرئاسية الأولى، مثل تطبيق نسخة جديدة من حظر السفر على المسلمين.
عمليات الترحيل الجماعي التي اقترحها ترمب، والتي تستهدف قوة عاملة رئيسة يصعب استبدالها، من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي
ومن المتوقع أن تتكلف هذه الخطة مليارات الدولارات؛ وقدّر “مجلس الهجرة الأميركي”- مجموعة مناصرة غير ربحية– قدّر الكلفة بحوالي 88 مليار دولار سنويا على مدى أكثر من عقد من الزمن. وبعيدا عن التكاليف الأولية، والخسائر البشرية الهائلة لمثل هذه السياسة، فقد حذر خبراء اقتصاديون من أن تنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق على النحو الذي اقترحه ترمب من شأنه أن يلحق ضررا بالاقتصاد الأميركي.
ووفقا لتحليل أجراه معهد “بيترسون للاقتصاد الدولي”، فإن عمليات الترحيل الجماعي التي اقترحها ترمب، والتي تستهدف قوة عاملة رئيسة يصعب استبدالها، من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وتقليص فرص العمل. كما أشار التحليل إلى أن الضرر الأكبر سيكون من نصيب قطاع الزراعة.
مهاجرة مكسيكية تحمل ابنتها أثناء القبض عليها من قبل ضباط الجمارك وحماية الحدود الأميركية بعد عبورها إلى الولايات المتحدة في 26 يونيو 2024
وذكر أرييل رويز سوتو، الخبير في “معهد سياسة الهجرة”، أن الإصلاح الذي اقترحه ترمب لن يكون سهل التنفيذ، وأنه سيواجه تحديات سياسية وقانونية ولوجستية كبيرة، قائلا: “إنه على المستوى المحلي، سيكون من الصعب للغاية على إدارة ترمب الحصول على دعم كاف من الكونغرس لإجراء عمليات ترحيل جماعية. أما من الناحية اللوجستية، فسيكون من الصعب التعرف على هوية اللاجئين، واحتجازهم لفترات طويلة دون انتهاك القانون الأميركي الحالي، ومن ثم إعادتهم إلى بلاد ربما لم يزوروها منذ وقت طويل”.
فرض ترمب قيودا متعددة على “برنامج تأشيرة إتش- ون بي” (H-1B) الذي يستخدمه الآلاف من الهنود للدخول إلى الولايات المتحدة كل عام
قد تثير الخطابات والوعود السياسية النارية لترمب قلقا كبيرا في أوساط مجتمعات المهاجرين. وبحسب سوتو فإنه: “سواء كانت هذه السياسات المقترحة قابلة للتطبيق أم لا، فإن لها تأثيرات ملموسة على الأفراد”. كما أشار سوتو إلى “الأثر المخيف” الذي تسببت فيه سياسات ترمب خلال ولايته الأولى. (بقلم: كريستينا لو).
الهند
تعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والهند تقليديا علاقة ثنائية مستقلة عن توجهات القادة على الجانبين، ولم تكن ولاية ترمب الأولى استثناء، إذ طوّر مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي– الذي أعيد انتخابه للمرة الثالثة هذا العام– علاقة بدت سياسية وشخصية أكثر من كونها دبلوماسية. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك تجمّع “هاودي مودي” في هيوستن في سبتمبر 2019 وتجمع “ناماستي ترمب” والذي أقيم في أحمد آباد في الهند بعد خمسة أشهر.
وحتى الآن لا يبدو أن هناك سببا للتشكيك في استمرار هذه العلاقة، لكن النظرة العالمية التبادلية لترمب، لا سيما فيما يتعلق بتعارض مبدأ “أميركا أولا” ومبدأ “صنع في الهند” الذي ينتهجه مودي، أوجدت بعض التوترات. وفيما يتعلق بالهجرة، وهو موضوع حساس للهنود كونهم يمثلون أكبر مجموعة من المتقدمين لتأشيرات العمل الأميركية، فرض ترمب قيودا متعددة على “برنامج تأشيرة إتش- ون بي” (H-1B) الذي يستخدمه الآلاف من الهنود للدخول إلى الولايات المتحدة كل عام. وبينما أبقى بايدن على بعض هذه القيود في بداية حكمه، فإنه قام لاحقا بتخفيف العديد منها. وكان ترمب قد انتقد في السابق “برنامج تأشيرات إتش- ون بي” (H-1B) باعتباره غير عادل للعمال الأميركيين، لكنه لم يشر حتى الآن إلى الكيفية التي سيتعامل بها مع هذا الموضوع هذه المرة.
حاليا، تبدو واشنطن ونيودلهي في وضع أفضل، إذ عمل بايدن ومودي على تعميق العلاقات في مجالات التكنولوجيا والتجارة والدفاع، فضلا عن القلق المتبادل بشأن صعود الصين. ومن المتوقع استمرار هذه الديناميكية في عهد ترمب، حيث قد تقود معارضته للصين إلى تعزيز العلاقات الأميركية مع دول جنوب آسيا، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي حين قد تلقى مشتريات الهند المتزايدة من المعدات الدفاعية الأميركية ترحيبا من قبل ترمب، فإن تشككه في التحالفات متعددة الأطراف قد يخلق تحديات أمام شراكات مثل “الرباعية”.
وفي حديث أجراه سوشانت سينغ، المحاضر بـ”جامعة ييل” وكاتب دائم في مجلة “فورين بوليسي”، قبيل الانتخابات، صرح بأنه يعتقد أن “الهند واثقة من قدرتها على التعامل مع أي من الإدارتين، رغم أن إدارة ترمب كانت غير متوقعة وغير متسقة إلى حد كبير”. (بقلم: ريشي إينغار).
التكنولوجيا
نظرا لأهمية التكنولوجيا في السياسة العالمية اليوم، فإن نهج ترمب تجاه هذه الصناعة على الصعيد المحلي وصعيد الأمن القومي ستكون له تداعيات عالمية. فعلى الصعيد المحلي، لا تزال سياساته تجاه التكنولوجيا غير واضحة، فرغم دعم شخصيات بارزة في وادي السليكون مثل إيلون ماسك لحملته، أبدى جيه دي فانس تأييده لرئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان المعروفة بموقفها الصارم تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى.
أما من ناحية الأمن القومي، فقد تظهر سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب استمرارية أكبر مما هو متوقع. فعلى سبيل المثال، جاءت قيود بايدن على تصدير أشباه الموصلات بعد حملة ترمب الصارمة على شركة “هواوي” وقد أعاد بايدن النظر في قرار حظر تطبيق “تيك توك” الصادر عن ترمب بضغط من الكونغرس. ومع ذلك، فإن مستقبل التطبيق المملوك من الصين في الولايات المتحدة لا يزال غير واضح، لأن موضوعه قد يبقى قيد النظر في المحاكم لعدة أشهر. وكان موقف ترمب من هذا الأمر خلال حملته الانتخابية يتسم بدرجة غير مسبوقة من الغموض.
ومن المتوقع أن يواصل ترمب- في سعيه للحد من صعود الصين وإعادة تصنيع التكنولوجيا للولايات المتحدة- السياسات التي بدأها سابقا والتي عززها بايدن. (بقلم: ريشي إينغار).