مصدر سوري لـ”رويترز”: الشرع طلب من موسكو تسليم الأسد
القاعدتان الروسيتان في الساحل السوري
في ختام الزيارة، رأى بوغدانوف مساء أول من الثلاثاء، أن مسألة مصير القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سورية تتطلب مزيداً من المشاورات، مؤكداً أنه لم تطرأ أي تغييرات على الوجود الروسي في سورية حتى الآن. وأوضح أن مسألة فسخ دمشق عقد إدارة مرفأ طرطوس مع شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، هي “مسألة فنية يمكن إيجاد حلول لها ترضي الجانبين”. وكان نظام الأسد قد وقع العقد في عام 2019، على أن يدير الجانب الروسي الميناء لـ49 عاماً، ويستثمر 500 مليون دولار في تحديثه. وأوضحت وزارة الخارجية السورية في بيان، أمس الأربعاء، أنه جرى “حوار صريح ومناقشات لمجموعة كاملة من القضايا في العلاقات الروسية السورية في نقطة التحول الحالية، وتم التأكيد على الرغبة في مواصلة بناء التعاون الثنائي متعدد الأوجه على مبادئ الصداقة التقليدية والاحترام المتبادل بين روسيا وسورية”.
وأضاف البيان أن “الوزير الروسي أكد دعمه المستمر لوحدة الجمهورية العربية السورية وسلامتها الإقليمية وسيادتها، فضلاً عن استعداده لمد يد العون للشعب السوري وتقديم المساعدة اللازمة في إعادة إعمار البلاد بعد الأزمة”. واتفق الجانبان، وفق البيان، على “مواصلة الاتصالات الثنائية لتحقيق تفاهمات تعزز العلاقات متعددة الأبعاد والتفاهم المتبادل بين موسكو ودمشق، بما في ذلك الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية”. من جهته، كشف مصدر سوري مطلع على المحادثات مع موسكو لوكالة رويترز، أن الشرع طلب من روسيا تسليم بشار الأسد ومساعديه المقربين خلال المحادثات مع بوغدانوف. وامتنع المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن التعليق، أمس الأربعاء، ما إذا كان هذا الطلب قد أثير أم لا. وأحجم أيضاً عن التعليق على سؤال حول تقرير سوري يفيد بأن دمشق تسعى للحصول على “تعويض” من روسيا. لكن بيسكوف شدّد على أن “روسيا تعمل على بناء حوار مع الإدارة الجديدة في سورية”.
وفي وقت تأنت فيه السلطات السورية الجديدة في الإقدام على أي خطوة من شأنها المساس بالمصالح الروسية أو إنهاء الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري أو إشهار مواقف معادية للكرملين، رأى الأكاديمي السوري المعارض المقيم في موسكو محمود الحمزة، أن زيارة الوفد الروسي الرفيع إلى دمشق يمكن قراءتها بمثابة مد اليد لبدء صفحة جديدة من العلاقات مع السلطات السورية الجديدة، متوقعاً في الوقت نفسه أن تطالب دمشق موسكو مقابل الإبقاء على وجودها العسكري في الساحل السوري بثمن باهظ. وقال الحمزة لـ”العربي الجديد”: “أعتقد أن مبادرة روسيا بإيفاد بوغدانوف ولافرينتييف إلى دمشق هامة وإيجابية، وإن جاءت متأخرة، حيث كان ينبغي إجراؤها خلال الشهر الأول بعد سقوط الأسد.
ومع ذلك، نمكن قراءتها على أنها مد اليد لبدء صفحة جديدة مع السلطة الجديدة التي تريد موسكو الإظهار للعالم أن لها علاقات معها رغم دعمها القوي لنظام الأسد سابقاً حتى الأيام الأخيرة قبيل سقوطه”. وجزم بأن هناك ملفات شائكة ومعقدة بين روسيا وسورية الجديدة، مضيفاً: “تريد روسيا الإبقاء على قاعدتيها في الساحل السوري ولكن ميناء طرطوس يكاد يكون سُحب من بين أيدي الروس بعد إلغاء اتفاقية الاستثمار التجاري. أما قاعدة حميميم، فأكدت روسيا جاهزيتها لاستخدامها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية”. واعتبر الحمزة أن إصلاح العلاقات من مصلحة روسيا والسلطات السورية الجديدة، قائلاً: “في السنوات الأخيرة، أدت روسيا دوراً سلبياً للغاية في سورية من جهة تقديم دعم عسكري مباشر للنظام. اليوم ثمة حاجة متبادلة لإصلاح العلاقة، ولكنني أتوقع أن السلطة الجديدة ستطالب موسكو بثمن كبير مثل تسليم بشار الأسد وكبار ضباطه، لقاء بقاء القاعدتين الروسيتين في الساحل السوري، خصوصاً أن دمشق تتعرض لضغوط أوروبية كبيرة من أجل إنهاء أي نفوذ روسي مقابل تقديم دعم في إعادة إعمار البلاد”.
كيريل سيميونوف: على موسكو الاستيعاب أن السلطات الجديدة غير معنية بأغلبية الاتفاقات الروسية السورية
من جهته، جزم الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، هو الآخر بأن السلطات السورية الجديدة تتطلع للحفاظ على علاقات الشراكة مع روسيا لتحقيق توازن لسياستها الخارجية متعددة الاتجاهات، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “على روسيا الاستيعاب أن السلطات الجديدة غير معنية بأغلب الاتفاقات الروسية السورية التي ترى فيها امتداداً للاتفاقات مع الأسد. لكن على الرغم من تبنيها مواقف سلبية حيال موسكو على اعتبارها حليفاً للأسد، إلا أن السلطات الجديدة معنية بالحفاظ على اتصالات معها”. ورأى أنه لا ينبغي حصر العلاقات الروسية السورية في مستقبل القاعدتين العسكريتين، مضيفاً: “تعتزم السلطات الجديدة انتهاج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تحقق توازناً بين العلاقات مع الغرب الجماعي واللاعبين الإقليميين ودول الجنوب العالمي وروسيا التي ستحتاج إليها دمشق شريكاً في جميع الأحوال”.
بدوره، أكد الباحث باسل الحاج جاسم في حديث لـ”العربي الجديد” أن المصالح الروسية في سورية كبيرة ومعقدة وتشمل الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية. ويتطلب التعامل معها مزيجاً من السياسة والحكمة، إذ إن روسيا استثمرت بقوة في دعم نظام الأسد منذ 2015، ما جعلها صاحبة نفوذ واسع في البلاد. هذا النفوذ ترسخ عبر مجموعة من الاتفاقيات التي وقعها النظام السوري مع موسكو. وأضاف الحاج جاسم: “تريد روسيا اليوم عدم دخول سورية في أي محور غربي وعدم استخدامها ورقة ضغط في علاقاتها مع الغرب، كما تريد الحفاظ على قاعدتيها على الساحل السوري دعماً لاستراتيجية موسكو في الشرق الأوسط. وأوضح أنه لا يوجد رقم دقيق معلن حول حجم الديون، لكن بعض التقارير تقدر ديون سورية لروسيا بمليارات الدولارات نتيجة شراء الأسلحة والتمويل العسكري والاقتصادي الذي قدمته موسكو للنظام المخلوع، وقد يطلب من موسكو إلغاء جزء من ديونها على سورية، خصوصاً تلك المرتبطة بالدعم العسكري خلال الحرب”. وذكر الحاج جاسم أنه يمكن للإدارة الجديدة في سورية إعادة التفاوض على كل العقود طويلة الأمد مع روسيا، تحديداً تلك التي تم توقيعها في ظروف غير متكافئة، ويمكنها اللجوء إلى المنظمات الدولية للطعن في بعض الاتفاقيات التي أبرمت في ظل ظروف حرب. كما أن الإدارة الجديدة قد تستفيد من دعم الرأي العام الرافض للوجود الروسي لاستعادة بعض الأصول والامتيازات.
زيارة بيلاروسية سابقة
وكذلك كان لافتاً أن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق استبقتها أخرى لوزير الخارجية البيلاروسي، ماكسيم ريجينكوف، الذي عقد لقاء مع الشرع وأهدى سورية 50 حافلة من طراز “ماز” ستنتج وستسلم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ولما كانت بيلاروسيا هي الحليف الأهم لروسيا بين الجمهوريات السوفييتية السابقة، يفتح تعزيز العلاقات بين مينسك ودمشق الباب على مصراعيه أمام مشاركة موسكو في مختلف المشاريع في سورية بالشراكة مع شركات بيلاروسية. وبالعودة إلى مصير القاعدتين الروسيتين في سورية، توقع كبير الباحثين بمركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، نيكولاي سوخوف، عدم عودة العلاقات الروسية السورية إلى نفس مستوى عهد الأسد، معتبراً أن أقصى ما يمكن أن تطمح إليه روسيا هو الإبقاء على قاعدتيها على أساس تجاري. وقال سوخوف لصحيفة فيدوموستي الروسية: “هناك مؤشرات تدل على أنه على الأرجح لن يتسنى الإبقاء على حميميم، وأقصى ما يمكن ضمانه هو الخروج الآمن لقواتنا مع مساومات تتعلق بمصير المعدات المرابطة بالقاعدة”.
واعتبر أن السلطات السورية الجديدة تتبنى مواقف أكثر حيادية حيال القاعدة البحرية الروسية في طرطوس في الساحل السوري التي لم تستخدم لشن غارات جوية على مواقع فصائل المعارضة، مقراً في الوقت نفسه بأن موسكو ستكون في موقع الضعف في المفاوضات مع السلطات الجديدة نظراً لتعذر منافسة تركيا ودول الخليج والولايات المتحدة. وكان الشرع قد أكد في أكثر من مناسبة على العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع موسكو، بينما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال فعالية “الخط المباشر” مع المواطنين ومؤتمره الصحافي السنوي الكبير في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، هو الآخر رسالة مغازلة إلى السلطات السورية الجديدة، مقراً بأن تغييرات طرأت على الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل ضد قوات النظام، ومؤكداً إقامة روسيا اتصالات مع “قوى تسيطر أو ستسيطر على الوضع” في المستقبل.
- العربي الجديد