جورج صبرة
حماة مدينة القلب السورية ، التي اشتهرت بعاصيها ونواعيرها ، وبخيراتها التي تجمع عطاء البادية إلى منتجات الغاب . وعرفت برجالها الذين أغنت بهم الوطنية السورية ودولة الاستقلال ، ودعمت بنضالهم المعارك القومية التي خاضها السوريون من أجل العروبة وفلسطين .
بدأ صراع حماة مع السلطة الفئوية القمعية والتسلطية المجرمة في وقت مبكر من وجود هذه السلطة ، مع أحداث جامع السلطان 1964 . واستؤنف 1980 بمجزرة سجن تدمر . وبعدها بالمرسوم التشريعي رقم 49 الذي قضى بإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين .
كانت مجزرة حماة 1982 أول نتوء بارز في تاريخ القمع والإجرام للسلطات السورية ، كشف عن حقيقتها وجوهرها والمدى الذي يمكن أن تصله بمعاداة الشعب ، من حيث أعمال التدمير للأحياء والقتل الجماعي والإعدامات الميدانية والاغتيالات التي طالت الأطباء ووجهاء المدينة . وتدمير 79 مسجداً بشكل كلي أو جزئي ، وثلاث كنائس و40 عيادة طبية ، والعديد من المناطق التاريخية في المدينة . وبسبب هذه الفظائع ، وكون المدينة محافظة اجتماعياً ببنيتها التاريخية ، وللتيار االإسلامي حضور فيها، ولأن المرتكبين مجموعات وفصائل تغلب عليها البنية الطائفية كسرايا الدفاع وسرايا الصراع والوحدات الخاصة ، فقد ألقت المجزرة ونتائجها الفظيعة ظلالاً قاتمة على النسيج الاجتماعي الوطني السوري . لكنه بقي صامتا ، ويتفاعل بصمت .
كشفت المجزرة عن مؤشرات مرعبة لما يمكن أن تفعله السلطة في صراعها مع الشعب . فما أن خرجت بعض الأصوات السياسية المعارضة والمستنكرة لما جرى ، حتى فتحت السجون والمعتقلات لاستقبال المئات من الشباب السوري من مختلف الاتجاهات السياسية ومن مختلف المناطق والمكونات السورية ، ليصبح عقد الثمانينات بامتياز عقد سورية كسجن كبير .
وإذا كان الصمت المعمم الذي ، غلف المجريات بتفاصيلها ومراميها بسبب الخوف على مصير الأهل مفهوماً ، بغية تجنب المزيد من الآلام الممكنة من قبل السلطة وزبانيتها وعملائها . فإن صمت الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنابرها ، والمنظمات الحقوقية والإنسانية المختصة ليس مفهوماً ولا مبرراً على الإطلاق . وكذلك لم يكن مقبولاً تخاذل المجتمع الدولي وغياب صوته في الشرق والغرب . فقد كانت ردود الفعل على مذبحة المدينة والفظائع المرتكبة بحق المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء باهتة ومخزية سياسياً وعلى الصعيد الإعلامي . فقد كان النظام الوظيفي لآل الأسد الذي يخدم الخارج أكثر أهمية لهم . لذلك استمروا بتجاهل ما جرى للمدينة وأهلها ، رغم أنها جرائم ضد الإنسانية موصوفة ومضبوطة بالوثائق الدامغة .
جاءت الثورة السورية بأعوامها الثلاثة عشرة لتفضح النظام وتنشر جرائمه وارتكاباته أمام المجتمع الدولي بالصوت والصورة . حيث صار سلوكه مع حماة وأهلها عام 1982 سلوكاً معمماً في الفضاء السوري وفي جميع المناطق . وازداد وحشية لدرجة غير مسبوقة في الإطار العالمي . ولم يعد الصمت ممكناً ولا جائزاً .
فحزم السوريون أمرهم باستمرار الثورة حتى الانتصار وكنس النظام عن خريطة الوجود . وهو ما تحقق في الثامن من كانون الأول 2024 . وجاء الزمن الذي صار فيه تحقيق العدالة ومحاسبة المرتكبين أمراً ممكناً ومتوجباً .
- كاتب سوري