لا شك أن خطة التهجير التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تُشكل تهديداً للقضية الفلسطينية، وهذه الخطة هي جزء من مشروع «صفقة القرن»، التي طرحها ترامب خلال فترة ولايته الأولى، وهو المشروع الأخطر على الإطلاق، بسبب أنه يهدف إلى تحقيق تسوية للصراع دون الاعتراف بأي وجود للفلسطينيين.
لكنَّ خطة التهجير لا تشكل تهديداً للفلسطينيين وحدهم؛ وإنما هي تهديد للمنطقة برمتها، ومحاولة لتصدير الأزمة الإسرائيلية إلى دول الجوار، وهذا يعني أن المنطقة بأكملها أصبحت اليوم تواجه خطر الحرب والفوضى والدمار، وهذا ما عبَّر عنه بصراحة ووضوح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما قال مؤخراً بأن التهجير سوف يعني «الحرب»، وهي بالفعل كذلك، حيث أن التهجير الجماعي القسري للفلسطينيين سوف يعني بالضرورة توسع دائرة الحرب والعنف والفوضى في المنطقة، إلى دول ترتبط مع إسرائيل با تفاقات سلام.
التهجير الجماعي يعني اندلاع موجة من الفوضى والعنف والحرب في المنطقة برمتها، وبكل تأكيد لا يُمكن أن تؤدي هذه الفوضى إلى تحقيق الأمن للإسرائيليين، بل ستتوسع الجبهاتُ أمامهم
إذا نجحت خطة التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة فسوف تتبعها خطة مماثلة لفلسطينيي الضفة، وهذا سوف يعني بالضرورة أن دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن، سوف تشهد تحولاً في التركيبة السكانية والخريطة السياسية، وهو ما يُشكل بالضرورة عدواناً مباشراً على الأردن، وكذا الحال بالنسبة لمصر التي سيتم التهام جزء من أراضيها التي تمت استعادتها بعد حرب عام 1973. ثمة نتيجة حتمية للتهجير الجماعي -إذا حدث- وهو أن المقاومة الفلسطينية ستنتقل إلى الخارج، كما حدث في أعقاب حرب عام 1967 التي انتهت بموجة تهجير للفلسطينيين الذين قامت اسرائيل باحتلال أراضيهم ومنازلهم، فخلال الفترة من عام 1967 وحتى عام 1971 كانت العمليات الفدائية تنطلق من الأراضي الأردنية، وبعد ذلك انتقلت المقاومة إلى لبنان، وبقيت هناك حتى عام 1983، عندما غادرت منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم لاحقاً انتقلت المقاومة إلى الداخل باندلاع انتفاضة الحجارة في عام 1987.
التهجير الجماعي سوف يعني بالضرورة اندلاع موجة من الفوضى والعنف والحرب في المنطقة برمتها، وبكل تأكيد لا يُمكن أن تؤدي هذه الفوضى إلى تحقيق الأمن للإسرائيليين، بل ستتوسع الجبهاتُ أمامهم، كما ستواجه هذه الدول في المنطقة أزمات متلاحقة وغير مسبوقة وأوضاعاً مأساوية وبائسة. وتبعاً لهذا التحليل فإن مهمة إفشال هذه الخطة هي معركة العرب جميعاً، وليس الفلسطينيين وحدهم، وعلى دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر والأردن، أن تتحرك لإفشال هذه الخطة، أما كيفية إفشالها فيحتاج بالضرورة تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، من أجل تثبيته على أرضه ودعم صموده أمام الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه.
أخطر ما تقوم به إسرائيل اليوم هي أنها ما زالت تمنع دخول الخيم والكرفانات ومواد البناء، وهي السلع التي تساعد الفلسطينيين على إعادة بناء منازلهم التي دمرها الاحتلال في هذه الحرب، وتكتفي إسرائيل بالسماح بإدخال المواد الغذائية والمعونات الطبية الأساسية، أي أن إسرائيل تريد أن يجد الفلسطيني نفسه ينام في العراء، خلال فصل الشتاء أو تحت حرارة الشمس، فلا يجد حلاً سوى الهروب من هذا الوضع المأساوي، فضلاً عن أن من الواضح أن إسرائيل تعتزم استئناف الحرب والعدوان بعد هذه الهدنة لدفع أكبر عدد ممكن من الناس إلى مغادرة قطاع غزة.
إفشال هذه الخطة يستوجب أن تقوم مصر بفتحٍ كاملٍ لمعبر رفح، دون قيد أو شرط، كما يجب على العالم العربي أن يتحرك سريعاً لتقديم المعونات والمساعدات من أجل إعادة إعمار قطاع غزة وتثبيت وقف إطلاق النار ومساعدة كل فلسطيني على البقاء والصمود والاستمرار في التمسك بالمكان ومنع تكرار سيناريو التهجير الجماعي الذي حدث في عام 1948 وعام 1967، والذي تبين بعد أن تم تنفيذه أنه كان يصب في مصلحة إسرائيل ويصب في صالح توسع الاحتلال على حساب الأرض العربية الفلسطينية.
كاتب فلسطيني
- القدس العربي