أطلق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أمس الخميس، نداء دعا فيه حزبه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه.، مؤكدا أنه يتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة.
قدّم «آبو» (كما يسميه أنصاره) أسبابا لدعوته رابطا إياها بانهيار «الاشتراكية الواقعية» في العالم، و«تراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد» والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، و«بذلك فقد الحزب أهميته» و«استكمل دوره مثل نظرائه وأصبح حلّه ضرورة».
يقول أوجلان أن الأتراك والأكراد سعوا «للحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة» معتبرا أن هدف «الحداثة الرأسمالية» الأساسي هو «تفكيك هذا التحالف» و«مع التفسيرات الأحادية للجمهورية تسارع هذا المسار» مما أوجب «إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية» وذلك «بروح الأخوة مع مراعاة المعتقدات» ليصل إلى نتيجة حاسمة وهي أنه «لا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية».
يعتبر أوجلان في ندائه أن اتجاه حزب العمال إلى العنف كان «نتيجة إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية» ويرفض دعوات الانفصال القومي، والحكم الذاتي والفدرالية باعتبارها «حلولا ثقافوية لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع» ويخلص إلى «ضرورة اتحاد» الأكراد والأتراك، في «مجتمع ديمقراطي» يقوم على «احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقا لأسسها الخاصة».
على المستوى الجغرافي، واضح أن أوجلان يخصّ الأكراد في تركيا بحديثه، فيربط رسالته بدعوة دولت بهتشلي، الزعيم التركي الذي طالبه بإلقاء خطاب في البرلمان التركي، وبـ»الإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية» رجب طيب اردوغان، وبـ»المواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى».
كان لحزب المساواة والديمقراطية الشعبية، وهو الحزب الثالث حجما في البرلمان التركي، أثر في المفاوضات التي أدت إلى هذا التطوّر المهم، ويسعى هذا الحزب إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الكرد في تركيا، وهو ما يقتضي إنهاء الحقبة الطويلة للكفاح المسلّح التي ابتدأها حزب العمال في تركيا وإيران بعد 6 سنوات من تأسيسه (عام 1978) والواضح أن «المساواة والديمقراطية» نجح في إقناع أوجلان بضرورة توحيد الجهود الكردية في تركيا في هذا الاتجاه.
من الصعب ألا يكون للنداء، رغم أنه يتوجه بالخصوص إلى الأكراد في تركيا، تأثير على باقي الساحات التي يتواجد فيها حزب العمال، وعلى الخصوص في سوريا، التي يسيطر فيها على ثلاث محافظات شرق نهر الفرات، ويتمتّع فيها بحماية من «قوات التحالف» التي تقودها أمريكا، كما أن أوجلان نفسه، عاش فيها 19 سنة، تحالف حزبه خلالها مع نظام حافظ الأسد، قبل اضطراره للخروج منها واعتقاله في كينيا عام 1999.
كان متوقعا، والحال كذلك، أن يعتمد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (المرتبطة بحزب العمال) تخصيص أوجلان للأكراد في تركيا بندائه للتملّص من انطباق هذا القرار على «فروع» حزب العمال المنتشرة في سوريا والعراق وإيران، بقوله إن النداء يدعو لبدء «عملية سياسية سلمية داخل تركيا» و«لا علاقة له بنا في سوريا» خالصا إلى أنه «إذا تحقق السلام في تركيا» فهذا يعني أنه لا مبرر للسلطات التركية لمواصلة الهجمات على الحزب في سوريا، وهو عكس ما حصل لدى رئاسة كردستان العراق (التي ينازعها حزب العمال على بعض مناطق نفوذها في جبل قنديل وسنجار) التي أعلنت ترحيبها بالنداء مطالبة الحزب الالتزام بتنفيذ هذه الرسالة، مع التأكيد على استعداد إقليم كردستان العراق «لدعم عملية السلام بشكل كامل».
تحوّل أوجلان («المنتقم» حسب ترجمة اسمه) من المؤسس شبه المعبود من حزب العمال الذي أسسه قبل 47 عاما إلى داعية ديمقراطية وسلام، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لتسوية تاريخية طال انتظارها وحصدت عشرات آلاف القتلى والجرحى والتداعيات الهائلة على تركيا وجوارها، لكن الواضح أن قيادات حزب العمال في سوريا والعراق لديهم رأي آخر في هذه المسألة.
- القدس العربي