اسماعيل خليل الحسن
لم تمضِ أشهر قليلة على تولي الأمير مقاليد السلطة بعد وفاة والده حتى ضاق بالقصر وبقيود المراسم، واجتاحه الحنين الى اللعب واللهو مع أقرانه في المباريات البريئة وفي الأسواق الشعبية، يريده نظام القصر عابساً متجهماً متصنعاً الجدية والحزم وغلظة القلب، قالوا له الضحك يفقده الهيبة، واللعب يقتل الجدية، هذا ما لقّنه له رجال البلاط.
لقد أفاق ذات يوم فوجد يده قد تكلست وأصبحت حجراً، وفي اليوم الثاني تحجرت رجله، شعر أنه يوماً عن يوم سيصبح تمثالاً، الجذع والرأس والرقبة ثم أجزاؤه الداخلية، المعدة والطحال والكلى، وأيقن أن التحجر إن وصل إلى القلب فسيصبح مثل أبيه والملوك السابقين رجلاً بلا ملامح وبلا احاسيس مثلهم يغرقون في شؤون الحكم وكل همهم حماية العرش من المكائد والثورات والضرب بيد من حديد على العصاة، لا ينامون إلا إذا تخضبت أيديهم بالدماء.
تسلل الأمير من القصر ومضى إلى الساحة، وانغمس بين الناس يسمع أصوات الباعة، وهم ينادون بأصوات جميلة على بضائعهم، وجلبة النساء وهي تساوم الباعة، كان ينظر في الوجوه ويراها جميلة سمحة فعلام يخوفونه من الناس؟ وصادف عرساً، دقت له الطبول وصدحت المزامير، وشرع الشبان والشابات بالرقص، تحركت أطراف الأمير الحجرية وزال الصخر عن صدره واندفع إلى الرقص خفيفاً كغزال برّي أو طائر يفرد جناحيه في السماء، تنبه القوم إلى الغريب الراقص بمهارة ورشاقة وحماس فأخلوا له الساحة وهم يصفقون إعجابا بمهارته، وغنت مغنية وكأن الله قد ألهمها وأجرى على لسانها دون أن تعي ما تقول:
ارقص أيها الأمير..
دع القلب عالياً يطير
إن لم يرقص الملوك يفقدوا الإحساس
بالرقص والغناء..
ملكت يا أمير قلب الناس.
لم يعد الأمير يصغي إلى التعليمات الصارمة لبلاط القصر، إنه يضحك ويلهو ويغازل فتيات من العامة، فاجتمع رجال البلاط يتشاورون لأجل عزله، فإن يظلّ على هذه الحال، فسيفقد الحكم هيبته ووقاره وسطوته، ولقد زاد رصيده بين الناس، ورأوا فيه مخلّصاً من ظلم رجال الحكم الذين أحسّوا بالخطر يحدق بهم وبمطامعهم، لم يكن له أخ يولّونه مكانه ولا أخت، فاختاروا أميراً من بينهم من يسبقهم إلى قتل الأمير.
- كاتب سوري