على طريقته المعتادة، يسعى نظام بشار الأسد إلى علاقة مع إسرائيل. المؤشرات كثيرة، وتتواصل منذ سنة ونصف. وهاكم بعض الأمثلة: مقال ورد إلى معهد بحوث أمريكي لخبير سوري يشرح فيه مسيرة السلام والموقف السوري الثابت -على حد قوله- الذي يبحث عن حل سياسي؛ وأنباء فضائحية ظهرت في وسائل إعلام عربية عن لقاء سري في قاعدة لسلاح الجو الروسي في حميميم داخل سوريا وشاركت فيها ظاهراً محافل إسرائيلية وسورية وروسية، وذكر في النبأ رئيس الأركان السابق آيزنكوت. وأفادني رداً على ذلك بأن هذا لا أساس له من الصحة، وقالت مصادر إسرائيلية أخرى إن النبأ خيالي تماماً. ومع ذلك، هناك حديث دائم في أوساط محافل غربية عن اتصال يجري بين محافل أمنية إسرائيلية وسورية.
هذه ليست النهاية: ففي الأسبوع الماضي ظهر نبأ طويل في “الجزيرة” عُني بتسخين العلاقات بين السعودية وسوريا، وبالطريقة التي تمنح فيها الرياض شرعية متجددة لنظام الأسد الكريه. في النبأ، عميقاً، أخفي عنوان آخر تماماً، فقد بلغ المراسل بأنه تحدث مع محفل رسمي في وزارة الخارجية السورية أكد إجراء اتصالات مع إسرائيل. وقد ربط ذلك بالعلاقات مع السعوديين “ترى الرياض محادثاتنا مع الإسرائيليين كموضوع أولي لمحادثات غير رسمية مع الأمريكيين، بخاصة في الوقت الذي تريد فيه إدارة بايدن ترك الشرق الأوسط، وعليه، ربما، ستكون مستعدة لتقبل الوضع الراهن في سوريا”. وعلى افتراض أن المراسل لم يخترع هذه الإحاطة، يدور الحديث عن قول ذي مغزى. وبمناسبة المغزى، هذا الأسبوع نشر مستشار إدارة أوباما للشؤون السورية، السفير السابق فريدرك هوف، مقالاً روى فيه أنه قبل عشر سنوات، في 28 شباط 2011، قال له بشار الأسد بقصره في دمشق إنه مستعد لقطع علاقاته العسكرية مع إيران وحزب الله مقابل سلام كامل مع إسرائيل، إذا أدى هذا السلام إلى إعادة كل “الأرض السورية المحتلة”.
في الأيام العادية، وبلا صلة بالأمر، كان يمكن لسلسلة المنشورات هذه أن تصبح دراما عظيمة. فجملة الأنباء العالمية، مثلما هي التقديرات الراهنة التي تسمع في واشنطن وموسكو تشهد على رغبة سورية لإعطاء انطباع حراك في الموقف من إسرائيل. والسؤال المركزي هو: ما السبب؟ وكم هي خطوة حقيقية، وبخاصة عندما يهاجم سلاح الجو بثبات في الأراضي السورية؟
في مقال في منتدى بالتفكير الإقليمي نشرته اليزابيت سوكاروف مؤخراً، باحثة في الشؤون السورية، تحلل أزمات النظام العميقة. فقد فشل في إعمار الدولة: لا يملك معظم المواطنين، في معظم ساعات اليوم، أي كهرباء. أما المياه فمن الصنابير وليوم أو يومين في الأسبوع، المنتجات الأساسية بجودة متردية، وليس هناك ما يكفي من الوقود، والليرة السورية تآكلت بنحو 60 في المئة، والأجر المتوسط الشهري لموظف الدولة السوري يبلغ 15 دولاراً، وسلة المنتجات ارتفعت هذه السنة بنحو 200 في المئة. اجتهدت الشرطة السرية السورية في أثناء حملة الانتخابات الأخيرة لتهديد الأعمال التجارية كي تتبرع بالمال لطباعة يافطات الأسد الكبرى التي أغرقت الدولة وكلفت المحلات مالاً طائلاً. “ضريبة الإعمار” التي تفرض على السكان يسرقها النظام بثبات. إضافة إلى ذلك، الأمريكيون غير مستعدين للحديث بأي شكل مع الحكم الأسدي الذي يعد نظاماً دنساً ارتكب أفعال قتل شعب، وبالتوازي يرى الإيرانيون الدولة السورية كمدينة لهم بأموال طائلة على الأعمال التي نفذوها كي ينقذوا النظام من أيدي الثوار.
مثلما هو في الشرق الأوسط دوماً، تتداخل المصالح. فالسعوديون يبحثون عن قنوات لتوسيع نفوذهم مقابل إيران، ولهذا فهم مستعدون للعفو عن الأسد. أما هو من جهته فيريد إخراج القوات الإيرانية من الدولة؛ وهو موضوع مشكوك أن تكون إيران تفكر فيه، وثمة شك أكبر ما إذا كانت موسكو ستنفذه. في سوريا نزل عشرات آلاف المبعوثين الإيرانيين أو أولئك الموالين لإيران؛ ويبدو طردهم كحلم ليلة صيف. الوضع في سوريا يائس جداً، قال لي مصدر مطلع على الأمور هذا الأسبوع، فالنظام نفسه يسره أن ينثر تلميحات خفية عن التقدم مع إسرائيل والولايات المتحدة – على أن يتمكن من توفير أمل ما للجمهور الغاضب والمستاء. يؤمن السوريون بأن بوسع الإسرائيليين أن يمنحوهم الشرعية في واشنطن، وأن يساهموا في لغة مشتركة مع السوريين ومع دول الخليج ويثبتوا إحساساً بالتقدم للدولة نفسها. هم لا يتحدثون عن السلام، بل عن اتفاق عدم قتال بعيد المدى؛ ربما تسويات تتعلق بتقليص الوجود الإيراني في الدولة وغيرها. بتعبير آخر: يبدو أن السوريين يريدون الاتصال مع إسرائيل ولكنهم يريدون إعطاء انطباع بوجود مثل هذا الاتصال.
في كل الأحوال، الحكومة الجديدة حازمة مثل سابقتها بالنسبة للجولان؛ في 2018 بادر يئير لبيد إلى ندوة كبيرة في الكنيست كجزء من حملة توجهت إلى الأسرة الدولية للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الهضبة. لا تعتقد أي جهة ذات مغزى في إسرائيل بأنه من المرغوب فيه تقديم تنازلات إقليمية لنظام الأسد، أو حتى التفكير في ذلك. فماذا نعم؟ ستفكر إسرائيل بمساعدة السوريين مقابل تقليص الوجود الإيراني في الدولة والمس بحزب الله. بكل الأحوال، لا يوجد أي مؤشر بأن الأسد قد يوفر البضاعة حتى في صفقة محدودة كهذه. هذا هو الشرق الأوسط الجديد: إذا كان الإسرائيليون في الماضي يلاحقون السوريين، فإن السوريين اليوم هم الذين يبحثون عن القدس.
بقلم: نداف ايال
يديعوت 18/6/2021