نيري زيلبر – (نيو لاينز) 7/12/2021
نظرا لتقدم البرنامج النووي في ظل سياسة الضغط الأقصى الأميركية، يقول عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين الآن إن “خطة العمل الشاملة المشتركة” أفضل من لا شيء -لكن العودة إليها ستكون صعبة.
* * *
في آذار (مارس) 2015، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في محاولة لحشد الدعم ضد إبرام اتفاق نووي مع إيران كان يتفاوض عليه الرئيس آنذاك باراك أوباما. وفي خطاب شهير أمام جلسة مشتركة للكونغرس، حذر الزعيم الإسرائيلي بشدة من تكرار المحرقة النازية (الهولوكوست) التي سهلتها هذه “الصفقة السيئة للغاية” والتي “لن تمنع إيران من تطوير أسلحة نووية… لكنها ستضمن حصول إيران على تلك الأسلحة”.
في تلك الرحلة، فشل نتنياهو في منع توقيع الصفقة بعد أربعة أشهر، إلا أن رغبته تحققت في النهاية عندما سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من “خطة العمل الشاملة المشتركة”، كما أصبحت الصفقة تُعرف، في أيار (مايو) 2018. وأشاد نتنياهو بذلك على أنه “خطوة تاريخية” تتطلب “قيادة شجاعة”، ونسب الفضل إلى نفسه لاحقا في ما يتعلق بقرار ترامب في المحادثات الخاصة: “لقد أقنعنا رئيس الولايات المتحدة (بالخروج من الصفقة)، وكان علي أن أقف ضد العالم بأسره وأعارض هذه الاتفاقية”.
بعد ثلاث سنوات، أصبح برنامج إيران النووي، بحسب كل التقديرات، في أكثر مراحله تقدما على الإطلاق، وشجبت مجموعة متزايدة من المسؤولين الإسرائيليين السابقين استراتيجية نتنياهو (وترامب)، واصفين إياها بأنها كارثية: التخلي عن اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي، بالرغم من عيوبها، كانت ناجحة، لصالح استراتيجية قسرية ضد إيران، فشل بجميع المقاييس في تحقيق النتائج التي تنبأ بها بثقة أولئك المؤيدون لترامب.
ولكن، كان آخر من رأى ذلك على ما يبدو هو الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي أطاحت بنتنياهو الصيف الماضي، والتي يبدو أنها تكرر نقاط الحوار ذاتها التي طرحت في العام 2015. فقد عارض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مرة أخرى جهود الولايات المتحدة لإعادة إشراك إيران وجعلها تمتثل مجددا لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة. وقال بينيت في 29 تشرين الثاني (نوفمبر): “إيران لا تستحق مكافآت، ولا صفقات، ولا تخفيف للعقوبات مقابل وحشيتها. إنني أدعو حلفاءنا في جميع أنحاء العالم إلى عدم الرضوخ لابتزاز إيران النووي”.
وفي محادثات متجددة أجريت بداية هذا الشهر في فيينا حول الاتفاق النووي، لم تحرز القوى العالمية وإيران تقدما، كما كان متوقعا. ويشكك المسؤولون والمحللون الغربيون بشكل متزايد حتى في إمكانية إعادة لملمة الاتفاق الأصلي، مع تزايد احتمالات حدوث أزمة نووية أو عسكرية (أو كلتيهما) في الشرق الأوسط. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى قبل استئناف المحادثات: “نأمل ألا يغض العالم الطرف، ولكن إذا حدث ذلك، فإننا لن نفعل ذلك بدورنا”.
ولكن السؤال يبقى: ماذا تريد إسرائيل فعلا؟ حتى وقت قريب جدًا، كان هناك شبه إجماع في الدوائر الإسرائيلية الرسمية -على الأقل في العلن- على أن قرار ترامب الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة كان خطوة إيجابية. وأدت قوة نتنياهو الصامدة، إلى جانب إثارة أوجه التشابه المستمرة مع “الهولوكوست”، إلى إغلاق الباب أمام أي نقاش داخلي.
علاوة على ذلك، خلال السنوات الثلاث التي انقضت منذ الانسحاب، من الواضح أن استراتيجية ترامب، وفقا لشروطها الخاصة، باءت بالفشل: لم تجبر العقوبات المتجددة والمتصاعدة على إيران –المشار إليها بوصف “الضغط الأقصى”- طهران على الاستسلام والتفاوض على صفقة أفضل، ولم يؤد الضرر الاقتصادي اللاحق بالجمهورية الإسلامية إلى الإطاحة بها على يد جمهور ساخط. وفضلا عن ذلك، في خطوة قد فاجأت إسرائيل على الأرجح، لم ينفذ ترامب قط التهديدات المتمثلة بضرب إيران مباشرة بالرغم من انتهاكاتها النووية المتزايدة وهجماتها المتعددة ضد حلفاء واشنطن الإقليميين.
بخلاف الرأي الرسمي، اعترف بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، والكثير منهم على وشك التقاعد، بأن هذه السياسة كانت فاشلة. وقال رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المنتهية ولايته لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في تشرين الأول (أكتوبر) 2020: “إيران بعيدة كل البعد عن الاستسلام؛ إنها لم ترضخ. ولم يتم إثبات أن الانسحاب من الاتفاق النووي قد خدم إسرائيل”.
في آذار (مارس) الماضي، قال نائب رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، المنتهية ولايته للصحيفة ذاتها بعبارات لا لبس فيها أن الوضع في العام 2021 كان أسوأ مما كان عليه في العام 2015، وأن “المطالب الاثني عشر” المتشعبة التي طالب بها وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، من إيران -بما في ذلك وقف برنامجها النووي وتطوير الصواريخ ودعم الوكلاء الإقليميين- كانت بمثابة حلم لم يتحقق، “مثل السعي لتحويل الإيرانيين إلى (ميريتس)”، في إشارة إلى حزب سياسي إسرائيلي يساري.
وأضاف أن إيران “لم توقف انتشارها في المنطقة للحظة. والإيرانيون يطورون الصواريخ… والصفقة التي أبرمناها (في العام 2018، الضغط من أجل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة) لم تكن جيدة؛ فقد عدنا الى نفس المكان”.
وكما ذكرتُ في مجلة “نيو لاينز” في وقت سابق من هذا العام، وافق تقييم للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على ما يلي: إن النظام الإيراني بعيد عن الانهيار، والضرر الفعلي اللاحق بالاقتصاد الإيراني نتيجة عقوبات عهد ترامب لم يقلل من دعم إيران المالي لوكلائها الإقليميين (في بعض الحالات حدث عكس ذلك تمامًا). وقال لي مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى آنذاك: “الدول لا تنهار بهذه السرعة”، مضيفًا أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي “لا يأتمر بأوامر أحد، وما يزال يتقدم باتجاه تحقيق أهدافه”.
كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التقدم النووي المستمر للإيرانيين: تزايُد مخزونات المواد الانشطارية المخصبة إلى مستويات قريبة من درجة إنتاج الأسلحة، واستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا لليورانيوم، إلى جانب البحث والتطوير اللذين يمكن تكريسهما لصنع قنبلة، وكل ذلك يخضع لعمليات تفتيش دولية تصبح محدودة بشكل متزايد. ومع هذه الأدلة الدامغة وطرد نتنياهو بشكلٍ أساسي من منصب رئيس الوزراء في حزيران (يونيو)، تحولت قطرات المعارضة في السنوات السابقة داخل إسرائيل الآن إلى سيل.
“الطريق الذي قاده نتنياهو جعل إيران قريبة للغاية من صنع قنبلة – بالرغم من أنكم قد لا تحبذون سماع ذلك، ما أبعد إيران عن صنع قنبلة كان الاتفاق النووي”، على حد قول رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق الميجور جنرال عاموس يادلين في آب (أغسطس) خلال مناظرة تلفزيونية ساخنة في وقت الذروة على “القناة 12” الإسرائيلية. كما اعترف رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الميجور جنرال أهارون زئيفي فركاش، مؤخرًا لصحيفة “جيروزاليم بوست” بأن صفقة نووية جديدة مع إيران “يرجح أن تكون أسوأ” من النسخة الأصلية للعام 2015، ومع ذلك “حتى هذه الصفقة الأدنى مستوى أفضل من عدم وجود صفقة”.
خلال أسبوع واحد فقط في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، في مؤتمرين منفصلين، انتقد العديد من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الذين خدموا في عهد نتنياهو سياسة رئيس الوزراء السابق تجاه إيران. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعلون: “بالنظر إلى السياسة المتعلقة بإيران في العقد الماضي، كان الخطأ الرئيسي انسحاب الإدارة الأميركية من ’خطة العمل الشاملة المشتركة‘، وهو خطأ تاريخي. كان ينبغي أن تكون خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاقًا مختلفًا تمامًا، لكنها ربما كانت أفضل من عدم وجود اتفاق… لقد قدم (الانسحاب من الاتفاق) للإيرانيين ذريعة للمضي قدمًا في المشروع، وأصبحوا الآن في أقرب مرحلة على الإطلاق من يصبحوا دولة عتبة (نووية)”.
ومن جهته، وافق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، اللفتنانت جنرال غادي آيزنكوت، حرفيًا تقريبًا، معلنًا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق في العام 2018 “حرر إيران من جميع القيود وعمليات التفتيش التي نصت عليهاالصفقة، حتى لو كانت هناك ثغرات، ونقلها إلى الوضعية الأكثر تقدمًا اليوم في ما يتعلق ببرنامجها النووي”. وذهب مدير الموساد السابق، تامير باردو، إلى أبعد من ذلك، قائلًا إن قرار الانسحاب في العام 2018 كان “كارثة” –مكررًا الكلمة للتشديد عليها- نابعة من “نظرة استراتيجية غير (قابلة) للتكفير”.
استلمت إدارة بايدن زمام السلطة وأحد أهدافها هو إعادة الولايات المتحدة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، داعيةً إلى اعتماد نهج “الامتثال مقابل الامتثال” مع إيران، الذي من شأنه إعادة احتواء برنامج طهران النووي مقابل إزالة نظام العقوبات الثقيل من عهد ترامب. ووعدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة في البداية بالعمل بتكتم وبشكل بنّاء مع واشنطن على المشكلة الإيرانية، بخلاف هستيريا نتنياهو وعدوانيته. وفي الأشهر الأخيرة من عهده، منع نتنياهو، كما قيل، مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى من التعامل حتى مع إدارة بايدن في أي تواصل دبلوماسي جديد مع إيران. وبطبيعة الحال، فإن المسؤولين الإسرائيليين الحاليين -من مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية- على اتصال شبه أسبوعي مع نظرائهم الأميركيين بشأن هذه القضية. ولكن، بعد فترة أولية من الإشارات الإيجابية، تحول الجدل بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة إلى نمط مألوف من الاتهامات العلنية المتبادلة: بالسذاجة والليونة الأميركية (من قبل مسؤولين إسرائيليين مجهولين)، وعدم الواقعية والعدوانية الإسرائيلية (من قبل مسؤولين أميركيين مجهولين).
اعترف بينيت ضمنيًا بفشل الاستراتيجية السابقة، وعزى التقدم النووي الإيراني إلى السنوات الثلاث الماضية (أي منذ انسحاب الولايات المتحدة). لكنَّ من المحير أنه لم يقم بالقفزة المنطقية المتمثلة باعتبار أن “خطة العمل الشاملة المشتركة” كانت، في الواقع، اتفاقية جديرة بالاهتمام (على الرغم من عيوبها) أو أن الانسحاب الأميركي النهائي منها كان خطأ. بدلاً من ذلك، فإن رسائل بينيت العامة ذات شقين.
أولًا، يدعي بينيت أنه “ورث” كل المشاكل المذكورة أعلاه من نتنياهو، الذي جسد فجوة مقلقة بين خطاب تشرشل وتقاعس تشامبرلين. وثانيًا، فشل نتنياهو في إعداد الجيش الإسرائيلي لضربة عسكرية مستقلة على المنشآت النووية الإيرانية بعد العام 2015 -أي بعد توقيع الاتفاق الأصلي.
يكتسي هذا الموقف -جزئيا- بطابع سياسي بالتأكيد. فقد أيد بينيت، أكثر من معظم السياسيين الإسرائيليين الآخرين، سياسة نتنياهو-ترامب: سافر رئيس الوزراء الحالي إلى واشنطن لحضور خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في العام 2015 وشكر ترامب علنًا على انسحابه من الصفقة في العام 2018. وحتى الآن، ينتقد معظم المسؤولين الحاليين الآخرين رفيعي المستوى الضرر الذي ألحقه نتنياهو بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن قضية إيران فقط، وليس الضرر الناجم عن انسحاب ترامب من الصفقة.
في الواقع، في أواخر العام الماضي، أخبرني أحد المصادر الحكومية الإسرائيلية بأنه “ما من فجوة واضحة” بين نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس بشأن مسألة “الضغط الأقصى” على إيران. ووافق معظم القادة السياسيين الإسرائيليين الآخرين -مع بضعة استثناءات- على هذا الرأي. وبعد عقد من الرسائل الكارثية المستمرة بشأن التهديد الإيراني -والاتفاق النووي- ما تزال الغالبية العظمى من الإسرائيليين اليهود تدعم العمل العسكري على حساب الدبلوماسية لحل الأزمة، وفقًا لاستطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في تشرين الأول (أكتوبر).
علّق غانتس لي خلال مقابلة أجريت في أيلول (سبتمبر) بأنه يمكنه “القبول” بالجهود الدبلوماسية الأميركية وباتفاق نووي مُجدَّد. واستغل نتنياهو هذا التعليق، على نحو متوقع، لانتقاد الحكومة الجديدة ووصفها بأنها “خطيرة”. وفي الحقيقة، كان غانتس يشكك في فرص نجاح الدبلوماسية ودعا إلى “إظهار القوة” من قبل الولايات المتحدة وإلى “خطة بديلة ثانية” فعلية في حال فشلت المحادثات. ووفقًا لغانتس، ستقوم مثل هذه الخطة على ضغوط سياسية ودبلوماسية واقتصادية واسعة النطاق تفرضها على إيران الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين -بعبارة أخرى، استمرار حملة “الضغط الأقصى”. وعلى غرار معظم المسؤولين الإسرائيليين الآخرين في الأشهر الأخيرة، شدد غانتس أيضًا على الاستعدادات الإسرائيلية لـ”خطة بديلة ثالثة” خاصة بها إذا فشل ذلك: أي توجيه ضربات عسكرية إلى إيران. وقال لي غانتس: “يجب على إيران أن تخشى من أن تكون الولايات المتحدة وشركاؤها جادين”، ويمكن اعتبار ذلك أقرب إلى الموقف الرسمي لإسرائيل في الوقت الحالي.
يتمثل القلق، كما كرر المسؤولون الإسرائيليون في إحاطات مجهولة المصدر، بأن إدارة بايدن حريصة جدًا على إعادة الدخول في المحادثات -“الدبلوماسية كعقيدة وليس كوسيلة”، كما قال مصدر إسرائيلي لصحيفة “هآرتس”- وأنها ستذعن للمطالب الإيرانية. وأثار عدم رد الولايات المتحدة على الضربة الإيرانية الأخيرة بطائرة من دون طيار على قاعدتها في التنف في شرقي سورية صيحات احتجاج من مسؤولين إسرائيليين لم تُكشف أسماؤهم لهذا السبب بالتحديد: كرمز لعدم رغبة إدارة بايدن في استخدام القوة في الشرق الأوسط.
بصرف النظر عن ذلك، فإن المطالب الإسرائيلية بأن تقوم الولايات المتحدة الآن باستخلاص صفقة أفضل من طهران لإصلاح الضرر الناجم عن سنوات ترامب -من خلال ممارسة قوة عسكرية أكثر بقليل والتسبب بألم اقتصادي أشد بقليل- تبدو بعيدة المنال للغاية. في وقت سابق من هذا العام، صنفت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فرص أن تضم أي صفقة جديدة النشاط الإقليمي الخبيث لإيران، بأنها معدومة، وفرص شمولها تطوير الصواريخ الإيرانية بأنها غير مرجحة على الإطلاق –على عكس المطالب التي ما يزال يبثها بشكل دوري بعض المسؤولين الإسرائيليين والمحللين الأميركيين. اليوم، ولو أنه لا يتم الترويج لذلك على نطاق واسع، يرى الإسرائليون أنه يجب فصل القضية النووية تمامًا عن البعد الإقليمي، خشية أن يخلق ذلك المزيد من القوة التفاوضية لطهران.
“تدرك الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن السياسة الأخيرة فشلت، إلا أنها عالقة في التصور السابق… بما أنه ليس لديها الكثير من الخيارات الأخرى”، كما أخبرني راز زيمت، وهو خبير في شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب. وأضاف: “إنها لا تريد العودة إلى الصفقة الأصلية، وقد لا يكون لديها خيار عسكري، في الوقت الحالي على الأقل –وإذن، ما الخيار المتبقي أمامها”؟
كان زيمت، وهو مراقب مخضرم سابق للشؤون الإيرانية في الجيش الإسرائيلي، أحد الأصوات القليلة في المشهد الأمني الإسرائيلي التي حذرت من عدم نجاح “حملة الضغط” في عهد ترامب. وأضاف أن “صفقة أطول وأقوى”، وهي التي ما يزال يطالب بها بعض المسؤولين الإسرائيليين، “لن تحدث. إنها لم تحدث في الماضي ولن تحدث في المستقبل. بل إن إيران ربما تعتقد أن وضعها أفضل الآن. ويتمثل الموقف الإيراني الوحيد بالعودة إلى الصفقة الأصلية -وحتى ذلك يبقى ’فرضية كبرى‘”.
من المؤكد أن إيران شددت مطالبها، كما اتضح خلال محادثات فيينا– مطالبةً ليس فقط برفع جميع العقوبات التي كانت قائمة في عهد ترامب، ولكن أيضًا بالتعويض عن السنوات القليلة الماضية والحصول على ضمانات على عدم تخلي أي إدارة أميركية مستقبلية عن الاتفاق. ومن المفترض أن لا تتراجع عن تقدمها النووي إلا بعد تلبية هذه المطالب.
حتى إدارة بايدن يبدو أنها بدأت تفقد صبرها، بحيث وصف مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الموقف الإيراني مؤخراً بأنه “غير جاد”، وسط تلميحات إلى خيارات أخرى (غير دبلوماسية). وأضاف المسؤول: “لا يمكننا قبول وضع تسرع فيه إيران برنامجها النووي وتتباطأ فيه دبلوماسيتها النووية. من الواضح أننا نستعد لعالم لا عودة فيه إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وهذا ليس خيارنا المفضل… (ولكن إذا حدث ذلك) فسيتعين علينا استخدام أدوات أخرى، أدوات يمكن تصورها، لمحاولة زيادة الضغط على إيران للعودة إلى موقف منطقي على الطاولة الدبلوماسية”.
يبقى أن نرى ما إذا كانت إسرائيل ستقتنع بذلك أم لا، ناهيك عن إيران. وقد يكون من الممكن تشديد العزيمة الأميركية وتعزيز النفوذ الأميركي؛ أما إصلاح الضرر الناجم عن قرار ترامب في العام 2018 بالتخلي عن “خطة العمل الشاملة المشتركة”، فمن المرجح أن يكون أكثر صعوبة. ويبدو أن الخطوة الأولى الضرورية، على الأقل بالنسبة لإسرائيل، هي اعتراف علني بأن قرار ترامب تسبب بأضرار جسيمة، وسرع من فكرة القنبلة النووية الإيرانية، وقد يؤدي إلى حرب مدمرة إذا فشلت الدبلوماسية.
*Neri Zilber: صحفي ومحلل سياسي وثقافي متخصص في الشرق الأوسط، وزميل مساعد في معهد واشنطن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Israel (Sort of) Misses the Iran Deal، وترجمه إلى العربية “معهد واشنطن.
“الغد”