بعد مرور ست سنوات على التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ بشار الأسد من سقوطه الذي بات وشيكاً حينذاك، سيطرت موسكو بشكل كبير على البلاد. إذ بصرف النظر عن تورطها في مستنقع شبيه بمستنقع أفغانستان إلى حد بعيد كما توقع لها كثير من المراقبين، فإن الرئيس فلاديمير بوتين حقق أهدافه الأساسية من دون أن تترتب عليه تكاليف باهظة. ولكن ما تلك الأهداف؟ وما الذي كسبته موسكو؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للأزمات التي ستظهر مستقبلاً في تلك المنطقة؟
يتعلق التدخل في سوريا بكثير من الأمور، إلا أن الأمر الذي يحتل جوهرها هو الوقوف في وجه الولايات المتحدة التي تتزعم النظام الدولي الليبرالي، ولذلك لم يسمح بوتين للولايات المتحدة بإسقاط نظام استبدادي آخر لأن ذلك العمل بمنطقه ينذر بمحاولات أخرى تهدف إلى إسقاطه هو مستقبلاً.
فبوتين على قناعة تامة بأن الولايات المتحدة منحت الدعم السياسي والمادي للاحتجاجات الشعبية التي قامت بعد حقبة الاتحاد السوفييتي وفي الشرق الأوسط وفي روسيا نفسها. ولذلك وصف الإعلام الروسي التابع للدولة الربيع العربي الذي يشمل الانتفاضة التي قامت ضد الأسد في سوريا، بأنه من تدبير الولايات المتحدة وبأن تلك الثورات تعتمد على الدعم الأميركي، فعزز بذلك السردية التي ترى بأن “التدخل الأجنبي” أو الدعم الأميركي المزعوم للطموحات الديمقراطية لدى الناشطين العرب ساعد في خلق حالة اضطراب وفوضى وقمع وإرهاب. ولهذا عندما شن الأسد هجوماً هائلاً بالسلاح الكيماوي على الغوطة في 2013، كان لدى بوتين كل الأسباب التي تدفعه لتوقع تدخل من قبل الولايات المتحدة وشركائها بهدف إزاحة الأسد. إذ ذكر الرئيس أوباما للصحفيين في السنة التي سبقت الهجوم الكيماوي بأن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي يعدّ تجاوزاً للخط الأحمر، وبعد الهجوم على الغوطة، كانت الحكومة الفرنسية على استعداد للقيام بشيء حيال ذلك. إلا أن بوتين حذر من قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري في سوريا وذلك في مقابلة أجرتها معه وكالة أسوشيتد برس بثتها القناة الأولى الروسية التابعة للدولة، والتي قال فيها: “لدينا مخططاتنا”.
“لا سيادة حقيقية”
كان لدى بوتين وجهة نظر سوداوية تجاه الخطاب الذي يدور حول الاستقلال السياسي، وقد تحدث بوضوح وأمام الملأ عن موضع القوة الحقيقي ضمن النظام الدولي، حيث قال في المنتدى الاقتصادي الدولي بسانت بطرسبرغ في 2017: “هناك كثير من الدول التي لا تتمتع بامتياز السيادة الحقيقية وذلك على مستوى العالم”، وأتى تصريحه هذا ضمن سياق نقاش ألمح فيه إلى تبعية أوروبا للولايات المتحدة. أما روسيا بنظره فهي واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بسيادة حقيقية، والتي تكافئ من يدافع عنها، تبعاً لما تراه مناسباً لها. هذا ويوضح تصريح بوتين حالة عدم التوافق بين نظرة الغرب ونظرة الكرملين تجاه “نظام قائم على قواعد وقوانين”.
أما في سوريا، وبخلاف ما حدث في أي مكان آخر، فقد اتخذت روسيا موقفاً معادياً لسنوات من أحادية القطبية الأميركية، إذ هنا تصرفت روسيا أخيراً بوصفها قوة عظمى كما يحق لها. وبالرغم من مرور سنوات على زعم المسؤولين الروس بأنهم ملتزمون بقيام حكومة “شرعية” في دمشق، بما يوحي بأنها قد لا تشمل الأسد بالضرورة، فإنهم لم يجدوا أي بديل له عملياً.
تكاليف محدودة
إن العنصر الأساسي بالنسبة لنجاح تلك العملية يتمثل بأهدافها المحدودة التي كانت تركز على تجنب سيناريو يشبه سيناريو المبالغة في التوسع الذي عاشه الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ولذلك عمدت الحملة العسكرية لموسكو إلى تقديم الدعم الجوي بصورة أساسية، إلا أن ذلك شمل أيضاً عنصراً بحرياً، وعدداً ضئيلاً من قوات النخبة البرية، ما جعل من التكاليف المالية مقبولة ضمن هذا النطاق الضيق. كما اعتمدت موسكو على فاعلين آخرين، وعلى رأسهم إيران ووكلاؤها في المنطقة، وذلك في القيام بأصعب المهمات وأشقها. إلا أن هذا النهج حتم عليها العمل مع لاعبين رئيسيين في المنطقة، كان بينهم من خاضوا النزاع على الساحة السورية، والذين جعلوا روسيا وسيطاً، وهذا ما دعم نفوذ موسكو وقوّاه.
أتت الكلفة ضئيلة من حيث الأرواح أيضاً وليس فقط من ناحية الثروات، إذ كانت الحادثة الوحيدة المعلنة التي حصدت عدداً كبيراً من الأرواح تتمثل في المعركة القصيرة الغامضة التي جرت في شباط 2018 وذلك عندما خرقت عدة مئات من القوات الموالية للأسد، إلى جانب عدد من القوات الرديفة التابعة لمجموعة فاغنر الروسية السيئة الصيت اتفاق خفض التصعيد الذي أبرم في عام 2015 بين الولايات المتحدة وروسيا، ولذلك قامت القوات الأميركية بقتل عدد من المتعاقدين الروس دفاعاً عن النفس، ولم يتضح حتى اليوم كم كان عدد من قتلوا، إلا أن هنالك إجماعا عاما على أن بضع مئات قتلوا أو أصيبوا بجروح. بيد أن المتعاقدين مع فاغنر اختاروا المضي إلى سوريا وقد حصلوا على أجر مقابل ذلك، أي أنهم لم يكونوا مجندين، ولذلك لم تتسبب تلك الحادثة بظهور ردة فعل كبيرة ومستمرة في الداخل الروسي.
مكاسب مهمة
يمثل التدخل الروسي نجاحاً استراتيجياً بكلفة قليلة، إذ سيطرت موسكو على المجال الجوي السوري في غرب البلاد ووسطها، كما وقعت على اتفاق منحها وجوداً عسكرياً دائماً شرقي المتوسط خلال السنوات التسع والأربعين المقبلة على أقل تقدير، أي أنها حققت أحد طموحاتها الاستراتيجية التي بقيت عصية على قياصرة روسيا وعلى قادة الاتحاد السوفييتي. فلقد احتفظت موسكو بميناء طرطوس في سوريا منذ حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، إلا أن التدخل في سوريا منح موسكو الفرصة لتحديث ميناء طرطوس وتوسعته بالإضافة إلى إنشاء قاعدة جوية جديدة في حميميم. ولم يسبق لروسيا أن أقامت مركزاً عسكرياً لها على كل هذا العمق والاتساع في المنطقة الواقعة شرقي البحر المتوسط، أضف إلى أنها حصلت اليوم على ضمانات طويلة الأمد حافظت من خلالها على وجودها هناك.
تعتبر روسيا موطئ القدم هذا مسألة مهمة وحساسة لردع الغرب ولاستعراض القوة على الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي ولزيادة فرص موسكو في جمع المعلومات الاستخبارية ضد الولايات المتحدة وشركائها، بما يحقق مصالح روسيا. كما يدعم موقع روسيا المؤمن في سوريا وجودها في البحر الأسود، إذ بالتأكيد لعبت شبه جزيرة القرم دوراً مهماً في مخططات موسكو داخل سوريا. حيث دعم أسطول روسيا في البحر الأسود المعروف باسم ستيفاستوبول والذي تعدّه روسيا أساسياً في عملية ضم القرم لروسيا، والتدخل الروسي في سوريا منذ بدايته. والآن يدعم الوجود العسكري القوي لروسيا شرقي البحر المتوسط خيارات روسيا في استعراض قوتها العسكرية ضمن البحر الأسود، كما يخلق أمامها فرصاً اقتصادية، إذ زادت الأنشطة بين القرم وسوريا منذ عام 2017 تقريباً، وشملت تلك الأنشطة زيارة قام بها وفد تجاري سوري إلى القرم. كما سهّل وجود روسيا في سوريا العمليات الروسية في ليبيا، فصار الكرملين يفكر بالسعي وراء فرص أخرى تلوح أمامه في مناطق أبعد نحو الجنوب أي في أفريقيا والبحر الأحمر، بعدما ضمنت روسيا قدرتها على الوصول إلى المياه الدافئة عبر ميناء موجود على البحر المتوسط، ولهذا أصبحت اليوم تتطلع إلى الاستثمار فيه.
فرصة لتطوير الجيش الروسي في سوريا
تردد الآلاف من الجنود الروس على سوريا على مدار سنوات حيث حصلوا هناك على تدريب وخبرات مهمة، وهذا بدوره لا بد أن يعزز الأداء العسكري لروسيا عالمياً. كما أظهر التدخل الروسي فعالية الأسلحة الروسية، الأمر الذي زاد وعزز من مبيعات الأسلحة الروسية. وبعد التدخل الروسي في جورجيا في عام 2008 وفي القرم في عام 2014، أصبحت سوريا تمثل ثالث فرصة للتدريب العسكري القائم على تجريب وتحسين وإظهار قوة الجيش الروسي بعد سلسلة من الإصلاحات العسكرية التي جرت خلال فترة قريبة. كما أن التدخل في سوريا لا بد أن يتحول إلى دليل لأي قرار دفاعي روسي يمكن أن يتخذ مستقبلاً، إذ ذكر فاليري جيراسيموف قائد أركان القوات المسلحة الروسية في مطلع عام 2019 بأن الدروس المستفادة من سوريا لا بد أن تعمل على الدفاع عن مصالح روسيا الوطنية وتعزيزها خارج حدود روسيا. وذلك لأن التدخل في سوريا بحسب رأي جيراسيموف أظهر أن الاعتماد على التشكيلات العسكرية المتنقلة والمكتفية ذاتياً من المرجح أن يصبح أكثر أهمية مع المهامّ التي سيتم تنفيذها مستقبلاً. إلا أن نجاح هذا النهج برأيه يعتمد على “الفوز بحالة التفوق في المعلومات والاحتفاظ بها، وكذلك الاستعداد الاستباقي لنظم القيادة والسيطرة ونظم الدعم الشامل، والانتشار السري للتجمعات العسكرية الضرورية”.
دور روسيا كوسيط في سوريا
مع تتابع الأحداث في الحرب السورية، أصبحت منافسة روسيا مع الغرب أحادية الجانب، ولذلك وصف منتقدون بوتين بأنه ليس أكثر من مقامر طائش على مدار سنين، لكنه قرأ خصومه بشكل صحيح، وذلك لأن الغرب لم يرد عليه بشكل حاسم. والحق يقال إن بوتين لم يدفع فاتورة كبيرة عبر دعمه للأسد، حيث واصل المسؤولون الغربيون اعتبار موسكو جزءاً من الحل السياسي، وتلك فكرة تدعمها موسكو بشدة. ولقد أدرك بوتين أن الغرب يحاول تجنب المخاطر، وليست لديه أدنى رغبة في التورط بسوريا. ولعل أكثر ما يوضح حسابات الولايات المتحدة هو خيار إدارة أوباما المتمثل بتوقيع اتفاق بضمانة روسية لنزع السلاح الكيماوي السوري بدلاً من تطبيق سياسة الخط الأحمر التي أطلقتها تلك الإدارة في عام 2013. كما لعبت روسيا أيضاً دور الضامن في عدد من اتفاقيات وقف إطلاق النار في سوريا، والتي انهارت جميعها بلا استثناء في نهاية المطاف، مع محافظة روسيا على موقعها بوصفها وسيطاً.
والحقيقة هي أن روسيا عبر تدخلها في سوريا كسبت درجة من الاحترام من قبل شركاء الولايات المتحدة وخصومها باتت تحسد عليها، إذ تحدث القادة الغربيون كثيراً عن القيم والحرية والكرامة وفقدان نظام الأسد لشرعيته والحاجة لتغيير النظام، ولكن على المحك، فضلوا التدخل بشكل محدود. أما بوتين فقد تحدث قليلاً وفعل ما أعلن أنه سيفعله، وهو إنقاذ الأسد.
القوة الروسية الناعمة
وبما أن الشهية تنفتح عندما تبدأ بالأكل، كذلك دعم نجاح روسيا في سوريا ثقتها بنفسها. ومن جانبه، أصبح الشرق الأوسط يرى في سياسة روسيا في المنطقة أمراً واقعاً لا بد للجميع من التعامل معه، في حين اتسم التزام الولايات المتحدة بالمنطقة بالتناقض خلال العقد الماضي. وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت كل من تركيا ومصر والإمارات والسعودية وغيرها من الدول بتوسيع علاقاتها العسكرية مع روسيا، وزيادة صفقات شراء المعدات العسكرية الروسية ونظمها، وهذا بدوره لا بد أن يزيد نفوذ موسكو في المنطقة. ولذلك ركزت موسكو على القوة الناعمة وغيرها من أدوات التأثير والسيطرة، مثل صفقات الأسلحة والتجارة والدبلوماسية وإنشاء المفاعلات النووية. إذ كما كتب جيمس شير، فإنه من خلال عقلية الشرطة السرية التي تقود الكرملين، تدور البراغماتية الدبلوماسية حول حسابات باردة ومتشائمة للمصلحة الوطنية والنهج النفعي الذي يعتمد على الغايات والوسائل. ولذلك بقيت موسكو ملتزمة بفكرة إقامة علاقات براغماتية في المنطقة بشكل يخدم نقاط قوة روسيا ضد غيرها من الشركاء، كما يضمن احتفاظ موسكو بامتيازات.
نزاع مجمد
وبالنظر إلى المستقبل القريب، يمكن القول بأن روسيا ستعمل على إبقاء وجودها وتعزيزه في سوريا وفي أي مكان آخر من تلك المنطقة، ولكنها ستكون حذرة حيال فكرة الإفراط في التوسع، كما ستواصل متابعة استراتيجيتها القائمة على الاعتماد على وسائل محدودة.
أما سوريا فستتحول على الأرجح إلى نزاع مجمد، حيث سيكون لروسيا القرار بإدارة هذا النزاع، بدلاً من حله، كما حدث مع نزاعات أخرى حدثت ضمن مجالها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وبالرغم من أن التبرير الرسمي الذي قدمته روسيا للتدخل في سوريا هو محاربة الإرهاب، فإن موسكو لم تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة قط، بل قامت بدعمهما بطريقة غير مباشرة، وذلك لأن الوحشية الخالصة التي تجلت بالغارات الجوية الروسية العشوائية الساعية للحفاظ على نظام الأسد دفعت المعتدلين للتطرف. إذ بدلاً من أن تشن روسيا حملة حقيقية لمكافحة الإرهاب، أدارت موسكو حملة مضادة للثوار بهدف إنقاذ الأسد. وبما أن الأسد أصبح مسؤولاً عن معظم من قتلوا من المدنيين في سوريا (وحدث هذا في أغلب الأحيان بدعم من روسيا)، لذا فإن السبب الأساسي للانخراط ضمن صفوف الإرهاب سيبقى على حاله، وخاصة في إدلب، طالما بقي الأسد في السلطة.
قد لا يكون نموذج النزاع المجمد مثالياً بالنسبة لموسكو، غير أنه نموذج بوسعها أن تتعايش معه لفترة طويلة من الزمان، وذلك لأنه سيساعد على قيام نقاش وجدل حول الحاجة لبقاء الوجود الروسي. أما في الغرب، فيبحث صناع القرار دوماً عن حلول، ولذلك فهم يعتبرون الحالة التي لا يتم معها التوصل إلى حل بمنزلة نقص في المكاسب، غير أن موسكو لا تنظر بالضرورة إلى هذه الأمور بالمنظور ذاته. وذلك لأن الوجود الروسي في سوريا محدود لدرجة أنه بوسعها حماية مصالحها هناك بكلفة قليلة ولمدة طويلة من الزمان، إذ لم تنشر روسيا هناك سوى بضعة آلاف من العساكر الروس معظمهم من قوات النخبة وذلك خلال كل الفترات السابقة. كما أن روسيا وتركيا تقومان بتسيير دوريات مشتركة في شمال شرقي سوريا، وقد أطلقت روسيا مؤخراً مشروعاً لاستعادة قوس النصر في تدمر وسط سوريا، إلا أن المواقع العسكرية الروسية تقع في الغرب عموماً، كما أن روسيا تحافظ على وجودها في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، حيث قامت القوات الروسية مؤخراً بتوسيع المدرج ونشر طائرات قاذفة للقنابل النووية. ثم إن المواقع الروسية قريبة من المواقع المدعومة إيرانياً وبعيدة بالعموم عن الجيوب التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. والأهم من كل ذلك، هو أن الولايات المتحدة ما تزال تلوح بضعف اهتمامها بسوريا، ما يعني أن روسيا لن تواجه منافسة حقيقية قد تزيد من كلفة وجودها في سوريا.
بيد أن الشيء المؤكد هو أن روسيا ستظل عرضة لمواجهة المشكلات، فقد توفي مثلاً مجندان روسيان بسبب هجوم بطائرة مسيرة على حميميم في كانون الثاني 2018، كما أن نموذج النزاع الذي تم تجميده قد حان قطافه واستغلاله من قبل تنظيم الدولة، إلا أن هذه التكاليف ليست باهظة بالنسبة للدولة الروسية، بل على العكس، قد تخلق مشكلات تقوم على نطاق ضيق جدلاً حول اختيار واستهداف تعزيزات روسية ضمن المواقع الروسية، وبهذه الطريقة يمتد أجل النزاع المجمد لفترة طويلة ويبرر مصلحة روسيا في استمرار وجودها في المنطقة. إذ في الماضي، دفعت الهجمات التي استهدفت الجنود الروس روسيا إلى جلب معدات متطورة إلى سوريا، مثل منظومة إس-400 للدفاع الجوي، التي دعمت فكرة المناطق الممنوع الوصول إليها في سوريا وساهمت في ردع الغرب.
لا حل لأي أزمة بلا روسيا
تمثلت أهم الأهداف للكرملين على مدار سنين في إظهار الفكرة القائلة بأنه لا يمكن حل أي أزمة كبيرة دون روسيا. لذا من المرجح أن يتم إشراك روسيا بطريقة أو بأخرى في أي أزمة ستحدث مستقبلاً في الشرق الأوسط، ولكن كما هي الحال في سوريا، من المرجح أن يعيد وجود موسكو في المنطقة مكانة روسيا بدلاً من أن يجعل روسيا تضطلع بمسؤوليات جهة قيادية حقيقية، وهذا ما يناسب موسكو تماماً، لكنه لن يعزز أمن المنطقة أو الموقع الأميركي في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر في العالم بما أن الولايات المتحدة تدير محور المنافسة على مركز القوة العظمى مع الصين وروسيا. فلقد شاهد خصوم الولايات المتحدة وحلفاؤها في مختلف بقاع العالم كيف عالجت الولايات المتحدة النزاع في سوريا واستخلص كل منهم الدروس والعبر حول ما يمكنهم أن يتوقعوه من السلوك الأميركي في مناطق أخرى. ثم إن الإذعان الأميركي الضمني للتطبيع مع الأسد، ذلك الديكتاتور المتهم بجرائم حرب، يبين للمراقبين بأن روسيا (وكذلك إيران) كسبتا الحرب، كما قد يخلص هؤلاء إلى أن مزايا تحدي الولايات المتحدة تفوق تكاليف ذلك على المدى البعيد.
بقلم: آنا بوشتشيفسكايا: عضو رفيع المستوى لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلفة كتاب: “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وكلفة الوجود الأميركي” الصادر في عام 2021.
المصدر: مدونة لوفير ترجمة: ربى خدام الجامع – تلفزيون سوريا