مليار دينار عراقي، أي ما يعادل 700 ألف دولار أميركي، هو المبلغ الذي تبرع به فصيل “كتائب حزب الله” العراقي في حملة “أموالكم مسيرات”، لشراء طائرات مسيّرة تستهدف الإمارات والسعودية وأي دولة خليجية تشارك في الحرب على اليمن، في خطوة يفسرها كثيرون بأنها تشجيع على شنّ هجمات من داخل العمق العراقي باتجاه دولٍ عربية.
يقول المسؤولون في كتائب “حزب الله”، وهو فصيل مسلح ينتمي تنظيمياً إلى هيئة الحشد الشعبي، إن “التبرعات لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن”، إضافة إلى “رفع المظالم عن الأهالي”.
وعلى رغم أن حملة التبرعات هذه، تخالف القانون العراقي، إلا أن الحكومة والسلطات الأمنية آثرت الصمت، فيما تستمر المنصات الإعلامية التابعة للفصائل بالترويج للحملة منذ أكثر من 10 أيام.
ونشرت الكتائب عبر صفحاتها الإلكترونية وقنواتها في “تلغرام” صناديق للتبرع بالأموال في مناطق عدة من بغداد وقرب مدارس ومراقد دينية جنوب البلاد، وظهر شعار الحملة المؤيد للهجمات التي نفذها الحوثيون على أبو ظبي، منتصف كانون ثاني/ يناير الماضي.
وفي الثاني من شباط/ فبراير الجاري، أعلنت جماعة عراقية لم تكن معروفة من قبل، تسمي نفسها “ألوية الوعد الحق”، استهداف الإمارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، لكن الدفاعات الجوية الإماراتية اعترضتها ودمرت ثلاث طائرات مسيرة اخترقت مجالها الجوي بعيداً من المناطق المأهولة بالسكان، وفق بيانٍ رسمي. وهو الهجوم الأول على الإمارات الذي ينطلق من العراق ويتم الاعتراف به من قبل مجموعة مسلحة عراقية.
يصف مراقبون الضربات على الإمارات، بأنها “مرحلة جديدة من تطور الصراع الحوثي- الإماراتي من جهة، والإماراتي- الإيراني من جهة ثانية”.
مجلس الأمن الدولي استنكر ما وصفه بـ”الهجوم الإرهابي الشنيع” على الإمارات، وهو رابع هجوم من نوعه خلال الأسابيع القليلة الماضية على المركز التجاري والسياحي في منطقة الخليج.
أبو علي العسكري، وهو قيادي في “كتائب حزب الله”، تقول المنصات الإعلامية التابعة للحشد، إنه “المسؤول الأمني” للكتائب، أعلن “بدء حملة التبرعات، وأنها تمثل انتصارات يحققها محور الخير والإيمان على محور الشر”، في إشارة إلى هجمات جماعة الحوثي على أهداف ومواقع داخل دولة الإمارات.
وبحسب معطيات متداولة على المنصات التابعة للفصائل المسلحة، فإن “فصائل عسكرية وبعض السياسيين المحسوبين على تحالف الفتح، إضافة إلى رجال دين تبرعوا للحملة، بمبالغ وصل بعضها إلى 100 ألف دولار”، لكن يبقى المبلغ الإجمالي الذي جمعته الحملة غير معروف على وجه الدقة.
وكانت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، أعلنت سابقاً عن استهداف مطاري دبي وأبو ظبي، ومنشآت “حساسة” في الإمارات بخمسة صواريخ باليستية، وعدد من المسيّرات، وفقاً لبيان حوثي.
أدى هذا الاستهداف، إلى انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، ووقوع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبو ظبي، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين.
وتتهم أبو ظبي، جماعة الحوثي باستهداف “مناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية”، مؤكدة “احتفاظها بحق الرد على تلك الأعمال الإرهابية”.
يصف مراقبون الضربات على الإمارات، بأنها “مرحلة جديدة من تطور الصراع الحوثي- الإماراتي من جهة، والإماراتي- الإيراني من جهة ثانية”، معتبرين أن “توجه الحوثي إلى استهداف العمق الإماراتي يمثل حالة خطيرة من تصاعد قدرات الحوثيين العسكرية”.
يحمّل مسؤولون في “الحشد الشعبي العراقي”، مقرّبون من إيران، بعض دول الخليج عدم استقرار الوضع الأمني في العراق، ومن ضمن الاصطفاف الإقليمي، يعتبرون أن هذه الدول تخوض حرباً ضد الشعب اليمني، ويتهمونها بـ”تخريب العراق وسوريا ولبنان”، وهم مقتنعون بأن المواجهة معها مفتوحة في الإقليم كله. وهم يتحدثون عن دورهم في ما يسمونه “محور المقاومة”، ويلتزمون بدعم اليمنيين لضرب الأهداف الاستراتيجية والحيوية والحساسة في الرياض ودبي وأبو ظبي، ويؤكدون أن الدعم العراقي للحوثيين في اليمن بات علنياً ولا خشية من أحد.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كشف المتحدث باسم “التحالف العربي” تركي المالكي، عن إحصاء ضخم من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استخدمها الحوثيون في شن هجمات ضد السعودية منذ اندلاع الحرب في 2015.
وذكر المالكي في مؤتمر صحافي، أن “الحوثيين أطلقوا 430 صاروخاً باليستياً و851 طائرة مسيرة على أراضي المملكة منذ بدء الحرب”.
عانت جماعة الحوثي من تدهور الدعم المالي الإيراني، منذ نحو عامين، جرّاء اشتداد العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران، ويبدو أن الفصائل العراقية هي ما سيُنعش الحوثي خلال المرحلة المقبلة، وفقاً للباحث العراقي محمد العبيدي.
يوضح العبيدي لـ”درج”، أن “الحوثي جماعة تقترب من الإفلاس برغم الاستثمارات الكبيرة لدى الميليشيا في اليمن، لأن الدولار الأميركي هو أصعب ما يتوفر لديها، وجرّاء ذلك فإن التصنيع العسكري يواجه مطبّين، الأول تراجع المواد الأولية المستوردة، والثاني الاستهداف السعودي الدائم لمخازن أسلحة الحوثي”.
لكن السياسي العراقي والبرلماني السابق مثال الآلوسي، يرى أن “الهدف الرئيس لحملة التبرع للحوثيين، يفضح أمرين، الأول هو تراجع الدعم الإيراني لمشاريع الخراب والصراع في اليمن، والثاني لفت انتباه العراقيين لملف غير خسارة الموالين لإيران بالانتخابات التي أجريت في تشرين الأول/ أكتوبر 2021″، كما يقول لـ”درج”.
الآلوسي يعتبر أن “الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، تهدف بطريقة مباشرة، إلى جر حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي للاحتكاك معها، وهي تريد أن تعبث بأمن العاصمة بغداد، لا سيما أن الكاظمي لم يخضع حتى الآن للاستفزاز المتواصل من قبل هذه الجماعات”.
وتستغرب الأوساط السياسية والتكتلات المدنية والعلمانية في العراق صمت الكاظمي والسلطات الأمنية عن الحملة ومن يقفون خلفها، خصوصاً مع اعتبارها شكلاً من أشكال التحدي للقانون العراقي الذي يمنع اتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لتهديد دول الجوار أو الإقليم.
“درج”