اندلعت الحرب في أوكرانيا فجر الخميس، وبدأت روسيا ما وصفتها بعملية عسكرية واسعة النطاق في إقليم دونباس، لكن هل يتحول هذا “التدخل” الروسي إلى غزو أو اجتياح شامل للأراضي الأوكرانية؟ وهل تبقى القوى الدولية متفرجة على هذا الغزو بعد تحذيرات أطلقت دون أي تحرك ميداني يذكر؟
الإجابة على هذا السؤال مبنية على عدد من المتغيرات، منها مسار العمليات العسكرية على الأرض، ورد الفعل الغربي، والأوضاع الداخلية في روسيا ذاتها وفي أوكرانيا أيضاً. فإذا تمكنت القوات الانفصالية، المدعومة من روسيا بطبيعة الحال، من حسم السيطرة على إقليم دونباس بالكامل في إطار زمني قصير ومن دون خسائر ضخمة في الأرواح والمعدات، قد يشجع ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن يواصل “المسيرة العسكرية”، لكن بعد أن يتوقف قليلاً انتظاراً لما سيفعله الغرب.
خطأ سوريا القاتل
يرى العقيد المتقاعد في الجيش البريطاني هاميش ستيفن غوردون في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية تحت عنوان: “الغرب وقف متفرجاً في سوريا ويجب ألا يكرر ذلك مع أوكرانيا”، أن الأزمة السورية مستمرة من دون أن يلاحظها أحد.
ويقول إنها تحمل دروساً مهمة للدول الأوروبية حول أداء بوتين وعقليته وتصرفاته. ويعتقد الكاتب أن الجرائم المتكررة في سوريا مرّت من دون أن يلاحظها أحد من قبل بقية العالم وجرى غض النظر عنها. ويرى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مستمرة حتى اللحظة في ظل الدكتاتورية التي ترعاها موسكو، حتى مع رغبة بعض القادة والذين أسماهم “بالقادة المضللين” في إعادة تشريع وجود بشار الأسد -مهندس هذه الجرائم- وجعله مقبولاً من المجتمع الدولي بحجة الواقعية وغياب البدائل.
ويشير غوردون إلى أن الغرب بإمكانه الاطمئنان إلى أن رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، على عكس بشار الأسد، لا يرحب ببوتين في بلاده ويتركها عرضة للاحتلال. لكن للاستجابة للواقع الصادم في أوكرانيا، هناك دروس يمكن للغرب أن يتعلمها ويجب أن يتعلمها من الوضع في سوريا.
ويشير الكاتب إلى أن الأسد على عكس زيلينسكي، هو دكتاتور دمية له خيوط تحركها موسكو لقتل شعبه على كامل المساحة السورية، باستثناء إدلب، فهي المنطقة الوحيدة التي لا تزال خالية من الاستبداد، لكن مع وجود ملايين الأرواح المصابة بسوء التغذية المحاصرين هناك، ورمي الأسد براميل متفجرة وصواريخ حارقة ممنوعة دولياً وقتل الناس وكأنهم من الحشرات. ويضيف غوردون “حتى الأمم المتحدة أدارت ظهرها لإدلب، وقدمت المساعدة للأسد وزوجته لتوزيعها على النحو الذي يرونه مناسباً”.
بوتين يستفيد من خوفنا
ويرى غوردون أن موسكو باتت على استعداد لمواجهة حلف شمال الأطلسي كما لم تكن قبل بضع سنوات، وذلك عندما كان جيشها وعتاده القديم البالي لا يضاهي الدبابات الغربية ولا حتى يدانيها.
وفي الوقت الذي قامت فيه بقية الدول بتخفيض تعداد جيوشها إلى أدنى الحدود، والاعتماد على المعدات الإلكترونية وعلى الفضاء لخوض الحرب القادمة، عملت روسيا على تحديث قوتها العسكرية، التي تستعرضها اليوم في أوكرانيا، فأصبحت لديها نوعية فريدة بالنسبة لعدتها وعتادها العسكري، بحيث لم يعد بمقدور أي محارب إلكتروني أن يقضي عليها.
لنواجه بوتين بصلابة
يكمل غوردون قائلاً: “لقد أظهر الشعب السوري صموداً وابتكاراً لا يُضاهى على الرغم من خذلانه مراراً وتكراراً. أولاً ، الغرب لم يتدخل عندما بدأ النظام بمهاجمة الشعب الأعزل المتظاهر سلمياً. وثانياً، سكوت المجتمع الدولي على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، وهو أمر غير قانوني بموجب كل قواعد الحرب، واكتفت دول كالولايات المتحدة بالقول أن هذا الأمر خط أحمر، لكنها فشلت في التصرف عندما تم تجاوز هذا الخط لأكثر من مرة. وأخيراً، وقفنا متفرجين بينما تشق روسيا وإيران طريقهما عبر سوريا لإنشاء قاعدة عمليات أمامية على أعتاب أوروبا وفي قلب الشرق الاوسط”.
ويختم الكاتب قائلاً: “ربما سيحسِن قادتنا صنعا إذا تذكروا ذلك وكانوا أقوياء وأكثر صلابة في حماية أوكرانيا. لا أستطيع أن أتصور أن بعض العقوبات المفروضة على عدد قليل من البنوك والمليارديرات سوف تزعج بوتين. إنه يفهم فقط القوة والقوة -لقد حان الوقت لإظهار عزمنا وقوتنا”.
“المدن”