في ظل حالة من التوتر الأمني الذي يسيطر على المحافظة، أعاد النظام السوري استفزازاته إلى السويداء جنوب سوريا، مستهدفًا المرجعيات الدينية، للنيل من مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز، اللبنانية وكذلك الدرزية السورية، التي تؤيد الحراك الشعبي المناوئ له، ضمن مساعيه الحثيثة إلى خلق ثغرة قد تفتح له باب إعادة السطوة الأمنية على المنطقة وإجبار عشرات آلاف الشباب المستنكفين عن الخدمة العسكرية على العودة إلى صفوف القوات النظامية.
النظام السوري يستفز المرجعيات الدرزية اللبنانية والسورية
وفي سياق سياسته الرامية إلى إثارة النعرات والاستفزاز، منع النظام السوري وفداً دينياً لبنانياً من دخول سوريا، كان في طريقه إلى شيخ عقل الطائفة الدرزية في مدينة السويداء، ما أشعل غلياناً شعبياً في المدينة التي تشهد مرحلة متطورة من التسخين على خلفية الكشف عن خلية اغتيالات معدة ومجهزة لتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية بحق المطلوبين للنظام السوري بقيادة رئيس فرع أمن الدولة في السويداء العقيد سالم الحوش، حيث دفعت التطورات إلى اندلاع مواجهات بين مقاتلي «حركة رجال الكرامة» وقوات النظام، انتهت بتسيير دوريات ونقاط تفتيش أمنية في مدينة السويداء، ونشوب مواجهات عند دوار الباسل، تلاها انسحاب التشكيلات المحلية بعد طرد القوى الأمنية من المدينة.
وقال المتحدث باسم شبكة أخبار «السويداء 24» نور رضوان إن مقاتلي حركة رجال الكرامة طردوا الثلاثاء دوريات أمنية مشتركة، من دوار الجرة في مدينة السويداء، رداً على توقيف الأجهزة الأمنية لأحد أعضاء وفد ديني من دروز لبنان، أثناء قدوم الوفد إلى سوريا للقيام بواجب عزاء وفاة والدة شيخ عقل الطائفة في سوريا. ووفقاً للمتحدث من مدينة السويداء لـ «القدس العربي» فقد ترأس الوفد اللبناني «الشيخ كمال أبي المنى، ممثلاً عن سماحة شيخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان الدكتور سامي أبي المنى. وعند دخول الوفد إلى معبر المصنع، أوقفت السلطات السورية الشيخ علم الدين زين الدين، ثم أطلقت سراحه بعد تدخل مشايخ الطائفة في السويداء، وإجراء اتصالات مع المسؤولين».
وأشار المصدر إلى أن الوفد عاد إلى لبنان ولم يُكمل طريقه إلى السويداء، بسبب طلب السلطات السورية تصريحاً من الشيخ نصر الدين الغريب، المعين كشيخ عقل من الأمير طلال أرسلان، حيث أثار «هذا الإجراء الاستفزازي، حركة رجال الكرامة، وأحرار جبل العرب، ومجموعات أهلية أخرى، مما دفعها إلى دوريات ونقاط تفتيش أمنية في مدينة السويداء، ونشوب مواجهات عند دوار الباسل، تلاها انسحاب التشكيلات المحلية بعد طرد القوى الأمنية».
الشيخ سامي أبي المنى، هو من «مشيخة العقل الدرزية في لبنان رسمياً، وانتُخب بالتزكية أواخر العام الماضي. كما أنه يعد المرجعية الرسمية لشؤون الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة في لبنان. وللمشيخة مقر واحد، ومحاكم شرعية موزعة في المناطق التي يتواجد فيها الدروز في الجبل والبقاع».
ولقراءة الموقف ومعرفة الأسباب وراء مساعي النظام السوري في الانتقام من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، أرجع الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني، ذلك إلى أسباب عدة أهمها عدم قدرة النظام على شيطنة الحراك الشعبي وتشويهه فيها، وعدم قدرته أيضاً على اختراقه عبر أجهزته الأمنية وبعض الميليشيات التي جند في صفوفها بعض أبناء المحافظة مستغلاً الوضع المعيشي فضلاً عن «فشله في استخدام فزاعة تنظيم داعش ضد الأهالي الذين أخذوا على عاتــقهم حماية بلداتهم وقراهم» مشيراً إلى أن العقبة التي تواجه النظام في السويداء تتمثل في أن الدعم الذي يرد إلى المدينة سواء للفصائل فيها «غير الموالية للنظام» أو للمساعدات الشعبية هو أنه غير مسيس وغير مشروط كونه يأتي من أبناء الطائفة في لبنان وفلسطين.
التوتر الدائم في السويداء الذي يخبو تارة ويرتفع تارة أخرى، مرده، وفق الحوراني تميّز الحراك الشعبي بالانضباط، فضلاً عن كونه يجمع سمتين أنه مدني وبذات الوقت يمكن ضبطه من المرجعيات الدينية «مشيخة العقل». كما أن هذا حراك «يختبر مدى قدرة النظام كسلطة حاكمة، أمام الوعود التي يقطعها على نفسه في كل مرة يشتد فيها هذا الحراك، ويلفت الانتباه إلى أن الثقة بهذا النظام باتت معدومة. ويضع النظام أمام حالة الفشل التي يحاول المكابرة عليها».
استفزاز النظام للوفد اللبناني الدرزي، ترجمها الباحث على أنها رسالة من النظام إلى المرجعيات الدرزية، نظرًا إلى «أن الوفد أو المرجعيات الدرزية اللبنانية لم تتمكن من ضبط الحراك وتنويمه كما يأمل النظام، إذ أن المرجعيات اللبنانية وكذلك الدرزية السورية تعرف معرفة كافية أن التنازل عن مطالب الحراك سيؤدي إلى كسر هيبتها، وترى أن تحافظ على مكانتها في صفوف الطائفة أفضل بكثير من كسب ود النظام، وهو ما يدركه الوفد الدرزي اللبناني».
وبالنسبة للمآلات، يرى الباحث أن الحراك وفي ظل عدم قدرة المعارضة الرسمية على تبنيه ودعمه بشكل وطني فإنه «سيستمر على حاله ليشكل حالة تستنزف النظام بالتدريج، وتعمل على تقويض سلطاته في المدينة، ولا حظنا ذلك من خلال الضغط الشعبي لتحقيق بعض الأهداف كإطلاق سراح أحد الشيوخ حالياً».
“القدس العربي”