ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: مارك كيميت (عميد متقاعد بالجيش الأمريكي، شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية عامَيْ 2008- 2009)
بعد الخسائر الفادحة في المعارك وسلسلة الأهداف الفاشلة، يركز فلاديمير بوتين جهوده في أوكرانيا في مقاطعات “دونباس” الشرقية. وإدراكاً منه أنه لم تنجح خطته الأصلية للحرب الخاطفة ضد كييف ولا خطته لعمليات متعددة في الشمال والجنوب والشرق، يبدو الرئيس الروسي جاهزاً الآن لتبنّي مبادئ الحرب القديمة: البساطة وتوحيد الجهود والدعم اللوجستي المُركّز. لا مزيد من عمليات الإنزال الجوّي التي تتّسم بالمغامرة ضد المطارات ولا مزيد من القوافل المُتَعثّرة أو الهجمات المتزامنة والمتفرّقة على خاركيف وماريوبول وسومي.
لا مزيد من الخلافات بين القادة حول إعادة الإمداد اللوجستي. بدلاً من ذلك، سيواصل الروس جهداً مُنسّقاً واحداً مع طموحات محدودة مبدئية في دونباس.
لطالما تمّ الاعتراف بوحدة القيادة كشرط مسبق لا غنى عنه للنصر في المعارك. ولذلك لن تنطلق أوامر لساحة المعركة بعد الآن من الكرملين أو موسكو، بل من المقرات الميدانية.
إن تعيين السيد بوتين الأخير للجنرال ألكسندر دفورنيكوف لقيادة جميع القوات في أوكرانيا يتوافق مع مبدأ وحدة القيادة وهو أمر مُقلق أيضاً. على عكس وزير الدفاع سيرجي شويغو، وهو نائب سياسي، والجنرال فاليري جيراسيموف، الذي اشتهر بتصميم خطة الهجوم الأصلية لأوكرانيا، فإن الجنرال دفورنيكوف ليس ضابط أركان في موسكو. وهو من المحاربين القدامى المخضرمين وكان مسؤولاً سابقاً عن العمليات في الشيشان وشبه جزيرة القرم وأرمينيا.
والأهم من ذلك، أن الجنرال دفورنيكوف كان اختيار بوتين في عام 2015 لقيادة العمليات الروسية في سورية. فقد أُرسِل الجنرال دفورنيكوف لدعم بشار الأسد في وقت كانت فيه القوات الحكومية السورية على وشك الهزيمة، فقام بقلب مسار هذا الصراع وأبقى على الأسد في السلطة. كانت تكتيكاته وحشية، بما في ذلك إلقاء قنابل “غبية” على المراكز السكانية، واستخدام الذخائر العنقودية المحظورة، واستخدام تكتيكات الحصار مثل تلك التي شوهدت في ماريوبول.
في حين أن أوامر استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية جاءت على الأرجح من الأسد، فقد خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سورية إلى أن العديد من هذه العمليات نفذتها القوات الجوية الروسية.
وقد اعتبر الروس سورية دراسة حالة عن كيفية خوض الحروب في المستقبل. ففي تقرير عام 2021 والذي نشره معهد دراسة الحرب، أشار ماسون كلارك إلى أن درس موسكو الأساسي من سورية هو أنها بحاجة إلى تحسين القيادة والسيطرة العسكرية.
ربما دفعت أهمية “اتخاذ قرارات أفضل أسرع من الخصم” الجنرال جيراسيموف إلى الاعتقاد بأن ضربة خاطفة على كييف ستنهي الحرب بسرعة.
لكن سنوات من التدريب الغربي، والاستخبارات الجيدة، والدافع الوطني القوي سمحت للقوات الأوكرانية بصدّ هجوم سيّئ التخطيط من قبل القوات الروسية عديمة الخبرة. وبعد 45 يوماً من الحرب، أصبح لدى السيد بوتين والجنرال دفورنيكوف تقدير جديد لكيفية القتال بشكل أفضل في أوكرانيا.
يُفترض أنه تم اختيار الجنرال دفورنيكوف لهذا المنصب لأنه عرض على السيد بوتين خطة للنصر. ومن المعقول أن نتوقع عملية هجومية جديدة في دونباس قريباً.
فمن المتوقع أن يعتمد النهج الروسي في مثل هذه العمليات على تشكيلات مدرعة كبيرة وتركيزات هائلة من المدفعية والصواريخ والقذائف فقد قال جوزيف ستالين: بسبب سوء التخطيط وعدم الكفاءة اللوجستية، كانت كمية النيران غير المباشرة المستخدمة في ماريوبول وخاركيف وكييف تافهة بالمعايير التاريخية.
أتوقع أن يحاول الجنرال دفورنيكوف تصحيح هذا الخطأ.
الجنرال دفورنيكوف قائد لا يعرف الرحمة وله تاريخ قتالي قذر فلا نفترض أنه سيستمر في تنفيذ الخطط السيئة التي حلم بها الجنرالان شويغو وجيروسيموف. على العكس من ذلك، نتوقع أن تكون خططه أكثر اتساقاً مع إستراتيجية راعيه، السيد بوتين، وأن تتجاوز وحشيته حتى سجلّه البغيض في سورية.
“نداء بوست”