المصدر: صحيفة أتالايار الإسبانية (ناطقة بالإنكليزية-الفرنسية-الإسبانية)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: مانويل فيرنانديز
إن الأحداث الواردة من الميدان في سورية تُشير إلى أن العديد من الفاعلين يحاولون الاستفادة من انشغال روسيا بغزو أوكرانيا لتعزيز وجودهم في سورية.
فبينما يُركّز الكرملين كل موارده العسكرية على الحرب في أوكرانيا لتفادي الفشل الذي حصل في الأسابيع القليلة الأولى، تشير عدة تقارير إلى أن روسيا تقوم بنقل القوات النظامية والمرتزقة من مجموعة “فاغنر” من أماكن ومسارح عمليات أخرى.
ووفقًا لوسائل الإعلام الروسية المُستقلّة مثل روسيا تايمز، فقد بدأت موسكو بسحب عدد كبير من قواتها من سورية لنقلهم إلى أوكرانيا، بل إنها اضطرت للتخلّي عن تواجُد العديد من قواعدها الجوية في البلاد.
من جهته، تحدّث تقرير صادر عن مركز الأبحاث الإسرائيلي مركز ألما للبحوث والتعليم عن إرسال جزء من أكثر من 10000 جندي روسي نظامي من المحتمل ممن هم في سورية للمشاركة في غزو أوكرانيا، على الرغم من أن التقرير نفسه يذكر أنه ليس من الواضح ما إنْ كان التخفيض الروسي الكبير لعدد قواتها في سورية جاء في ضوء الحرب في أوكرانيا، مشيرًا إلى الطبيعة الإستراتيجية لهذا البلد (سورية) بالنسبة للكرملين.
في غضون ذلك، وبحسب المخابرات البريطانية، أفادت تقارير أن شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة نشرت ما يصل إلى 1000 مرتزق في شرق أوكرانيا على حساب عملياتها في إفريقيا وسورية.
مجموعة فاغنر، برئاسة يفغيني بريغوزين، وهو شخصية مُقرّبة من فلاديمير بوتين، مُتّهمة بالقيام بتنفيذ إملاءات الكرملين القذرة. فبالإضافة إلى سورية، شاركت المجموعة في العديد من النزاعات الأخرى، من ليبيا إلى موزمبيق، لكنها الآن تعمل على تقليص عملياتها في هذه البلدان للانضمام إلى الهجوم في دونباس، حيث يبدو أنها تلعب دوراً رائداً في ساحة المعركة هناك.
وقد تدخّلت روسيا في الحرب السورية عام 2015 بطلب من دمشق، ومنذ ذلك الحين أصبحت الفاعل الرئيسي في البلاد والداعم الأساسي لبشار الأسد، متغلبةً على قوى أخرى كانت تسعى أيضاً إلى وضع أجندتها الخاصة، مثل إيران وتركيا. ومع ذلك، يمكن لهذه الدول استغلال انسحاب القوات الروسية لتحقيق مكاسب.
الوكيل الإيراني
إيران هي الحليف الرئيسي الآخر للأسد، وقد تدخّلت أيضاً نيابة عنه بشكل مباشر ومن خلال وكلاء مثل حزب الله. ومع ذلك، وَرَدَ أن طهران لعبت دوراً أقل من موسكو، وتَعرَّضَ وجودها العسكري في سورية للتهديد من خلال القصف الإسرائيلي المستمر، وبرضا روسي.
لكن الآن، وفقاً لصحيفة موسكو تايمز، يُقال: إن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يحتلّان القواعد الجوية التي قيل إن الكرملين هجرها، على الرغم من عدم تأكيد هذه الشائعات بعد.
وفي غضون ذلك، ففي الثامن من شهر أيار/ مايو، قام الأسد بزيارة مُفاجئة إلى إيران، حيث التقى بالمُرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وهي أول رحلة له إلى الدولة الفارسية منذ عام 2019 ورحلته الثانية منذ اندلاع الحرب في عام 2011. وقال خامنئي في ذلك الوقت: “هذه العلاقة والاتصال حيويان للبلدين ويجب ألّا نسمح لها بأن تَضْعُف، بل على العكس، يجب أن نُعزّزها قَدر الإمكان”.
بالنسبة للعديد من المراقبين، لم يمرّ سياق الزيارة مرور الكرام، وربما يسعى الأسد إلى تعزيز الدعم الإيراني وسط انخفاض مُحتمل للدور الروسي في البلاد.
تركيا في موقع الهجوم
اللاعب الآخر الذي يبدو أنه يستغلّ الانشغال الروسي هو تركيا. وفي هذا الصدد، أعلن رجب طيب أردوغان، الإثنين الماضي، أن بلاده ستُطلق قريباً عملية عسكرية جديدة في شمال سورية.
وقال الرئيس التركي: “سنتّخذ قريباً خطوات جديدة لاستكمال المناطق الأمنية التي يبلغ عمقها 30 كيلومتراً والتي أنشأناها على طول حدودنا الجنوبية”. وختم أردوغان أن “العملية ستبدأ بمجرد أن ينتهي جيشنا وجهاز المخابرات والشرطة من استعداداتهم”، مشيراً إلى أن التفاصيل سيتمّ نقاشها في اجتماع مجلس الأمن القومي يوم الخميس المقبل.
وسيكون الهدف هو المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب (YPG)، وهي ميليشيا كردية جزء من قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي كان لها دور فعّال في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وتتّهم أنقرة وحدات حماية الشعب بأنها فرع من حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة يسارية تشنّ تمرّداً مُسلّحاً ضد تركيا منذ عام 1984.
يأتي هذا الإعلان بعد وقت قصير من إعلان أردوغان لهدفه المتمثل في إعادة ما يصل إلى مليون لاجئ سوري إلى “المناطق الآمنة” التي تتواجد فيها أنقرة وسط ضغوط اجتماعية متزايدة ومعارضة لوجود حوالَيْ 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا.
ستكون هذه هي العملية التركية الرابعة منذ اندلاع الحرب في سورية عام 2011، في محاولة للسيطرة على الحدود التركية السورية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب.
وكان آخِر هذه العمليات، عام 2019، والتي فشلت في تحقيق أهدافها، حيث دخلت روسيا والقوات الموالية لدمشق أراضي وحدات حماية الشعب، مما أدّى إلى وقف إطلاق النار واتفاق على تسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة، اللتين تحاولان منذ ذلك الحين الحفاظ على توازُن مُعقّد للقوى في شمال سورية.
ومع ذلك، فإن احتمال إضعاف الوجود الروسي في سورية قد يسمح لتركيا بإنهاء ما بدأته وإنشاء “مناطقها الآمنة” بشكل كامل.
علاوة على ذلك، يأتي إعلان أردوغان في سياق رفضه لعضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي، مُتّهماً إياهما بدعم حزب العمال الكردستاني، وهي خطوة يعتقد مارك بيريني، الخبير في شؤون تركيا والشرق الأوسط، أنها أكثر ارتباطاً بانتخابات رئاسة تركيا لعام 2023 والانتخابات التشريعية.
ومع ذلك، يجادل بيريني أن “هذا الافتراض يتضاءل بسبب الشعور الذي لا مفرّ منه بأن الاعتراض التركي يهدف أيضاً إلى لعب دور تركي يدعم من خلاله الكرملين، على الرغم من أن الدوائر الحكومية في أنقرة أنكرت ذلك”.
اجتماع أستانا (نور سلطان): هل يمكن أن يكون سرّياً؟
أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الكازاخستانية يوم الثلاثاء، أنه خلال انتظار مزيد من التفاصيل حول الهجوم التركي والزيادة المُحتملة في النفوذ الإيراني، قد يتم إجراء أول اتصال للتحضير للجولة المُقبلة لما يُسمّى بعملية السلام في أستانا، المُقرّر إجراؤها مبدئياً في الفترة من 14 إلى 16 حزيران/ يونيو.
لقد أُطلقت عملية السلام في أستانا، التي عُقدت في عاصمة كازاخستان (من عام 2019 تحت اسم نور سلطان)، من قِبل روسيا وتركيا وإيران في عام 2017، بهدف الوصول إلى حلّ للصراع السوري يُرضي جميع الأطراف الثلاثة. الآن لدى موسكو وأنقرة وطهران فرصة الاجتماع للمرة الأولى منذ بَدْء الغزو من أجل إرساء قواعد اللعبة الجديدة في سورية وإدارة الانسحاب الروسي المحتمل.