على الرغم من أنها تعقد في إطار منصة أستانة، إلا أن قمة طهران اليوم بين الرؤساء الروسي والتركي والإيراني، لن تكون سوريا النقطة الرئيسية في جدول أعمالها، حسب خبراء روس. وتأتي هذه القمة بعد أيام على إختتام جولة بايدن في المنطقة ولقائه مع قادة دول الخليج والعراق ومصر والأردن، وهو ما يسمح بالقول أن قمة طهران هي، بشكل أو بآخر، رد على الحدث الأميركي في المنطقة. واعتبر بروباغنديون روس أن روسيا والصين كانتا الفائزتين الكبريَين في جولة بايدن، إذ شكلتا أبرز نقاط جدول أعماله في اللقاءات كافة.
وما أن أُعلن الأسبوع الماضي، موعد عقد القمة، حتى سارع مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي إلى الإعلان بأن إيران مستعدة لتسليم روسيا “عدة مئات” من الطائرات بلا طيار. ورأت صحيفة الكرملين vz أن”الولايات المتحدة تستغل المسيرات الإيرانية ضد روسيا”. وقالت بأن جدول الأعمال الرسمي لقمة طهران يتركز حول مسألة التسوية السلمية في سوريا، لكن “من المحتمل جداً” أن تتطرق مفاوضات الرؤساء إلى “موضوعات أخرى” غير التسوية السورية. ونقلت عن الأمين العام للسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي، ستيفانو سانينو، قلقه من تسلم روسيا للمسيرات الإيرانية، وقوله بأن هذا من شأنه أن “يكون تطوراً خطيراً للأحداث”.
ووصفت الصحيفة زيارة بوتين لإيران بـ”المميزة”، وتحدثت عن أهمية العلاقة مع طهران بالنسبة لروسيا في هذه المرحلة. ونقلت عن ممثل الخارجية الإيرانية ناصر كاناني، قوله بأن التعاون بين موسكو وطهران في حقل التكنولوجيا بدأ قبل “الأحداث” في أوكرانيا، ولم يطرأ عليه جديد في المرحلة الأخيرة. ورأى أن واشنطن تتهم “عدوَّيها الجيوسياسيَين” إيران وروسيا بتطوير العلاقات العسكرية بينهما.
وبين خبراء روس كثر استعانت بهم الصحيفة في نصها، نقلت عن خبيرة إفتراضها بأن حاجة إيران للمواد الغذائية من روسيا، جعلت المستشار الأميركي يتحدث عن المسيّرات الإيرانية لروسيا. كما افترضت الخبيرة أن صفقة المسيّرات المفترضة قد تتم بالمقايضة: الغذاء مقابل المسيّرات، ورأت أن المسيّرات الإيرانية ذات نوعية و”حديثة بما يكفي”.
خبير آخر لا يتفق مع رأي زميلته، يرى أن علاقة إيران الحيادية في الحرب الأوكرانية ومطالبتها بوقف الأعمال العسكرية، يجعل من المشكوك فيه أن تقدم إيران على التعاون مع روسيا وتسلمها “أسلحة ما”.
خبراء عسكريون قالوا للصحيفة بأن المسيّرات الإيرانية جيدة بالدرجة الأولى “لأنها موجودة”، وسيكون من الجيد أن تتمكن إيران من تنفيذ عرضها. ويرى أحد هؤلاء الخبراء أن سلبية هذه التقنية هو أن صناعات إيران ليست مستقلة، بما في ذلك في مجال الإلكترونيات. ومع ذلك لا ينبغي أن “ننسى” أن الإستيراد يمكنه، بأقصى سرعة، أن يحل مهمة الإضافة الكمية من الطائرات المسيّرة في القوات العسكرية، ويضيف بأن “الغاية تبرر الوسيلة” في هذه الحالة.
طرحت “المدن” على عدد من الكتّاب السياسيين الروس، ثلاثة أسئلة، عن رأيهم في أن قمة طهران هي رد على جولة بايدن الشرق اوسطية، والتأثير الذي يمكن أن تتركه في علاقات روسيا بدول الخليج، وما إن كانت ستبتاع المسيّرات الإيرانية.
الكاتب السياسي في صحيفة NG الروسية (الصحيفة المستقلة) إيغور سوبوتين، قال: “إذا كانت قمة ترويكا أستانة هي رد على جولة بايدن الشرق أوسطية، فهي كذلك خاصة بالنسبة لأردوغان الذي لا يمكن إلا أن تزعجه الخطوات الأخيرة للبيت الأبيض في الإتجاه العربي الإسرائيلي. وإذا كانت الإدارة الأميركية أرادت من خلال الجولة الأخيرة أن تعلن أن الشرق الأوسط ما زال ضمن أولوياتها، فإن تركيا بقيت في مكان ما على الهامش”.
روسيا وإيران تتيحان لتركيا فرصاً جيدة في هذه الحالة، خاصة أن الدول الثلاث تندرج في لائحة أميركية واحدة في الأزمة الأوكرانية. والأنباء عن تسليم إيران طائرات بلا طيار لروسيا، وبغض النظر عن مدى صحتها، هي، على الأغلب، مخصصة للقيادة الإيرانية، وليس للسلطات الروسية، وتُعتبر بمثابة تلميح بأن مروحة العقوبات قد تتوسع بسبب الملف الأوكراني.
أما في ما يتعلق بالأزمة السورية، فمن المهم بالنسبة لترويكا أستانة حل مسألة نقل مفاوضات لجنة الدستور من جنيف، والتي لن تعقد جولتها التاسعة هذا الشهر. ومن المحتمل أن يكون هذا “الإنتقال” على علاقة بمطالبة روسيا رفض المنصة السويسرية. من المهم بالنسبة لتركيا الحفاظ على رعاية الأمم المتحدة الشكلية للحوار الدستوري، في حين أن روسيا وإيران قد تصران على نقل المفاوضات إلى منصة أكثر ودية مع النظام السوري.
ويرى أن “من الصعب القول بأن ترويكا أستانة مصدر إزعاج لدول الخليج، فمراكز االقوى العربية إعتادت منذ زمن على هذا النوع من الإتصالات”.
الباحثة من أصل إيراني في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، لانا راوندی فدایی، قالت بأنه “يمكن إعتبار قمة طهران رداً على قمة بايدن مع دول الخليج، لأن زيارة بايدن كانت في الأساس موجهة ضد إيران ونفوذها في المنطقة. وفي ظل ضغط عقوبات الغرب غير المسبوق، تحتاج روسيا لتنشيط علاقاتها ليس مع الصين فقط، بل مع الدول الإسلامية النافذة والكبيرة إقتصادياً، تركيا وإيران”. وترى “أن زيارة بوتين الحالية لإيران يمكن إعتبارها مواصلة لسياسة التقارب بين البلدين. وقد تتخذ خطوات لعقد إتفاقية تعاون جديدة بين البلدان الثلاثة، والتي تخشاها جداً البلدان الغربية”. وتتوقع أن “تعلن القمة تعزيز التعاون الثلاثي في مختلف المجالات، وتبحث في المشاريع المشتركة التي يجري تنفيذها.
وبشأن الأزمة السورية، تتوقع الباحثة أن تكون إحدى النقاط الأساسية في جدول أعمال القمة. كما تتوقع أن يتم البحث في إعادة إعمار سوريا، “ما يساعد في إستقرار الوضع في سوريا والمنطقة ككل”. إلا أنها ترى أنه “قد تكون هناك خلافات بشأن التسوية السورية، لأن تركيا، وعلى عكس إيران وروسيا، لا تدعم بشار الأسد”. هذا مع العلم أنه ينبغي الأخذ في الإعتبار أن أردوغان، برأيها، قد “أعاد النظر جزئياً في موقفه في الفترة الأخيرة، وقد يكون مستعداً أن يعيد جزئياً العلاقات مع دمشق الرسمية”.
وحول المسيّرات الإيرانية لروسيا، تقول فدایی بأنه، نظراً لتطور العلاقات السياسية بين البلدين، نظرياً يمكن القول بأن إيران ستلبي حاجة روسيا لهذه الطائرات. لكن وزير الخارجية الإيراني نفى، على قولها، في 13 الجاري، ما أشاعته الولايات المتحدة حول الصفقة، وقال بأن إيران لن تمد بالسلاح أياً من طرفي الحرب الأوكرانية. وثمة قسم معين من النخب الإيرانية من المهم جداً بالنسبة إليه التوصل لإعادة العمل بالصفقة النووية ورفع العقوبات الأميركية، ولذلك لا تريد إيران توتير العلاقات مع الغرب الذي يقف ضد روسيا، ويمكن أن يستاء من توريد المسيّرات إلى روسيا، ولذلك لن تتم “على الأرجح” صفقة المسيّرات.
الكاتب السياسي، دمتري بريدجه، لا ينفي إمكانية أن تكون قمة طهران رداً على جولة بايدن، لكنه يستدرك بأن هذا لا يعني أن روسيا خططت لعقد القمة، فهي تُعقد سنوياً “عدة مرات”. ويرى أن سوريا لا تشكل موضوعاً مهماً للقمة، لأن الأولوية الآن لمشكلة الطاقة وتطوير القدرات العسكرية في ظل ما يجري في أوكرانيا.
وبشأن المسيّرات يقول دمتري بأن إيران ستكون لاعباً مهماً إذا هي أثبتت قدراتها العسكرية، وهذه الخطوة ستكون مهمة لفتح أسواق جديدة لمسيّراتها. ويتفق مع فدایی بأن جولة بايدن لن تترك أي تاثير في علاقات روسيا بدول الخليج والدول العربية ككل.
“المدن”